يقال أن بقاء الحال من المحال ، فالتغيير سنٌة الطبيعة ، حيث يستبدل القديم من الافكار والنظريات والمخلوقات باخرى متجددةحسب الاكتسافات الجديدة والحاجات الناشئة ، لكي يستمر التطور … وهكذا فارادة التغيير هي الرافعة والمحرك التي تدور حولها وقائع الحياة والانتفاضات والثورات .. الخ .
قد نتساءل : هل التغيير مطلوب لذاته ؟ وهل يتساوى التغيير ، في بعض الاحيان مع التضحيات المبذولة في سبيله ؟
الجواب : التغيير يجب ان يكون هادفا ومسببا .. وذي منهج واضح ( مسارات ورؤيا محددة ) ، والا تحول الى مجرد طوفان يسحق ويحطم كل مايمر بطريقه بلا غاية . فالتغيير عملية مطلوبة لاستمرار الحياة … الا انها عملية تبدأ من ذات الانسان الى الخارج على شكل افكار وسلوك قابل للحياة. والحكمة الالهية واضحة في ذلك : لا يغير الله مافي قوم حتى يغيروا ما بانفسهم : فصلاح المجتمع من صلاح الفرد .
هذا الغيير الذاتي صعب وهو أعلى درجات الجهاد – الجهاد مع النفس المجبولة على طباع يصعب تغييرها . …لكن الايديولوجيات والنظريات والمبادىء التي تأبى التجدد يكون مصيرها الجمود ، ثم الخروج عن فلسفة العصر لتصبح اخيرا أداة عرقلة للتطور المنشود .
يبدأ الفرد بالتغيير عنما يحس بالحاجة اليه او عند ارتكاب خطأ ، وسبحان من لا يخطىء ، فأن أصر عليه فتلك مصيبة ، وان برره أو جمٌله ، فتلك مصيبة اكبر. الخطأ ليس عيبا فهو ملازم للسلوك الانساني ، الخطأ هو في عدم الاعتراف به او عدم تصحيحه . اينشتاين وهو العلامة الكبير يقول : ” اذا أحس أحدا انه لم يخطأ في حياته ، فهذا يعني أنه لم يجرب أي جديد في حياته ” ، ذلك ان الانسان والبشرية ككل انما يتعلما من الاخطاء .
نأتي الان الى بيت القصيد : كثيرون نراهم في الحياة وعلى الشاشات وفي وسائل الاعلام الاخرى ، منغمسون في تخطئة وتقييم ونقد الاخرين … ناسيين الحكمة القائلة : عيوبك انت لا تراها الا في عيون الاخرين . وكما يقول السيد المسيح : ” لا تدينوا لكيلا تدانوا ، فكما تدينون تدانون … وبما تكيلون يكال لكم ” … ” فلماذا تنظر القشة في عين أخيك ولا تبالي بالخشبة في عينك ” . وانك وكما تقول الام تيريزا ( حاصلة على جائزة نوبل للسلام ) :” اذا بدأت في تقييم الناس ونقدهم فانك لن تجد الوقت لتحبهم ” … فتصوروا ؟
نصيحة لكل من ارتقى ويريد أن يرتقي مركب المسؤولية الصعب : كن شجاعا ، فالزعيم يجب أن يكون شجاعا لان التغيير يتطلب الشجاعة مهما تطلب ذلك ، والا فان التردد والخوف سجعلانك خارج نطاق الفرصة المتاحة ، وحتى خارج الزمن … ولنا في قول الامام علي عبرة :” اذا هبت أمرا فقع فيه ،فأن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه ” . فالخوف والتردد في اتخاذ قرار التغيير يحيد العقل ويمنعه من التفكر الصحيح ويبعده عن تداعيات الواقع … أو على الاقل يفقده الاتجاه المطلوب الذي تؤشر له بوصلة التطور .
الزعامة الحقيقية – على حد قول الراحل العظيم عبد الناصر – هي الزعامة العابرة للحواجز الطبيعية والدينية والطائفية والجغرافية – ونضيف من عندنا : والعابرة للحواجز الذاتية المفترضة والمصطنعة – داخل النفس كانت ام على ارض الواقع . فلكي تكون زعيما عليك أن تكون متميزا ( والا مالفرق عن الاخرين ) وغاية التميز أن تعرف ان ليس كل من يطلق عليهم رجال هم رجال … فهم كما الطير .. يجمع بين النسر والدجاجة ، وباختصار كن على قدر المسؤولية والاخسرت لقب مسؤول او زعيم .
فالزعيم الذي يحصر أو يحشر نفسه في زاوية قناعات سالفة ويشرنق نفسه بها مهما مضى الزمن انما يشقي نفسه ويشقي رعيته ، ” فتفقهوا قبل ان تسودوا “، حسب قول الخليفة عمر بن الخطاب … لا تجادلوني بمصطلحات مطاطة كالثوابت والمبادىء ، فحتى المبادىء وثوابتها لا بد لها من أناء توضع فيه فتأخذ شكله وحجمه وظرفه … وليكن اناء مبادئكم مصلحة الامة كما مطلوب وليس كما تتخيل …يجب أن تشكلها لتلائم واقع قائم وليس نظري مفترض .. وتذكر قول الشاعر ( غوتة ) : النظرية ياصديقي رمادية أما شجرة الحياة فخالدة خضراء أبدا ” .
أحٌذر من ان تفهموا الكلام خلاف مايعنيه ، فيذهب البعض في فهمه أن التغيير مجرد دور يمكن تقمصه لفترة حسب الحاجة ، وتذكر انه تطوير للذات لتلائم مقتضيات وحاجات العصر ، فأن صدقت النية – فـ” اذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه ………… فكل رداء يرتديه جميل ” . وعلى الزعيم ان يكون حازما لا يطلب الشيء قبل أوانه والا عوقب بحرمانه ..ولا ان يطلبه بعد أوانه فيكون قد ولت فائدته ..فاي خطورة في التسرع بقرار او تأخر ستؤدي الى نتائج عكسية.
عليك أيها الزعيم ان تعي : أن تشعل الفتنة فهذا سهل لانك تعرف من أين تبدأ …لكنك لا تعرف الى اين تنتهي … والنوايا الطيبة لا تمنع من الزلل .
الناس في مجتمعاتنا العربية مبهورة في صنع القامات الزعامية الاصطناعية … فلا تغترمما يزينه الموالون والمنافقون واصحاب المصلحة ، واعرف دائما اين هو علو قامتك .. فالكثير ممن حملته الامواج الى سدة المسؤولية يجد نفسه في بحر متلاطم عليك ان تعرف العوم فيه لئلا تأخذك تياراته الى اللجج ، ولا تحسب ما حولك مجرد فقاعات … سياسية . وتذكر المثل ” رحم الله امرءا عرف قدر نفسه ” ، فان كان الاباطرة والقياصرة والسلاطين في حيرة من امرهم فلا تظن وانت مجرد وال ترى ألى أبعد من قاماتهم .
وأخيرا نقول لكل من احترف السياسة ولكل هاو يريد دخول معتركها : تواضع يرحمك الله ،لا تدع حب الذات يتملكك ، والا تملكتك كل شياطين الشر ، فلا تظن ذاتك منزهه عن الخطأ ، فذلك ايذان بسقوطك ومن معك الى … الهاوية . .. فبادر الى التغيير .. واقبل النصح حتى من عدو او اخ أو صديق والا انطبق عليك قول الشاعر العربي :
” نصحت قومي بمنعرج اللوى فلم يتبينوا النصح الا ضحى غد ” ، اي أن القوم لن ينتبهوا لنصيحته الا بعد……………………………………… خراب البصرة .
للحديث صلة بشؤوننا ياأولي الالباب