26 نوفمبر، 2024 10:07 ص
Search
Close this search box.

نصف إنسان… ربما أقل

نصف إنسان… ربما أقل

كل إنسان عبارة عن مزيج وراثي ونفسي، يتكون من خلال تجارب مجتمعية، تدخل في صيرورة شخصيته، وهذه المؤثرات والعوامل تختلف من شخص إلى آخر، وبمرور العمر، تتراكم كل هذه العناصر، لتكون مجموعة من الخبرات، التي تبني شخصية الإنسان المستقلة، في صندوق مغلق، لا أحد يعرف أين يوجد مفتاحه.
التسلسل الإلهي لدى المؤمنين، أو تسلسل الصدفة عند الملحدين، يتفقان بأن المؤثرات المكونة للإنسان، هي التي تعمل على التنوع البشري، بين صالح وطالح، وبين ناجح وفاشل، وبين الأخيار والأشرار، ولكن الأهم هو العقل، الذي يميزنا عن باقي المخلوقات، المنحدرة من نوع الحيوان، لينقسم إلى بشر، أو أسد، أو ربما حمار، وغيرها من أصناف الحيوان.
بناء على ما سبق وضع الإنسان قانونه البشري، ليميزه عن قانون الغاب، وذلك لكي ترتفع نسبة إحساسنا بأننا بشر، أكثر من كوننا جنس ينتمي إلى الحيوانية، ولكن ماذا يحصل، لو ساد قانون الغابة على القانون الإنساني؟ هل يزداد شعورنا بالحيوانية، أم نفقد حقيقة كوننا بشر؟ فيصبح أحدنا نصف إنسان…بل ربما أقل.
يسود قانون الغابة، الذي يرتكز على قاعدة العيش للأقوى، عندما تكون زمام الأمور والسلطة، بيد الأشرار الطالحين، وهذا هو سيناريو مسلسل الحكم في العراق، الذي يأبى المخرج الأجنبي أن ينهيه، فعمد لإستيراد ممثلين من مختلف الدول، يعملون في الظل، لأدارة عقول السلطة في العراق، فبدأ المسلسل الذي لا نهاية له، وبدأت معه تحترق وتهدم وتقتل، أصوات الإنسانية داخل خبايا أرواحنا المظلومة، وأولها الأقتتال الطائفي، الذي تسبب بتمزق اللحمة الوطنية، بين أنفسنا السنة، وإخوتنا الشيعة، وروحنا المسيح، حتى جفت آخر قطرة للرحمة في شوارعنا، ولم ننتهي عند هذا الحد، لأنهم إستباحوا ثلث العراق، فكرٍ إجرامي لا يعرف سوى الذبح وإراقة الدماء، فسال رحيق آلاف الزهور، قربانً في نهر دجلة، لنسترد موصلنا العزيزة، هذا وبالإضافة إلى صوت التفجيرات، التي لا تأبى أن تفارق أطفالنا وشيبتنا وشبابنا، حتى سكنت قنابلهم جوامعنا ومساجدنا، فسجدت فوق رؤس المصلين.
كل هذه الدماء لم تكفي، فبدأوا بقتل أحلامنا، مما جعل شبابنا تفكر بقارب يعبر بهم بحر الظلام، ليبصروا نوراً في الغربة، علهم يجدون وطنهم الذي يحلمون به، فكانت الهجرة حبالاً واهية، تتعلق بها آمال شبابنا، حيث في وطني أنت ميتٌ على قيد الحياة، لأن الساسة قتلوا الإقتصاد ونشروا الفساد، حتى أصبح الطريق إلى مستقبلنا ضبابياً لا يرى أبداً، ففي بلدي من يمرض عليه أن يتعالج في الخارج، لأن مشافينا خاوية، ومن يريد الشهادة، فليشتري أسئلة الإمتحان، من أقرب مقر لوزارة التربية، وإن أردت أن تكمل دراستك العليا، عليك أن تدفع الرشى لتنقبل، فدولتنا تدار بيد العصابات والفاسدين، حتى السلاح أصبح حكراً بيدهم، والدولة مجرد إسم وهمي، لا محل له من الإعراب.
سلاماً على جيلنا الذي أعدموا أحلامه، وزوروا صوته، وأحرقوا حريته، وخنقوا الديمقراطية بقضائهم المتهم الفاسد والمحاباة، وسيكتب التاريخ بحروف سوداء، تفوح منها رائحة نتنه تزكم الأنوف، بأن ساستنا، قدموا أسوء صور الحكم في تاريخ البشرية، لأنهم نهبوا خيراتنا، ودمروا حاضرنا، وضيعوا مستقبلنا، ألا لعنة الرحمن على الفاسدين.

أحدث المقالات