23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

نصيحة لصنّاع السياسة الاقتصادية في العراق: لاتتبعوا سياسات يجهض بعضها البعض

نصيحة لصنّاع السياسة الاقتصادية في العراق: لاتتبعوا سياسات يجهض بعضها البعض

تتبع الحكومات بعض السياسات الاقتصادية بافتراض انها سوف تحقق بعض النتائج المرغوبة ..
لكنها في نفس الوقت قد تتبع سياسات أخرى تقود الى نتائج معاكسة لما تبتغيه السياسات الاولى .
بعبارة اخرى ، ان الحزمة الثانية قد تُجهِض النتائج التي توختها السياسات
الاولى .
مثلاً، الحكومة قد تتوخى زيادة معدلات النمو وبالتالي زيادة معدلات التشغيل .
ولتحقيق هذا الهدف تمنح حوافز وتسهيلات للقطاع الخاص المحلي والاجنبي لتشجيع الاستثمار ..
لكنها من ناحية أخرى وبدون سابق انذار تخفض سعر الصرف بنسبة كبيرة ( ٢٢٪؜) . ذلك ادى الى فوضى في حسابات المستثمرين وعلاقاتهم التعاقدية وقيمة موجوداتهم بالدينار العراقي ..
هل تم حساب النتائج المترتبة على هكذا قرار ؟
تريد الحكومة رفع المستوى المعيشي للمواطن ، كهدف معلن ، لكنها تجعل قيمة دخله الحقيقية تنخفض بنسبة ٢٢٪؜ فجأةً !!
خفض سعر الصرف في بلد يستورد كل شيء تقريباً ، يعني موجة من التضخم المستورد سوف تتجاوز قيمتها النهائية نسبة التخفيض في سعر الصرف لاسباب عديدة منها تحوّط المستوردين والباعة مما قد تُقدِم عليه الحكومة مستقبلاً ، ومنها ماهو استغلالي يهدف الى تحقيق اقصى المنافع الذاتية من خلال استغلال الفوضى التي سببها خفض سعر الصرف العنيف والمفاجيء..
النتيجة الحتمية ، انحطاط في مستوى معيشة الفرد وفوضى سعرية وارباك قرارات المستثمرين !!
يريدون تشجيع الاستثمار ولكنهم يرفعون الضرائب والرسوم ويتساهلون مع ظاهرة الفساد التي تكلّف المستثمر الكثير لانجاز معاملاته المتنوعة ..( في فترة ما ، كانت كلفة الفساد على الاستثمارات الجديدة في نيجيريا تشكل ٤٠٪؜ من الكلفة الكلية)…
ينسىون ان الضرائب العالية تؤدي الى انحسار النشاط الاقتصادي وبالتالي تراجع حصيلة الضرائب الاجمالية .
يريدون تشجيع التنويع الاقتصادي لكنهم يتبعون سياسات قتلت الصناعة بشكل شبه كامل لحساب التجار المستوردين..
كذلك اُلحِق ضرر فادح بالقطاع الزراعي لانهم عاجزين او غير راغبين بوقف استيراد السلع الزراعية من الخارج !!
هل هنالك حسابات كمية لنتائج القرارات التي يتم اتخاذها ؟؟
أشك بوجود اي حساب كمي للنتائج..
في كتابه المشهور : ثروة الأمم ، يقول مؤسس علم الاقتصاد ،آدم سمث مانصه : كلما حاول القانون تنظيم أجور العمال ، فأنه في الواقع يخفضها بدل ان يرفعها .
لقد قاوم سمث جهود الحكومة لرفع الاجور بشكل مصطنع لان ذلك فوق قدرة السوق الطبيعية ..كان يتمنى ان ترتفع اجور العمال ولكن يجب ان يكون ذلك بشكل طبيعي ، اي عن طريق زيادة انتاجية العامل وليس بشكل مفروض قانوناً يؤدي الى ارتفاع فاتورة الاجور وبالتالي التكاليف الكلية مما يؤثر على المبيعات سلباً.. ذلك يسبب انكماش الاعمال وتسريح العمال .. ذلك يعني قبول العمال بأجور منخفضة للحصول على فرصة عمل ..
من ناحية أخرى ، فان رفع الاجور وبالتالي ارتفاع تكاليف الانتاج يقود الى رفع الاسعار وزيادة كلفة المعيشة، مما يعني ذهاب الزيادة في الاجور لمواجهة زيادة الاسعار وربما زادت الاسعار باعلى من زيادة الاجور ( كما شهدنا في مناسبات عديدة في العراق)..
هذا ماكان يحذر منه آدم سمث..
ختاماً ، أقول ان معظم حكومات العالم تعاني من عجز الموازنة وتلجأ للاقتراض لسد العجز ، لكنها لاتقوم بخفض سعر الصرف ولاتفرض ضرائب اضافية او ترفع معدلاتها ولاتفرض رسوم جديدة ، لانها تدرك ان ذلك يعني خفض القدرة الشرائية الكلية ويقود للانكماش في الاقتصاد الوطني ..