اذا اردنا ان نصف انتخابات مجالس المحافظات ، ويصح الوصف على ما سيليها من انتخابات برلمانية ، فهي انتخابات ” اعمى يصوّت لاعمى ” . وهنا نقصد بالطبع عمى البصيرة والمشاعر والقلب والتفكير ، ذلك أن الاعمى الحقيقي أنسان أكثر وعيا وتدقيقا باختياراته وأرق مشاعرا .
فبأستثناء قلة من المثقفين والواعين و”الاوادم ” … من هي القاعدة الانتخابية التي تصوت للعميان من المرشحين الجهلة من متربصي الفرص والذين فرضتهم قوائمهم بصفقات من تحت الطاولة ، وفرضتهم العشائريات والحزبيات وحتى القرابات لهذا المسؤول او ذاك ( وجدنا في بعض البوسترات الدعائية ان انتخبوا فلان لانه زوج النائبة الفلانية وغير ذلك … ذلك لان النيابة في العراق ومجالس المحافظات اصبحت اقطاعية ووراثية محصورة بذوي الدم الازرق من الذين يحتلون الكراسي الحالية ولا نية لهم – حسب ما يظهر للتخلي عنها الى يوم يبعثون ) ؟ أن الاغلبية التي ذهبت للتصويت مع الاسف وأعتذر عن استخدام هذا المصطلح لانه أقل تجريحا من غيره في الحقيقة ، هي من العميان ، وهم أصناف : منهم من لا يفقه ما يجري وذهب ليصوت وفق ما اوصاه السيد او الشيخ او او رئيس العشيرة او فلان من الناس ( ومع تفشي الامية والجهل فنسبة هؤلاء تتجاوز الـ 50% من نسبة من ذهب للتصويت من كبار وكبيرات السن والاميين وأشباه الاميين ) . ومنهم من الشباب نصف المتعلم المنقادون غريزيا لا وعيا خلف هذا التيار او ذاك ، وهؤلاء شريحة لا تقل عن 25% ، ومنهم من تم تضليلهم بالوعود الفارغة وفتاوي المعممين ودعوات السياسيين الفاسدين ( وهؤلاء يمثلون مانسبته 10%) .
تبقى النسبة الباقية وهي 15% موزعة بين القلة المثقفة وومن ذوي الانتماء الوطني للعراق الواحد ، ومن منتسبي الاحزاب القائمة والممنتفعين منها وانصارهم ، والقلة الباقية من المتعصبين لهذا المرشح او ذاك طائفيا او مناطقيا او عشائريا او من اقارب المرشحين . اما التصويت الخاص للقوات المسلحة وقوى الامن فمحسوم بنسبة اكثر من 80% لاحدى القوائم لاسباب لا تخفى على احد لان الناخبين يطيعون من يجلس على كرسي الحكم بغض النظر أن مارس الجالس على الكرسي التأثير فيهم أم لا … فهكذا جبلنا كعراقيين نصفق ونرقص لولي النعمة … لم يختلف الامر في عراق دكتاتوري عنه في عراق ديمقراطي . وتبقى النسبة الاكبر من اليائسين من العملية السياسية والناقمين او من يعتقد بعدم جدية ونزاهة الانتخابات او انها في احسن الاحوال لن تغير شيئا على الارض ….وهؤلاء لم يذهبوا الى الانتخابات فجّير غيابهم لصالح الفئات أعلاه .
هل يعترض أحد على أن الاستثارة العاطفية الطائفية والمناطقية الرخيصة لم تلعب دورها في شحن الانفس وبالتالي تقرير نتائج الانتخابات ؟ هل بنت اية قائمة حملتها الانتخابية على اسس مهنية او وطنية جامعة؟ ام الجميع توخى الحشد العاطفي الغريزي الفارغ من اي محتوى كونه اسرع الطرق لكسب المؤيدين ؟
اذن عميان تقودهم ظلامية عمياء ذهبوا بأرجلهم لينتخبوا عميان تقودهم افكار سوداء وغايات ذاتية مبطنة ومستترة تحت هذا الشعار او ذاك العنوان ، وهم انفسهم المرشحون القدامى ومن شابههم من الجدد الذين ساموا الناس التعسف والظلم ، ولم ينقطع صراخ نفس الناس طوال السنوات الثمان الماضية عن التنديد بهم والشكوى منهم ، فما جرى ليذهبوا بارجلهم لانتخاب نفس جلاديهم وينسون كل ما عانوه في موسم التهريج الانتخابي ؟ هل نسوا الهاوية التي قادوهم اليها في السنين الثمان او السبع الفائتة ؟
مادامت غالبية شعبنا ، واقولها للاسف من العميان لا يعرفون اين تكمن مصلحتهم ومصلحة اولادهم وشعبهم ومستقبل بلدهم ومن السهل الاستخفاف بعقولهم وشراء ظمائرهم او خداعهم …فابشروا ياعراقيين باستنساخ نفس الحكومات في كل انتخابات .. ليست حكومات أوادم انما حكومات باربعة قوادم لا تعي من أمرها ومن امر العباد شيئا الا توفير العلف الجيد لاعضائها ، خاصة وان الفائز في انتخابات مجالس المحافظات سيحدد حتما الفائز في الانتخابات النيابية القادمة من خلال سيطرته على كل مخازن الاعلاف التي سيوظفها لاستجرار المغرر بهم ثانية . وقانون انتخابات بهذه البؤس لا يبني لا ديمقراطية ولا عملية سياسية سلمية ولا نشهد فيه أي انتقال سلمي للسلطة ، حكومات تعيد انتاج نفس الازمات والمشاحنات السابقة ولا تستطيع ان تبني بقدر ماتستطيع ان تخرب ….أذن سيقودنا الاعمىيان – من صوّت ومن صوّت له الى …. الهاوية من جديد ….. فكيف الخلاص ؟