23 ديسمبر، 2024 5:53 ص

نزيف حيوات في “إنا للعراق.. وإنا إليه عاشقون”

نزيف حيوات في “إنا للعراق.. وإنا إليه عاشقون”

إستفزني العنوان الشعاري المباشر “إنا للعراق وإنا إليع عاشقون” كمستهل لرواية الكاتبة سناء النقاش، لكن ذلك بررته النبرة التي مزجت الإيحاء القرآني باللغة الشاعرية، شكلت وحدى أساسية تناظرها على الغلاف صورة متظاهري 25 تشرين الاول 2019 ليتحقق تكامل شكلي ومعنوي وعاطفي في نسق كلي.

وضعت الكاتبة النقاش، مفاتيح الرواية بيد القارئ، من خلال مقدمة توضيحية جاء في مستهلها: “هذا الكتاب ليس رواية تحمل حبكة الرواية التقليدية، بطريقة السرد المعتادة.. إنه كلمات وحروف خطت بالدم الطاهر والامشاعر الفياضة”.

وكان هذا مفتاحا أول، أما المفتاح الثاني والأهم: “رواية تتداخل فيها القصص والحوارات لعراقيينمن الشمال الى الجنوب، نهضوا في ثورة أسماها البعض تظاهرات وأسموها احتجاجا وإنتفاضة حتى أنني وضعت عنوانا للكتاب في البداية فأسميته “الاحتياج والاحتجاج” وبعد المضي في متابعة يوميات الابطال الحقيقيين المساهمين في الثورة وما لاقوه من مصاعاب وما بذلوه من مهج في حب العراق،بدلت العنون الى “إنا للعراق وإنا إليه عاشقون”.

“الإحتياج والإحتجاج” عنوان إفتراضي لم تتوفر به قناهة لدى الكاتبة، وحتى لو لم تخبر القارئ بهمتها عليه مشفوعة بالإحجام عنه، كان سيتوصل الى أن الرواية عبارة عن تلخيص لأسباب ومؤديات تظاهرات او إنتفاضة او ثورة 25 تشرين الأول 2019 لكن التورية البلاغية على جزء من الآية 156 في سورة البقرة في القرآن الكريم “إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون” أشبعت موقف الكاتبة من التظاهرات، عبر وثيقة أدبية سجلتها على صفحة التاريخ قبل ان تحتفظ برقم إيداع في دار الوثائق والكتب، فالأدب وميادين الفنون الجمالية والعلوم المعرفية كلها مواقف أخلاقية ووطنية أمام الله والذات والناس، خالدة على مدى التاريخ.

أوضحت الروائية النقاش: “كل ما كتبته كان حقيقة في متابعات يومية وبإيجاز شديد ولو اني كتبت كل شيء لأحتجت الى مجلدات بمآت العناوين”.

وهذا ما فعله ميشيل فوكو في رواية “اسم الوردة” التي روت معاناة المجتمع الاوربي ضد الكنيسة سنة 1327 متخطية آلاف الصفحات وما زال في محاكم التفتيش مقاصل لضحايا الهرطقة، التي تعيشها الشعوب المتخلفة الآن.

أكدت رواية “إنا للعراق وإنا إليه عاشقون” محورية التاريخ، الذي يعيد تكرار نفسه بتنويعات درامية مغايرة في الطرح على وحدات موازية: 1 – إنحراف مسيحي عن جادة اللاهوت الرباني / إنحراف إسلامي عن جادة الفقه الإلهي 2 – المسيحية تهيمن عقلية الملك الاوربي في القرون الوسطى / العقليات الاسلامية تدير الدولة حاليا 3 – اوربا سابقا / دول الشرق الان.

“زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا.. أبشر بطول سلامة يا مربع.. ورأيتُ نبلَك يا فرزدق قَصَّرت.. ورأيتُ قوسَك ليس فيها منزع” الرواية عبارة عن نزيف حيوات.. شباب يطويهم دولاب موت عملاق لا حدود لإطاره الساحق.. أرواح تزهق صاعدة تتلاشى في السماء غائضة في الغيوم، ودماؤهم تنزل مدفونة تغيض في الثرى؛ لأنهم يطالبون الساسة بالنزاهة تفعيلا للقوانين الرادة للفساد؛ فهل هذا سبب كاف ليبشر مربع بطول سلامة ويقتل من يتوعده بالإصلاح!

تستغرب الرواية سلوك القوات المسلحة التي تصطف الى جانب سلطة فاسدة تغمط حق الجيش بإعتباره جزءاً من فئات شعب مضطهد.

الرواية خاطبت الجيش بمثل ما خاطب به قائد ثورة شبابية قامت في إحدى الدول الصديقة، سنة 1989 قائلا لجيش بلاده: “أنت جيش الشعب ولست جيش ثلة متسلطة على حياتك.. تستلب حقوقك” فكانت إستجابة الجيش هي سحق مئات الشباب المتظاهرين تحت سرفات الدبابات! فإبشر بطول سلامة يا مربع! وقس على ذلك ما يناظرها من إنتفضات… في ما يسمى نقديا “المسكوت عنه”.

وزعت النقاش روايتها “إنا للعراق وإنا إليع عاشقون” بين عشر قصص وعناوين شكلت فصولا: “مع مصطفى” و”قصة الجبل” و”إبن ثنوة” و”خلط الاوراق” و”دموع” و”حرائق وبناء” و”السر ليس كالعلن” و”كورونا” و”البحث عن نتائج” و”رائحة الموت” و”إفتعال” و”لم.. ولن تموت الثورة” في مئة وثمان وثمانين صفحة من القطع المتوسط.

سبق للروائية سناء النقاش، أن اصدرت عشرة كتب، توزعت بين خمس روايات: “فجر النداءات الطرية” و”فخرية خاتون” و”السجين 1954″ و”مملكة ميسان ماذا بعد البداية” و”لأنك انت” وخمس مجاميع قصصية: “السراب” و”لا جدوى من الحزن” و”صيد الصحراء” و”سحر الألباب” وأحلام عالقة” إمتازت بروح الفعل المتحرح، الذي يبعث في القارئ نوعا من إحساس بمشاهدة فيلم قائم على تلاحق الافعال – الاكشن.