انتهت المرحلة الاولى من بناء الحكومة بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف عبد المهدي على وفق التوافق واليات غير مطروقة في تشكيل الحكومات ما بعد التغيير ، فقد خرق الدستور من جديد واقتصر القرار على تحالف قوى تضم فصائل من الحشد الشعبي وغيره وضاقت دائرة صنع السياسات واصبح الشركاء في وضع غير مؤثر وذي جدوى في رسم السياسات وسهولة انتزاع التنازلات منهم وما عليهم الا القبول بما يخطط لهم من العامري والصدر ومع ذلك التاييد كان واسعا ،لان العين على المناصب ، وليس باليد حيلة ..
الاساس الذي تبنى عليه الحكومة المقبلة بقي كما كان في السابق من دون تغيير هو نهج المحاصصة المكوناتية والشكلية التي اضفيت عليه بترشيح اكثر من مرشح للمناصب وتجاوزالتفسير الدستوري للكتلة الاكبر فكان خرقا بائنا ما لا ينبغي اقترافه وما الى ذلك من اعلانات لم تختبر . مثل هذه الحكومة لن تحدث تغيرا جوهريا ، فهي طبعة جديدة من حكومة الشراكة التي ابتلينا بها وحملناها ما نحن فيه من ترد .
وهذا ما تشعر به بعض الكتل وسيتضح مع قادم الايام ، وتخلي السيد الصدر عن حصة ” سائرون ” فيها اذا استمر للنهاية يعطي مؤشرا على ذلك والذي لم تتضح طبيعته لحد الان ، هل هو تخلي بمعنى ترك الحرية المطلقة الى المكلف في اختيار وزرائه ام ستقدم له ترشيحات لوزارات من خارج التيار لاعتمادها ولكنها تتبنى متبنياته .
البلد والدولة لا يبنى فقط بقمة الهرم ، فهي ليست كلية القدرة الى جانب اسيرة الكتلتين اللتين ترسمان النهج من خلف الكواليس في احسن الظنون ، فالاصلاح الجذري المنشود لابد ان يطال الاشخاص في المستويات الادنى والبنية القانونية التي يتسلل منها العطل والضرر وتشريع الجديد الذي يحطم المحاصصة ويقضي على الفساد ويغلق منافذه وتشديد العقوبات على مقترفيه مهما كانت مواقعهم في الدولة والمجتمع وبالتالي ردم الفجوة بين المكونات واتخاذ الاجراءات التي تعيد الانسجام والوحدة الوطنية واستنهاض الاقتصاد وتفعيل تقديم الخدمات وتحسينها ، اي العودة مجددا للحديث عن البرنامج الحقق للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية .
رئيس الوزراء ليس للكتلتين الكبيرتين اللتين ازاحت شركائهما من موقع المساواة والواجهة ،فينبغي ان يكون لهما دورهما خلال اعادة مفهوم الشراكة .
الامال ليست عريضة ولا يعول ان تقلب هذه الولاية الاوضاع راسا على عقب ولا توجد معارضة تذكر وتواجه غير الصرعات بين القوى التي دفعت بالترشيح ممكن ان تؤدي الى التنافس نحو تقديم الافضل، كما ان رئيس الوزراء المكلف مجرد من عناصرالقوة ، فلا كتلة برلمانية تسنده او ينتمي اليها ولا القوى النافذة تابت عن معاصيها وغيرت من ممارساتها واهدافها ، ولا راجعت واعتذرت جادة عما سبق من فترة حكمها … فهو اعزل الا بمقدار ما يستطيع يبنيه بنفسه منها وبرنامجه الحكومي الذي سيصادق عليه البرلمان ، ومعالجة خطايا واخطاء التجربة والاستجابة الى تطلعات المواطنين وهذا يتطلب منه الخروج من جلبابه والاخذ بما يطرح في المحتشدات الجماهيرية ويبدد شكوكهم في النخبة الحاكمة ومشاريعها ومحاسبة المقصرين منها .
من المهم ان يختار لادارة البلد من هو كفوء ونزيه وقادر على ترسيخ هيبة الدولة واستعادة امكاناتها المنهوبة في المجالات كافة ولا تؤخذ من يتصدى للمهمات بالحق لومة لائم . فالدعم الذي تلقاه يتيح له ان يكون صريحا مع الشعب سنده وعضيده ويضع النقاط على الحروف ، ويضيق على الخارجين عن القانون ويحيلهم الى المحاسبة باسرع وقت . ولا بد من بداية مسؤولة مهما كانت صغيرة وبسيطة ولكنها مؤثرة وتنعش امال الناس في ان فرقا سيحدث في مسيرة الدولة .
الضرورة والتطلعات الوطنية تستلزمان لا يترك الرئيس لوحدة ان تقف الفعاليات الاجتماعية بمسؤولية ازاء الصحيح وضد الخطا واصلاح الاعوجاج بكل السبل المشروعة لكي تكون اسهامتها في صناعة حاضرها ومستقبلها ملموسة .