23 ديسمبر، 2024 3:41 م

1- نساءٌ في صحن
 
سبعة ُ وجوه نساء قمريّة اجتمعت في صحن .
هنَ من مختاراته ، جاء بهن من مدائن متشظية .
اربع عشرة عيناً ، كلُّ عين لها سهمُها القاتل ، القادمُ من سهب الغيوب .عيون لها ضحاياها ، قتلى وقاتلات . واختلطت الفانية ُ بالباقية . لكنْ ، لمَ اجتمعت وجوهُهن في صحن ؟ كان الرسامُ احدَ الضحايا، اخطأه سهمٌ وطاش بعيداً ، فلم يُدوّنْ اسمُه بين الضحايا . لكن فرشاته جرّبهنَ من متاهات شتى ، وزجّت بهن داخل الصحن . الصقهن فون سطحه وبتن صوراً . هنَ اسيراتُه . غانياته ، علقهنَ على جدار غرفته . وكلما اصبحَ وأمسى يراهن معلقات ، سجينات الزمن . والوقتُ : محضُ عاصفة عابرة ، سيلُ هباء جار . لا يتغيرن ، ولا يشخن ، ولا ترمشُ عيونُهن . هن ناظراتٌ فينا ، وصامتات أسنَّ في كلس الوقت . ولكلّ احداهن قصة ٌكالغصة تجرحُ وتُدمي . كيف وصلن الى الصحن ؟ أنا غريبُ الثوب والاهاب جئتُ من حقل مطمور منسي . ورأيتهن . وكلفتُ بهن ، بكلهن . بسبعة أقمار مضيئة . أنا مسافر مُغمّسٌ بالغلس والسخام . وحين توقفتُ أمامهن أضأنني ، بتُّ أشعُّ ، انير ما حولي .وظللتُ مُدّثراً بنظراتهن، . بددن عتامي . فمَنْ يُصدّقني ؟ يصدٌقُ الصحن يحبسُ سبعة أقمار جيء بها من أصقاع نائية . ولأنهن سرّ كلّ الأسرار فقد استحلن اسطورة تنتقل خلل ذاكرة الناس ، كحكاية الخلق ، وطائر الفينيق . كلُّ وجه مخلوقٌ غرائبي يتنفسُ بالجمال والألق . تُسحرك نظرتُه ، تتمادى على سرير الجمال والخلود . هن مستقراتٌ في قاع الصحن ، مخلدات ، لا نائمات ولا صاحيات . ومن أية زاوية نظر أراهن ، لا يتغيّرن ولا يسأمْنَ . حسبُهن فقد غدون شظايا زمن . لهنَ فصولُهن واشهرهن وأيامُهن تمرُّ بهن ، ويمررنَ بها من دون حساب . فما كان خالداً لا يحسِبُ للوقت حساباً . باقيات ، لم تتغير ارتعاشة هدب لديهن ، ولا عرا بسمتهن اختلافٌ ، فالوجوهُ في ثبات ازلي . لا أدري لأيّهن أوجّه نظري . كلهن يخلبن اللبّ ويستغرقن في اشعال الحرائق فيّ . والشعور والصبروالفرح لم يُغادرّ سيماءهن . من بُعد أراهنَ يتسعّرن بالكبرياء لجلب الانتباه ، وعن قرب حين اتقرى خدودهن يبدُون باردات ملساوات كما لو صرن شيئاً من معدن الصحن . نحاساً أو فضّة . لكنّ الحياة باقية
  فيهن مثل الطراوة في العشب .فمَن كنّ قبل جمعهن : سيدة ٌ تحتضنها شرفة ٌ ، فلاحة ٌتيبست عروقُ يديها ، راقصة ٌ لها خصرٌ لدن كالغصن ، ساقية ٌفي حانة ، خادمة ٌفي قصر . بُنية في الجامعة . بائعة ُ جسد ليلي .لكنه أحترمهن بشراً لهن شرف ُ التجمع معاً . اخترم وقتهن ووجودهن ، سرقهن من غضاضة وخشونة عيشهن ، فجاء بهن الى صحن الخلود .
 
2 – لغة ُ الوقت
 
أهدرُها في نزواتي القصوى ، في مشاكسة حبات الرمل ، في عضّ الأسورة ، في جني الشوك ، في نصب الشرك .
 أهدرها عبقاً في اصطياد الحلم ، والقبض على المأرب وردع العشق .
هي زمنُ ضياع ابعثره كالغبار. وأنا … مفتون بالرهبة تتنزّل مثل الضباب المتوحش . صبحاً تحملني جولتي في مماشي الطيش ، والرغبة الماجنة . ظهراً تتعالى نبرة ُ صلاتي . ليلاً أقطعُ بكلّ أحد صِلاتي . دقيقةٌ مثل الأكاذيب مواقيتي . أشحنها بالرغبات الفجة . وارى زمهرير الشتات يتمشى في الدرب ، غير مكترث بأثوابنا الصيفية . تتبعُنا عيونُ المهى . يتبعها جوعُ الفقير . وزغردة ُ العرس . وفاتحة المأذون . يغرسنا في الغيبوبة جلُّ النهار والجلنارُ والرازقي والسوسنة والسنونة ُ والقرادُ وصمتُ القبرة وانينُ المرض .
أهدرها في مضغ الثرثرة والخطاب الفارغ ، والحوار الأحادي ساعة يطرق الحلمُ بابي .
أهدرُها في ملاحقة اللاجدوى ….  والكلامُ المنافق أحسمُ به أمرَ ضياعي ساعة َ انفصلُ عن يماماتي وراء النوافذ وخصاصات البيبان .ولي بيتان : بيتُها انتمي اليه وبيتي اللامُنتمي ، ولا أدري أين ابيتُ ليلتي .ولي جناحٌ يرفرفُ وحدَه في الفضاء الممتدّ بين الكلمات . وأغضُّ طرفاً عن سيئاتي تتفاقمُ في الدرب ، وحول مائدة الطعام وصفحات الكتاب . ارشقُ الوهم  بغمغماتي الصغيرة . بالغثاء الطازج ، بالانبهار الفجّ . بغض النظر عن هفواتي .
أهدرُها في كسب التناقضات : الرحمة والقسوة ،التعب والراحة . في الرصانة والخبال ، في الحقيقة والخيال .
لن …
 أهدَرها بعد الآن . لن اهديها خاتماً ولا سواراً ، بل حفنة مواعيد زئبقية . سأمرّ أمام الباب ، والنافذة حجراً يدحرجني الوقتُ اللجوجُ . شظية قشّ ٍ يدفعني النسيم من درب لدرب . ولي حدسٌ وعنوانٌ وعنفوانٌ أبرمج وفقها نهجي ومنهجي .
تارة ارتدي ثوب الزنبقة ، أملأ حنجرتي بهدير الأرغن . تارة أجري صامتاً مثل الظل . لكن وجهي لايغيب في دوامة العناد .
لغتي قارة ُ صدق ووفاء ، أعبئها بنسغ المنطق والرخامة . انشرها على حبل الشرف ، أرشّها في الأفنية وغرف الصلاة وفي دروب الوجد ، اتوسدها ابان اطلق نزواتي . وقتَ نتراشقُ بالمحبة والمعرفة .
لغتي صدحُ صوح في مبتدأ المبادرة ، وفي ختام اللقاء . أهدرُها في الحوار الجميل ، في جمع التلاحم والألفة .
لغتي
أتمسّكُ بعُصارتها
                زاداً لأيامي القابلات ..
                     تلداً يُبقي أواصره
لي ولهم ، وللزمن يسعى بين أيدينا ؟