19 ديسمبر، 2024 1:35 ص

كنتُ صغيراً عندما نزح ابي من بلدتهِ الصغيره الراقده على ضفاف نهرٍ  صغير يتفرع من نهر دجلة  الذي  يتلوى كالافعى  ليرسم نصفي دائره فاغرَ فاهُ على غابات نخيل تنام تحت ظلالها  صغاٌر من اشجار الرمان وداليات الكرم ،الى مركز المدينه  مخلفا اللوم والعتاب وعدم الرضا  لهذا الاجراء من قبل الاب والام والاخوه والاصدقاء.
تجمع الكل لوداعه صباح ذلك اليوم الشتوي الذي يستظل بخيمة من غيوم  اشتات وجمع. عند باب (العَّبارَة)  التي تحملنا مع امتعتنا الى الضفه الاخرى من النهر حيث لاجسر يوصل الضفتين لنستقل احد السيارات القليله القادمه للبلدة التي ترتبط بالبلدات الاخرى بطرق ترابيه توحل ايام الشتاء فتنقطع عن العالم لايام الى ان يجف الطريق لا انسى لحظة امساك جدي ليديّ ابي قائلا ان الفراق كالموت
فاجابه…. …ستجدنِ عندكم كل شهر
ضحك… جدي ساخرا ،قل كل سنه .
او… ستاخذك المدينه ولاتذكر ان لك اهل.
كنت لا افهم معنىالكلمات… الرحيل،  الوداع ،الفراق حين غمرني الجميع بالقبلات وبعضهم فاضت دموعه على خديَّ.        انما  اراها مزيجا من اللهو والمرح واللعب الطفولي المشبع برائحة العرق للاجساد الابويه التي تملئ الانف،وتدغدغ بشرتي بنهايات شعر الشارب للرجال.
وصلنا المدينه وفي شارع يفوح بمزيج من روائح عفنه لاطعمةٍ ومتاع قديم ويعج بالاتربة والاصوات لباعة ينادون على سلعٍ مختلفةٍ  كان سكننا
عند العصر كانت امي تُجْلسني عند عتبة الدار وتؤكد عليَّ ان لا ابرحها لاننا غرباء عن الناس والمكانكان مقابل دارنا دكان لمهندس دراجاتٍ هوائيه وبخاريه كنت منبهرا بعجلاتها الثنائيه وكيف يمكنها ان تحمل شخصا يسير بها دون ان يقع في عصر ذلك اليوم خالفت انظمة امي وسحبت نفسي متسللا مثل ثعلب يتربص بفريسته
.اقتربت من الدكان
عند رؤية احدهم يقود دراجة بخاريه وهي ترسم بدخانها الابيض والاسود سحب صغيرة تتكور وتتلاشى  سار قائد الدراجة وبخطوات طفوليه مجهوله تَِبيعَتهُ خطواتي.
مر بطرق تتشعب منها ازقة تضيق وتتسع وانا كاالمذهول اركض خلفه دون ادراك.
توقف عند احد الدكاكيين احسستُ  اني ابتعدت عن بيتنا وظللتُ الطريق 
تلفت يمينا وشمالا لعلي اهتدي دون جدوى.
تسمرت في المكان  وبدا الخوف يسري في اوصالي 
منتظرا ان يقرر قائد الدراجه خطوتي القادمه.
تحركت الدراجه وتبعتها مضطرا لاجد نفسي امام دارنا  الذي ضج بصراخ المسبشرين وصوت امي الممزوج بحشرجات بكاءها وذهولها 

أحدث المقالات

أحدث المقالات