لمجريات الأحداث في محافظة الأنبار عدة جوانب لاينبغي خلطها ببعض عند تناول الموضوع في النقاش وطرحه للرأي العام، ذلك لأن كل قضية تحتاج لمتسع كافي من الشرح والمناقشة والأهتمام وصولاً لحل او معالجة وقتية. إن اردنا أن نتحدث عن الأنبار، عن ماذا نتحدث؛ نزوح العوائل؟ الأنتكاسة الأمنية؟ تسليح المحافظة؟ الرأي العام؟ وجوانب أخرى كثيرة تندرج كلها في النهاية في قضية واحدة أسمها الأنبار. هنا سأكتفي بأهم الجوانب حالياً الذي فرض علينا وعليهم كأمر واقع ينبغي التعامل معه كأولوية قبل أي شيء ثاني، أزمة النزوح والمهجرين من ديارهم إلى المجهول.
لايخفى على أحد أن الحكومة العراقية عاجزة فعلياً على التعامل مع أزمة النزوح التي باتت تشكل واقع ينتشر في البلاد من اقصاها لأدناها، والعجز الحكومي له عدة اسباب نذكر منها؛ التمويل، الخبرة في التعامل مع الأمر، الخلافات السياسية وإن كانت غير ظاهرة اليوم للعلن، وأشياء اخرى. حاولت خلال يومين قراءة المشهد بشكل جيد وأزعم انني وجدته متناقض ومرتبك ودال على الأسباب التي ذكرتها حول العجز الحكومي. ولعل أبرز التصريحات التي قرأتها كان لرئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري الذي قال أن “نزوح العوائل بهذا التوقيت لم يكن بالحسبان” وفق السومرية نيوز. بالتالي هنا مشكلة حقيقية في الدولة التي تتعامل مع الوضع العراقي بالأدارة اليومية، دون تخطيط وتوقع وأستعداد، ولا اعرف لماذا لم يتوقع أحد موجة النزوح والأنتكاسة الأمنية لها مايقارب أسبوع في الأنبار وعند تأخر معالجتها كان يجب التوقع بأن القادم هو نزوح جماعي خصوصاً اننا اصبحنا اصحاب تجربة في هذا الشأن الذي حدث في عدة أماكن ومازال مستمر.
بدعة الكفالة التي ابتكرها من ابتكرها، كانت اسوء قرار يصدر أو حتى حالة طبقت دون قرار وكيفما تكن، بشأن النازحين. غير مقبول ولامفهوم التعامل مع المواطن العراقي بهذا النظام، فأرض العراق ملك العراقيين، والعراقي يُعرف بكرمه وغيرته وهذه البدعة إساءة للشعب قبل الحكومة. احاول تبسيط الأمور وأخراجها من الطابع الرسمي ولكن وإن اخذناها رسمياً فأن لاقانون ولادستور يحدد إقامة العراقي أو يمنعه من التجوال في وطنه. ولأني لست من الذين ينظرون للأمور وفق أفكار مسبقة ومن جانب واحد، أدرك تماماً الغاية من فرض نظام الكفيل، لكنني لا أستطيع إستيعابه ولا أجده افضل وسيلة لتحقيق الغاية المتمثلة بالأمن. فالأمن يكون عبر التدقيق والكشف والتفتيش ومن ثم متابعة أماكن الأيواء والتجمعات، وهذا واجب القوات الأمنية. إنما نظام الكفيل لايعني سوى طرد الناس فمن أين يأتون بكفيل؟ ماذا عن من لايعرف أحد؟ حتى من يعرف لن يجد بسهولة أحد يكفله ذلك لأن الأمر مسؤولية كبيرة ليس من السهل أن تجد من يستطيع تحملها. الحكومة أخفقت في هذا الجانب وعليها معالجة الأمر سريعاً. كما لانفهم لماذا يصوت البرلمان على قرار ألغاء الكفالة لنازحي الأنبار وكأنة قانون موجود وأبطلوه وكأن البرلمان يمارس دور الحكومة وكأن قرارات البرلمان سارية المفعول في حالة كهذة. تصويت البرلمان لم يكن سوى تعاطف وحث للحكومة وإلا فلا قيمة حقيقية له وليس البرلمان من كان يجب أن يتحرك بل الحكومة برئيسها القائد العام للقوات المسلحة.
بغداد ليست كردستان، بكل بساطة رداً على الرأي المقارن بين الحالة وأن كردستان تفرض نظام الكفيل. العاصمة ليست كأي محافظة عراقية إخرى فهي البيت الصغير داخل البيت الكبير العراق الذي يجتمع فيه كل العراقيون بمختلف خلفياتهم. وضع كردستان التاريخي والجغرافي والسياسي خاص وهي في النهاية أقليم، كما إن ممارسة نظام الكفيل في الأقليم لاتحظى بقبول أحد وهناك مطالبات بألغاء الأمر. بالتالي لايمكن أخذ هذا النموذج في مقارنة موضوعية لبقية الحالات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعاصمة (الأتحادية).
في إحدى المحاورات أخبرني قريبي يوماً، عن أن الدوائر الحكومية تطلب كافة المستمسكات الرسمية وإصدار جديد عند ترويج أي معاملة. حينها كنا نتحدث عن طبيعة العمل في دوائر الدولة، وكيف أن مجلس الوزراء ألغى شرط البطاقة التموينية في ترويج المعاملات إحدى السنوات، وكيف أن المواطن وإلى سنوات من بعد هذا القرار يتم مطالبته بالبطاقة التموينية كشرط لترويج معاملة. قريبي يخبرني أنه تجادل مع موظف حول الأمر، فأخبره الموظف أنه رأى القرار لكن لم يصله ولدائرته تعليمات رسمية بذلك. هذه القصة تنطبق على كل شيء بالعراق وذكرتها الأن للأستشهاد بأن قرار البرلمان حول الكفيل وقرار الحكومة الذي سمعناه بالأخبار، لم يطبق فعلياً. خرج بعض القادة العسكريون مثل العميد سعد معن للسومرية يوم أمس وقال “إلغاء هذه الآلية قد يكون موجودا، لكنه سيثقل كاهلنا ببناء قاعدة معلومات جديدة”. كما تصريح أخر لسكاي نيوز عربية يوم أمس “آمر اللواء 55 في قيادة عمليات بغداد العميد الركن عبد الله جارح، نظام الكفيل للنازحين من الأنبار مازال معمولا به”. وهناك تصريح لرئيس مجلس محافظة بغداد لن نكتبه حتى لانطيل. والخلاصة النازحون لايريدون أقوال بل أفعال، والقرارات التي لاتطبق لاقيمة لها وعلى الحكومة متابعة تطبيق قراراتها التي تتخذها.