18 ديسمبر، 2024 6:54 م

نصر حامد أبو زيد بين عشوائية المثاقفة و مراهقة رجل التأويل

نصر حامد أبو زيد بين عشوائية المثاقفة و مراهقة رجل التأويل

قراءة في دراسة ( منهج التأويل العقلي ) للباحث عبد الله الحديدي

أن أيا من الأستعدادات الصياغية التي تدفع بالأفكار اللا متهيئة الى محاولة تزويغ و تسويف محمولات الجوهر التفسيري في محصلات ملكوت أفق النص القرآني الحكيم و إغراقه بصفات لا تميل لها مصدرية الأنساق التشريعية بالأفق الإيماني الرحيب و الموصول بمؤولات فاعلية الإستقرائية الوحدانية الرصينة التي تكون سياقيتها المرجعية عادة متصلة بأوليات المفاهيم النقلية الصادرة و بشكل مباشر عن فقه السنة النبوية الشريفة و عكس هذا الأمر تكون محمولات كل تلك التفاسير القادمة من غير جهة السنة النبوية الشريفة مرفوضة أصلا و بلا أدنى مجادلة ودليل . في الحقيقة أن ما قرأناه في مباحث و فصول دراسة الباحث د. عبد الله علي الحديدي ( منهج التأويل العقلي ) نستنتج منها بأن آليات مباحث هذه الدراسة قد جاءتنا لتوضيح و طرح و مناقشة ما جاءت به مؤولات نصر حامد أبو زيد في جل مؤلفاته العلمانية المادية في تفسير و تأويل النصوص القرآنية الكريمة . و عند الأمعانية السياقية الدقيقة في مجال مباحث هذه الدراسة الأكاديمية المستفيضة تتبين للقارىء مجالات و آفاق شطط متخيل النص التأويلي و مفهومه لدى أبو زيد و الذي كان لا يتعدى في حقيقته التعيينية حدود استقرائيته القاصرة للإسلام و القرآن و التنزيل و الوحي و المتشابه و المحكم من الآيات القرآنية . و تحت عنوان المبحث الأول ( حياة نصر حامد أبو زيد اجتماعيا و علميا ) نستدرك حجم الواقع المتردي الذي يواجهه أبو زيد في حياته الاجتماعية و
العلمية على حد قول الباحث الحديدي في فقرات هذه السطور : لم أحصل على معلومات كثيرة عنه لعدم تمكني من الاتصال به أو مع أحد أصدقائه بالرغم من مراسلتي له الى الجامعة أوترخت / قسم الدراسات الإسلامية في هولندا بتاريخ 5/2/ 2008 و لم أجد جوابا لكن ما علمته من كتبه و كتابات البعض عنه و عن شبكة الانترنت و الفضائيات المحاورة له بأن أسمه نصر حامد أبو زيد وهو متزوج من أستاذة جامعية مختصة بالأدب الفرنسي أسمها ابتهال يونس و هما مصريا الجنسية من القومية العربية . و قد ولد نصر حامد أبو زيد في قرية قحافة في طنطا ـــ محافظة الغربية في 10 / 7 / 1943 وكان قد درس في الكتاب و حفظ القرآن في سن مبكرة .. لكن الذي أضطره الى التحول من التعليم الأزهري الى التعليم المدني هو طول التعليم الأزهري الذي يتعارض مع الوضع المعاشي لأسرته فدخل في مدرسة قبطية بقريته . كما أن نصر حامد أبو زيد كان قد عايش الأخوان المسلمين كجمعية ذات طابع ديني في قريته كما يحكي تأثره بأحد متصوفة هذه القرية في مرحلة النشأة .. إلا أنه تأثر في فترة السبعينات بفكر التجمع الوطني التقدمي الوحدوي لنزعته الأشتراكية و صيغته الليبرالية و أنظم للحزب كما يقول نصر حامد أبو زيد عن نفسه . من هنا لعلنا كقراء و بطبيعة الحال نهجس عوالمية هذه الشخصية المتذبذبة الى حد الأزدواج في محاور سيرها و بهذه الطريقة يمكننا فهم تطرفية الذات المنتجة لنصر أبو زيد في مجال ممارساته التقويمية للنص القرآني كما و وصولا منا نعاين ما قد صدر له من دراسات عديدة في مجال التأويل و التفسير القرآني و هي على حد علمي تبدو فائضة على خاصية الإحصاء و الوصف كما و له في الوقت نفسه دراسات أخرى في محمولات معرفية أخرى . أما دراسة المبحث الثاني من كتاب الباحث الحديدي و التي جاءت تحت عنوان
(أسباب تكفير نصر حامد أبو زيد ) حيث تعلمنا الأخبار الواردة من لدن الباحث في هذا الصدد بأن محكمة القاهرة ـــدائرة الأحوال الشخصية في عام 1995 بالتفرق بينه و بين زوجته و أيدته محكمة النقض في عام 1996حيث أخذت فنتازيا رحلة تكفير أبو زيد من داخل جامعة القاهرة بحجب ترقيته للأستاذية أولا من خلال تقرير رفعه الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين برئاسة الجامعة ينتقد فيه ما طرحه أبو زيد في بحوث ترقيته وهما الإمام الشافعي و تأسيس الايدلوجية و نقد الخطاب الديني . و في مقابل مفهومنا و فهمنا لمباحث دراسة الباحث الحديدي حول أسباب تكفير نصر حامد أبو زيد حيث نجد بالمقابل الآخر مفهوم و صورة الأسباب و المداليل و العلية التي جعلت من أبو زيد في قيد قبضة الكفر و التراجع في نظر المجتمع العلمي و الاجتماعي وهذه الأمور تتلخص على النحو التالي : 1ـــ العداوة الشديدة لنصوص القرآن و السنة و الدعوة الى رفضها و تجاهل ما أتت به 2ــ الهجوم على القرآن و إنكار مصدره الإلهي و الحديث عن أسطورة وجوده الأزلي القديم في اللوح المحفوظ 3 ــ الهجوم على الصحابة و نعتهم بصفات لا تليق بهم مثل اتهام عثمان بن عفان بأنه وحد قراءات القرآن التي كانت متعددة في قراءة قريش و ذلك استمرارا لمؤامرة السقيفة لتكريس سيطرة قريش على الإسلام و المسلمين 4ــ إنكار مبدأ أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء و أنه هو العلة الأولى و إنكار الغيب و الهجوم عليه مع أن الأيمان بالغيب من شروط الأيمان الكامل . في الواقع أن القارىء لدراسة (منهج التأويل العقلي)تتحدد له معضلة واشكالية افكار أبو زيد و منها تحديدا مستوى بناءاته الذاتية المسرفة في مجال استدلالاته اللاعقلية و اللاتأويلية في تفسير النص القرآني و هدمه و هذا الأمر جاءنا في مبحث الفصل الثاني تحت عنوان ( هدم مفهوم النص )
حيث يقول الباحث فيه : عمد نصر حامد أبو زيد الى هدم مفهوم النص الذي يمثل المحور الأهم في تثبيت أسس الشريعة الأسلامية و التي تكاد تنتفي بأنتفائه و تتحول الى قالب يعبأ بأنواع المعاني إذا ما هدم هذا المفهوم الذي أتفقت عليه كل المذاهب الأسلامية تقريبا في إفادته لليقين و وجوب العمل به حيث قام نصر أبو زيد بنفي هذا المفهوم من خلال عدة شبهات : الشبهة الأولى : ــ ندرة وجود النص في القرآن حسب رأيه وهي مرحلة تحجيم وجود النص لديه و ذلك بتبني ما أورده السيوطي في الأتقان عن بعض المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا في الكتاب و السنة .. فنجد أن نصر حامد أبو زيد يردد هذا الكلام بقوله : النصوص عزيزة و نادرة خاصة في مجال الشريعة و علل هذه الندرة بقوله هذا المفهوم نادر جدا بحكم الرمزية للغة . و إذا حاولنا البحث عن مسبب شبهة الأفكار و الآراء عند منهج أبو زيد نجدها متأثرة الى حد بعيد بمناهج المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها أبو زيد حيث يقول الباحث الحديدي بهذا الصدد أيضا : لا يمكن أن نقول أن نصر حامد أبو زيد ينتمي لمدرسة فكرية محددة و هو قد نهل و أخذ من أكثر من مدرسة فكرية فهو تأثر بعقلانية المعتزلة و وظف بعض أفكارهم في دعم منهجه العقلي في التفسير كما تأثر بآراء المتصوفة كأبن عربي فحاول أيضا توظيفها في أضفاء الشرعية على بعض المعايير التي تبناها في التفسير كما و تأثر بالمدرسة التأويلية الغربية و تأثر بالنظريات الحديثة في اللغة تحديدا بنظرية دي سويسر .
( تعليق القراءة )
لقد تصرفت القابلية العلمية في الباحث أبو زيد في إخضاع النص و الواقعة والمرجعية القرآنية الى جملة مقترحات لا تنحرف عن أفق المؤثرات القرائية الحاصلة لديه من لدن المناهج و المدارس الغربية كنظرية دي سويسر في اللغة الحديثة و كآراء المعتزلة و المتصوفة و يمكن القول بأن أبو زيد حاول تفسير النص القرآني بمفهوم تاريخي مغاير حيث وجد لنفسه ضرورة تبديل المعنى القرآني المرجعي بمعنى دنيوي يلاءم متطلبات حاجاته العصرية الحداثوية المادية الرخيصة على حد فهمه و منطقه المنحرف عن جادة العقل النقلي و الأستدلالي الحكيم في موازين الشريعة و السنة النبوية الشريفة . و القارىء لكتاب ( منهج التأويل العقلي ) لربما سوف يواجه المزيد من الدلالات البحثوية التي صرف الباحث من أجلها جهده الجهيد لأجل تكثيف محاكاتها و علاقاتها و إحالاتها و مقارباتها لاسيما في سياق فصل ( التفسير العقلي و التأويلي ) و فصل ( أراء نصر حامد أبو زيد في علوم القرآن ) و فصل ( نقد حامد أبو زيد بعض المناهج الفكرية ) و تبعا لهذا كله يمكننا القول الأخير بأن عوالم نصر حامد أبو زيد في تفسير و تأويل النصوص القرآنية جاءتنا كمقومات انطباعية ضالة راحت تستجمع لذاتها المشيطنة موارد و مصادر و معطيات المدارس المعرفية اليهودية و الأمريكية في التاريخ و الأدب بحجة و ذريعة توسع الذهن التأويلي الخاص و العام في قراءة دلالات آيات الذكر الحكيم مما يجعل صيغة المقروء النصي مستجمعة دلالتها مع دوافع وحافزية متطلبات الاتجاه الزمني الذي يحيا به أبو زيد في يومنا الراهن . هذا هو بالضبط ما اراده أبو زيد من خلال عشوائية أدواته الفهمية للنص القرآني .. أراد به الأقتراب من مداليل يومية و حاجات دنيوية خاصة في مواطن التفاسير الممنهجة ببرمجيات العقل الاستشراقي الغربي الملحد و أخيرا فيها وجدنا مؤولاته أختراقا و
تسويفا و تزويرا لما تقتضيه و تتلاقى فيه دلالات آيات الرحمة و الحكمة الإلهية التي لا يفصح عن حجبها النورانية الساترة و عرفانها و فقهها سوى الله عز وجل بنور أيمانه و هدايته . من هنا أظن بأن دوري قد جاء و ليس دور الباحث عبد الله علي الحديدي في الرد على مكاره نصر حامد أبو زيد و إحراق و رقته الانطباعية الساذجة حول مجاله الذي راح منه للأسف يقع في اشكالية كفرية خطرة بتغليب الطابع الذاتي على ما هو أسمى و أغلى ما في الوجود و هو كتاب الله عز وجل أسمه . سوف أقول له قولا لا قول بعده : تطرح الدراسة النقدية التي جاءتنا تحت عنوان (منهج التأويل العقلي عند نصر حامد أبو زيد ثمة مكاشفات هائلة من الحقائق التي راح يثريها الباحث بالمصادر و الإحالات التي تبدو لنا في أماكن معينة من الدراسة عبارة عن زوائد لا حاجة لدليل المباحث لمثلها تماما . أما فيما يخص آلية و أدوات رؤية الباحث عبد الله علي الحديدي فقد وجدناها و على مدى فضاء مباحث الدراسة الطويلة لربما كان يغلب عليها الجانب التوثيقي و الأكاديمي أكثر مما تتطلبه موضوعة الدراسة من سمة إجرائية نقدية متحكمة في معاييرها الخاصة ، أي بمعنى ما ، أخذ الباحث الحديدي يطيل من سكب معارف و مصادر و إحالات اقتباسات و حواشي دراسته مما جعله دراسته تصاب بوهن الفضفضة و الهلهلة و الحشو و التخمة الى حد غير مفيد تماما . أما فيما يتعلق بنصر حامد أبو زيد موضوع بحثنا فلا أجد بدوري الشخصية بأنه من أشباح أهل التأويل ولا التفسير في الوقت نفسه خاصة و أن ما كان ينقضها من حقائق مرجعية ما يطرح بشكل مباشر كونه ليس من أهل المعارف الدينية و ذلك لأن ما كان ينفيه و يدحضه و يغيبه ليس برواية ولا قصيدة ولا بمقال منشورا في صحيفة يومية بل أنه كتاب الله و أسراره و مقاصده التي لا تسلم مداليلها الأحدية في أم
الكتاب لكل من هب و دب عابثا . أقول لنصر حامد أبو زيد مكررا بدأ التفسير للقرآن و بيان معانيه من عصر الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم ) و كان هو المعلم الأوحد لتفسير آيات النص الحكيم و توضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته قال تعالى ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) و في عصر النبي و بأمر منه أشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن و حفظه و ضبطه وهم الذين يسمون ب ( القراء ) و بعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الآن فيهم مفسرون . أما فيما يخص علم التفسير و طبقات المفسرين أقول أشتغل الصحابة بالتفسير بعد أن أرتحل الرسول ( صلى الله عليه و آل وسلم ) الى الرفيق الأعلى و منهم أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود و جابر بن عبد الله الانصاري و أبو سعيد الخدري و عبد الله بن الزبير و أبو هريرة و أبو موسى و قد كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما سمعوه من النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة قد بلغت هذه الأحاديث كلها الى نفي مائتي و اربعين حديث منها ضعيفة و منها منكرة لا يمكن الركون أليها بأي وجه من الوجوه الموجبة للمسند الحقيقي و ربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على أنه تفسير منهم بدون أسناده الى الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) وعد المفسرون من متأخري أهل السنة هذا القسم أيضا من جملة الأحاديث بحجة أن الصحابة أخذوا علم القرآن من النبي و يبعد أن يفسروا من عند انفسهم . أما فيما يخص الوحي و منزل الوحي أكثر من غيره من الكتب السماوية المقدسة كالتوراة و الأنجيل حتى نجد فيها آيات تتحدث عن ماهية و كيفية الوحي نفسه كما ويعتقد عامة المسلمين في وحي القرآن : أن القرآن بلفظه كلام الله تعالى أنزله على النبي محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بواسطة الملائكة المقربين و هذا الملك الوسيط
هو ( جبرائيل ) و ( الروح الأمين ) جاء بكلام الله تعالى الى الرسول في فترات مختلفة بلغت ثلاثا و عشرين سنة . و كان الرسول أن يتلو الآيات على الناس و يوقفهم على معانيها و يدعوهم الى ما فيها من المعارف الأعتقادية و مكارم الأخلاق و القوانين المدنية و الوظائف التكوينية الخاصة للمخلوق إجمالا . رأينا الذي ذكرناه هنا هو للباحثين المعتقدين بالله تعالى و ينظرون الى الدين و القرآن و الوحي بنظرة فيها من الأنصاف و التقييم . أما الملحدون المنغمرون في المفاهيم الماركسية و العلمانية و الحداثوية العقيمة التي ليس لها من مكان ما في آيات القرآن ولا في تفاسير الآيات لأن الخطاب القرآني ببساطة غير خاضعا لمستحدثات التأويل و المؤول الحداثوي العلماني و لا من جهة كونه محض أسلوبية أجناسية كالرواية و القصيدة . بل أنه كلام الله الخالص الذي يذكر تعالى فيه ( قل لئن أجتمعت الأنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / سورة الأسراء ) من الواضح هنا و البديهي أن كلامنا في هذا المقال قد لا يناسب مرجعية و شرائع ومؤولات العبقري الفذ ( نصر حامد أبو زيد ) لأنه أتخذ من المعارف الماركسية و العلوم العلمانية ناصية للسان و لعقل القرآن بل أنه غدا يفسر الآيات بموجب نظريات القراءة و التلقي الأدبية التي تختص بحقول الرواية و القصيدة و القصة القصيرة و الأقصوصة ، فيا للخيبة ؟