23 ديسمبر، 2024 3:26 ص

نظام المحاصصة الطائفية الاسلاموية والاثنية نقيض لحكومة التكنوقراط المهنية الإختصاصية !!!

نظام المحاصصة الطائفية الاسلاموية والاثنية نقيض لحكومة التكنوقراط المهنية الإختصاصية !!!

في إطار البحث الشكلي عن مخرج للازمة المستعصية في البلاد منذ ثلاثة عشر عاما, والتي عصفت في البلاد وأودت بالخراب الشامل لامكانيات البلد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية, يجري البحث عن حلول ترقيعية بعيدا عن البحث عن الاسباب الحقيقية للازمة العامة في البلاد, والتي كان سببها الاول والاخير هو النظام الطائفي المحصصاتي والاثني البغيض الذي شل حركة النهضة والحياة في بلد يمتلك كل المقومات الموضوعية والذاتية للنهضة الحضارية, باستثناء طبيعة النظام السياسي القاصر فكريا وعقليا والعاجز كليا عن استنهاض القوى الكامنة لشعبنا وقدراته وموارده الذاتية صوب التنمية البشرية المستديمة !!!.
لعل نظرة متأنية وموضوعية منطلقة من روح الحرص على النواة المتواضعة للنظام الديمقراطي,تؤكد لنا أن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية وما أنتجه من تعصب أعمى,ومنذ ولادته بعد 2003 لحد اليوم كان عائقا ومعطلا للعملية السياسية,حيث حلت في الممارسة العملية الانتماءات الضيقة محل ” علم السياسة ” لإدارة شؤون البلاد,مما جعل من أحزاب الطوائف والأعراق أمكنة للحشود البشرية وليست أمكنة لانتقاء وتدريب النخب السياسية لقيادة البلاد,وكأنها تعمل على قاعدة أن الحزب يساوي كل أبناء الطائفة أو العرق بما فيها من خيرين وأشرار,وتحولت إلى أمكنة للاحتماء بدلا من الاحتماء بالدولة والقضاء كمقومات للدولة العصرية,مما فوت الفرصة على الانتقاء والفرز على أساس الكفاءة السياسية والنزاهة,وليست لاعتبارات لا صلة لها ببناء دولة المواطنة,أنه سلوك يؤسس لمختلف الاختراقات السياسية والأمنية وشتى ألوان الاندساس.
كما أن نظام المحاصصة عرقل جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي,وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد,بل حصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك ,أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة ,بل تؤسس إلى ” إفساد للتنمية “,وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف,والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاة كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع !!!,أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل ,وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف دينه ومذهبه وطائفته وعرقه!!!!.
أن اشد ما الحق الضرر بمصالح البلاد وأمنه هو إخضاع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والدفاعية للمحاصصة الطائفية مما فسح المجال لتأسيس حالة الاختراق الأمني المستديم لهذه الأجهزة عبر تكريس حالة التوجس والريبة وانعدام الثقة بين قيادات ومنتسبين هذه الأجهزة,مما تندفع هذه الأجهزة إلى التناغم مع دول الجوار في البحث عن حليف مطابق لها في الصبغة الطائفية والعقائدية,مما يتركها فريسة للاختراقات الخارجية وفرض أجندة دول الجوار,وهنا يأتي تفعيل واستنفار” الحلقة المفقودة” المتمثلة بكل القوى الداخلية الغير راغبة في التداول السلمي للسلطة لتقوم بدور المنفذ النشط أانطلاقا من تطابق الأهداف والمصالح المشتركة في عدم معافاة العراق,بدلا من تعزيز حالة التوافق والانسجام في عمل هذه الأجهزة لخدمة امن البلاد.
لقد أخلت سياسة المحاصصة بالسلم الاجتماعي وأضعفت الشعور بالوحدة الوطنية والتكافل الاجتماعي من خلال خلق التكتلات والشللية السياسية والاجتماعية على أسس طائفية وعنصرية مما يعزز بمرور الوقت حالات الاحتقان والفتنة الاجتماعية,فيتحول الصراع السياسي وغير السياسي إلى صراعات طائفية وعرقية لا حصر لها,أنها عملية استنفار للاشعور الجمعي لأفراد الطوائف والأعراق, وحتى لأتفه الأسباب !!!!, وهناك فرق جوهري بين حقك المشروع في الانتماء إلى دين أو طائفة أو عرق أو قومية ما وبين أن تبني دولة تضم مختلف الأديان والأعراق !!!!.
أن إضفاء الصبغة الطائفية والعرقية على الصراع السياسي واللجوء إلى الحلول ذات الطبيعة التوافقية ـ الطائفية والعرقية تسهم في تكريس منظومة قيمية ذات طبيعة تعصبية ” شاء الفرد أم أبى” لتشكل بدورها اتجاها نفسيا سلبيا مشحون بشحنة انفعالية ضد الأخر الديني أو الطائفي أو العرقي دون سند علمي أو منطقي أو بمعرفة كافية,ليتحول التعصب إلى مشكلة حقيقية في التفاعل الاجتماعي الإنساني المنفتح,وحاجزا يمنع كل فكر تقدمي جديد,ويفتت مكونات المجتمع الواحد ويحولها إلى أشلاء منغلقة ذاتيا بعيدة كل البعد عن التطورات المتلاحقة التي تحصل في العالم الخارجي في كل المجالات,أنها حالات من الصمم والبكم والعمى الهستيري والتي لا تدرك الأشياء والظواهر إلا من خلال اتجاهات التعصب الأعمى,أنها فرصا مواتية لتشديد قبضة الكراهية والعدوان الاجتماعي,ونحن نعلم من الناحية النفسية أن التعصب والتخندق الطائفي والعرقي هي سلوكيات مكتسبة ومتعلمة في أعمها الأغلب ولا توجد أدلة قاطعة ذات طبيعة غرائزية أو فسيولوجية لوجودها,فهي حالات من التمركز حول الذات وعدم تقبل الحوار مع الأخر المغاير !!!.
ويجب التأكيد هنا إلى أن الصراع الذي يجري في العراق ليست صراعا طائفيا أو عرقيا بالمرة,وقد أكدت السنوات المنصرمة فشل الانسياق ورائه,إلا أن تجير الصراع السياسي وإضفاء الصبغة الطائفية أو العرقية هو الذي يؤدي قسرا بالسواد الأعظم من شعبنا الذي أتعبته الحروب وأنهكه تأمين شيء من الخدمات العامة إلى ” التعصب ” و “الخندقة ” كحيل دفاعية لتامين لقمة العيش,لأن رموز الطوائف والأعراق والأحزاب تمتلك المال كله , وكما يقول أبو ذر الغفاري 🙁
عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) والتخندق الطائفي أو العرقي أشبه بحامل السيف لـتأمين لقمة العيش !!!!.
وفي ظل تلك الاوضاع وانعدام بصيص الامل وتحت وقع وضربات الحراك السلمي الاجتماعي الاحتجاجي المطالب بحقوق شعبنا الشرعية في الامن والامان وتأمين لقمة العيش الكريم, ومطالبته المستديمة بحكومة تكنوقراط تضمن له الابتعاد عن عن نهج المحاصصة العبثي والمتدهور, يجري البحث في أروقة النظام الطائفي الاثني عن حكومة تكنوقراط في محاولة لسد افواه المتظاهرين وتفويت الفرصة على مزيدا من الحراك والتصعيد الجماهيري, لاحتواء أزمة النظام المتأصلة في طبيعته !!!.
وحال تقديم رئيس الوزارء العراقي حيدر العبادي لمقترحات “حكومة تكنوقراط “, وبغض النظر عن الآلية التي جرت بها والملاحظات الجدية التي سوقت ضدها, فقد بدأت القوى السياسية بمعظمها, بما فيها الجهة التي ينتمي إليها حيدر العبادي, في التشكيك بتلك المقترحات وعناصر الحكومة المقترحة والتهيئ لرفضها كليا, وقامت القوى السياسية الاسلاموية وغير الاسلاموية وكذلك الاثنية العرقية في البحث عن عوامل رفض هذه الحكومة والتهيئ لمحاربتها. وكأن العبادي في محاولته هذه كشف للمرة تلو المرات السابقة عن عجز هذا النظام المحصصاتي وفشله في ايجاد الحد الادنى من الحلول لمعضلات نظام مستفحل في فساده, والذي يشكل العبادي طرفا في هذا النظام وليست منقذا له, ولكنه اراد بلعبته هذه هو النفاذ بجلدته من الضغوطات الشعبية والبرلمانية, وحال مؤقتا دون محاسبته !!!.
نقول هنا ان البحث عن حكومة تكنوقراط مؤلفة اعضائها من خبراء ومهنيين ومتخصصين في مختلف المجالات, ومن اساتذة جامعات وباحثين مرموقين, يستندون في نشاطهم الحكومي الى معطيات العلم والمعرفة الحديثة في مختلف المجالات ومستقلين نسبيا عن تأثير الاحزاب السياسية التي تقود البلد في مرحلة ما, هو أمر في غاية الصعوبة في ظل نظام محصصاتي يستند الى معايير الولاء للحزب او الطائفة او الاسرة الحاكمة او القومية والحزب القومي المهيمن, حيث اللجوء في اسناد المناصب الى معايير شاذة لا صلة لها في الكفاءة والمقدرة المهنية والتخصصية, وحيث النظر الى السلطة والمنصب هي استحقاقات محصصاتية وغنائم وفرص لا تعوض !!!.
ومن هنا فأن عملية الحراك الاجتماعي والمتمثلة بكل الفعاليات السلمية المطلبية والطموحة الى التغير الجذري يجب ان تستهدف في نشاطها المتعاظم الى ما يفضي الى التأسيس للحلول الجذرية التي تسهم في فك الارتباط وانهاء العلاقة مع النظام المحصصاتي الطائفي والاثني, واعادة بناء العملية السياسية على اسس دستورية وقانونية جديدة تضمن الوطن والمواطنة والانتماء الى العراق بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والاثنية والدينية. وعندها يكون الحديث عن التكنوقراط وانقاذ البلد واعادة بنائه أمرا ممكنا في ظل مزاج الانتماء الى الوطن الأم !!!.