بني النظام الحكومي في العراق على المحاصصة منذ أول تشكيل بعد احتلاله وكان مجلس الحكم الأساس الأول الذي بنيت عليه كل التشكيلات الحكومية فيما بعد ولم يكن ذلك وليد صدفة أو وليد اللحظة ذلك أن القوى المعارضة التي كانت خارج البلاد ثم جاءت فتسيدت في العراق كانت جلها مبنية على هذا الأساس ولذلك حين تشكل مجلس الحكم كان القالب الجاهز لديه هو تقسيم الحصص حتى في رئاسته لكل شهر..وهكذا كانت حكومة مجلس الحكم أيضا ثم جاءت حكومة علاوي وحكومة الجعفري فتطور مفهوم المحاصصة الى الدرجات الدنيا في الدولة وكان التقسيم وقتها شيعة .. كرد .. سنة .. أقليات .. وبعدما تدهور الوضع الأمني وأصبحت البلاد في خطر الحرب الأهلية الطائفية بعد أن سميت المحافظات التي تؤوي الإرهاب بالمحافظات الساخنة علا صوت المحاصصة ولبس ثوب الطائفية ولم ينفع الدستور الذي كتبه الشيعة والكرد وقسم من السنة في وضع العراق على السكة الصحيحة لبناء دولة مدنية بعيدة عن المحاصصة تحفظ حقوق المواطنين ويكون تمثيلها على أساس الانتخابات لا على أساس الطائفة والقومية فالدستور لم يذكر أبدا المحاصصة ولم يقل أبدا رئيس وزراء شيعي ورئيس جمهورية كردي ورئيس برلمان سني وهكذا دواليك ولم يذكر حكومة الشراكة ولاحكومة الوحدة الوطنية ولاحكومة التكنوقراط ومع هذا فقد استفحلت المحاصصة في الدولة كلها ثم اصبحت الطائفية والتكرد ركناها ثم تغلغل التحزب فيها بعد أن تولى المالكي ولايته الثانية فأصبحت الدولة كلها بحكومتها الاتحادية وحكوماتها المحلية وحكومة الإقليم في صراع دائم على المناصب والتعيينات لا على المناهج والخطط والبرامج فتحولت الدولة الى قطاعات سياسية وإقطاعات إدارية ولد فسادا ماليا وإداريا هائلا كانت تغطيه الأموال المليارية والميزانيات الانفجارية وعمليات التوظيف الفضائي ليولد بطالة مقنعة زادت من انحدار البلاد وقللت من الاستثمار وحولت الدولة الى منظمة خيرية للرعاية الاجتماعية فأضحى لدينا مجتمعا مستهلكا غير منتج ولاينفك بالمطالبة بالمزيد.. ولم لا ؟ وهو يرى بأم عينيه من كان فقيرا فأصبح ملياديرا ومن كان معارضا أصبح في سدة الحكم ويسكن القصور بعدما كان يسكن كوخا او بيتا متواضعا و و و و والناس تسمع وترى..هكذا مضت البلاد وهكذا تغولت أحزابها فأصبحت خزائن الدولة بيد منتسبيها وأعوانها وتجارها وموظفيها ومتملقيها ..فنشأت المافيات المنظمة وقسمت الغنائم بالتوافق ..وتعلو الأصوات حينا وتخفت حينا وليس من سبب لذلك إلا لخلل في تقسيم الغنائم أو اعتداء على حصة آخر..كل الأحزاب اشتركت في هذه العملية وكلها تغولت بسبب ماحصلت عليه من أموال بحق أو غير حق ولذلك لم يستطع أن يظهر جيل سياسي وطني ولن يظهر في المدى القريب أبدا لأن المحاصصة أصبحت من أساسيات النظام الحالي ومعيشة المكونات السياسية وبقاؤهم مرتبط به ..واليوم هل يمكن أن ينتج لنا هذا النظام حكومة تكنوقراط ثم بعد ذلك دولة مدنية غير مبنية على المحاصصة..هل يمكن لرئيس وزراء حزبي جاء على أساس المحاصصة أن يقود حكومة تكنوقراط..هل يمكن لبرلمان بني على المحاصصة ولجانه التي تدرس وتقيم السير الذاتية للمرشحين أيضا مبنية على المحاصصة هل يمكن لهذا البرلمان أن يصوت على حكومة تكنوقراط..هل يمكن لعراق تقوده ثلاثية محاصصة رئيس وزراء شيعي ورئيس جمهورية كردي ورئيس برلمان سني أن يتخلى عن المحاصصة..الجواب يكمن في قاعدة فقهية عتيدة تقول: فاقد الشيء لا يعطيه.