لعل واحدة من روائع اﻷدب ” الدستوبي ” في العالم العربي على خطى روايتي ” مزرعة الحيوان ” و ” عام 1984 “للروائي البريطاني ، جورج أورويل“ قصيدة ( نديم الباذنجان ) ﻷمير الشعراء أحمد شوقي، وخلاصتها أن أحد السلاطين كان له نديم ينزل على هواه ويبالغ بمدح ما يمتدحه وذم ما يذمه تملقا لسيده طمعا بما عنده ، وذات يوم كان الباذنجان طعام الغداء فأراد السلطان أن يختبر – نفاق – نديمه قائلا ” ان الباذنجان في المذاق كالعسل ” فما كان من النديم – اللوكي – إلا أن ثنى على قول سلطانه ” ﻻيستوي الشهد والباذنجان ،هذا الذي قال فيه جالينوس انه يذهب الف علة وعلة ويبرد الصدر، ويشفي الغله”.
فإستدرك السلطان بأن فيه مرارة ، فما كان من النديم إلا أن سارع فورا ومن دون تفكير بذمه ” نعم، مر، وهذا عيبه ، مذ كنت يا مولاي لا أحبه ، مات به بقراط وسم في الكأس به سقراط” وعندما أبدى السلطان ذهوله من هذه التقلبات الهائلة بين اليمين واليسار ، بين النقيضين في مجلس واحد ،وهي ميزة من ﻻمبدأ عنده ولا ثبات يتقافز كالشمبانزي بين دكتاتورية الباذنجان السابقة ، وديمقراطية البابا غنوج اللاحقة ، بين ليبرالية المسقعة الدولية وراديكالية المكدوس الاقليمية ، بين طاجين الباذنجان اﻷتو قراطي ، وبين الشيخ محشي التيو قراطي ، وكلها أطباق مصنوعة من الباذنجان إﻻ أن مقاديرها ونكهاتها ومحتوياتها وتتبيلاتها تختلف من طبق ﻵخر، قال النديم ” جعلت كي أنادم السلطانا ولم أنادم قط باذنجانا”.
و – الدستوبيا – لمن لايعرفها هي المكان الخبيث و المدينة الفاسدة التي تعمها الفوضى والرعب والقتل والجهل والفقر والمرض ، وهي نقيض – اليوتوبيا – أو المدينة الفاضلة الطوباوية الخيالية ، يصار الى كليهما أدبيا ورمزيا كلما إدلهمت الخطوب وعظمت الكروب لينشطر الكتاب والإعلاميون والسياسيون بفعلها – كنديم السلطان – بين مادح وقادح بـ” زمكان ” واحد من غير أن يغير المداحون المغالون وﻻ القداحون المفرطون من واقع البؤساء في أسفل السلم الاجتماعي شيئا يذكر حيث يشكو الفقر غاديهم ورائحهم وهم يمشون فوق أرض من الذهب .
مايجري في العراق ومع شديد اﻷسف ليس اﻷن فحسب بل ومنذ خمسة عقود تقريبا أن الشعب لم يتخط حاجزي الافراط والتفريط بعد ، فبينما يبذل المخلوق – اليوتوبي – جهده لتحويل سيده الحاكم الى ملاك طاهر فوق الشبهات بنظر القطيع ، يعمل – الدستوبي – على تحويل الشخص ذاته الى شيطان مريد بنظرهم وبين المتضادين المقيتين رقاب تقطع ، ألسنة تقلع ، سيوف تلمع ، نجوم تأفل وأخرى تسطع ، رايات ونصب تهوي وأخرى ﻷندادهم ترفع ،أحزاب تفتق وأخرى ترقع ،أعناق تشرئب مختالة بذواتها وأسيادها لمحدثي نعمة إستأسدت على حين غرة وأخرى تطأطئ صاغرة بعد طول إختيال وتنمر لتخضع وتخنع ، والنتيجة ملايين الفقراء والمساكين واﻷيتام واﻷرامل والعاطلين والمعاقين والمفجوعين والخائفين والنازحين والمشردين ، وبالبغدادي ” دخانكم عمانا ، طبيخكم وباذنجانكم ما إجانا “.
منذ اسابيع و الشارع العراقي المغلوب على أمره يعيش أحداثا ﻻ تقوى على حملها الجبال الراسيات ، فمن هزات أرضية، الى تفجيرات إجرامية، الى نزاعات عشائرية ،الى مماحكات سياسية، الى حرائق بفعل فاعل في أسواق تجارية ، الى انفلونزا طيور H5N1 أهلكت حقول دواجن بأسرها في ديالى وبابل والراشدية ، الى جدب وتصحر وإنحباس مطر ، وغيرها لتأتي الكتل السياسية فـ ” تكمل الغرقان غطة ” وترفع شعار ” لو ألعب لو أخربط الملعب ” حتى ان نائبة كتبت على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك بأن نصاب مجلس النواب ﻻيكتمل تحت قبته لإفشال استجوابات وقوانين في غاية الاهمية مدرجة على جدول الاعمال وتمرير أخرى فيما تشهد كافتيريا البرلمان اكتمال النصاب خارجه في ذات الوقت وكل حزب بما لديهم فرحون ، الكرد ﻻيدخلون الى أية جلسة تدرج موازنة 2018 على جدولها مالم تتضمن إرجاع حصتهم الى سابق عهدها 17 % وليس 12.6 % كما في الموازنة الحالية التي لم يصوت عليها بعد ، فضلا عن تخصيصات البيشمركة والنفقات الاستثمارية والقروض الخارجية والداخلية … العرب السنة يقاطعون بعض الجلسات لتأجيل الانتخابات 6 أشهر ريثما يتم إعادة النازحين وتضمين مبالغ إعمار مناطقهم المدمرة في الموازنة المتأخرة وإقرار قانون الانتخابات وتعطيل استجواب وزيري الكهرباء والتجارة – والله اعلم بالنيات من خلف الستارة – ان كانت ﻷجل الفقراء والنازحين حقا ، أم تمهيدا لفوز بعض الوجوه المكررة ونظيراتها المستهلكة كما في كل مرة بالانتخابات ، أما عن ممثلي العرب الشيعة فانهم ﻻيحضرون جلسة تنوي تأجيل الانتخابات المقررة في 12 / ايار المقبل لوجود قناعة شبه مطلقة لديهم بفوزهم فيها في ظل الاوضاع المأساوية الحالية التي تعصف ببقية المكونات العراقية اﻷخرى ، فضلا عن السفريات والايفادات والاجازات والعمرة والحج لعشرات المرات ، عن الاقليات والكوتا فهؤلاء حيارى بين هذا الطرف وذاك ، اﻻ ان كافيتريا البرلمان تظل هي الخيمة الجامعة لكل الفرقاء السياسيين حتى أولئك الذين بينهم أشد عداوة وخصام ، وكم تمنيت لو يصدر قرار رئاسي يقضي بغلق أبوابها كليا أثناء عقد الجلسات ويمنع منعا باتا دخولها إلا في فترة الاستراحة تماما كما كان يفعل بنا مدراء المدارس وعمداء الكليات من مطاردة المتغيبين عن المحاضرات وملاحقتهم داخل الكافيتريات وتسجيل أسمائهم في قائمة الغيابات فإن انصاعوا كان بها ونعمت والا فالفصل وترقين القيد آخر الكي عقوبة للطالب المتسيب – فما بالكم بممثلي الشعب – ممن يتخاصمون مع أقرانهم داخل القبة ويتصالحون معهم ويسامرونهم خارجها في كافيتريا البرلمان ، يتقلب احدهم كنديم الباذنجان بين الفينة والاخرى وفقا لهوى نفسه ومزاج وأوامر وهوى …السلطان . اودعناكم اغاتي