صار سعر برميل النفط هو من يتحكم مباشرة في الأقتصاد العراقي ، والمورد الوحيد لدخل البلد ، بسبب غياب كل أشكال التنمية والبناء ، وأهمال واضح وصارخ يدعو للعجب ، لكل المرافق الصناعية والزراعية والبحثية ، مع بروز مؤشرات تثير القلق ، من أحتمال كبير لأنهيار اسعار النفط في المنظور القريب ، أو على الأقل استبعاد إمكانية أرتفاع سعره للأسباب التالية :1. تنامي استخدام الطاقة المتجددة ، وتطور تكنولوجيا الطاقات البديلة دراماتيكيا ، فبالمنظور العلمي ، أن الشمس تعطي طاقة للأرض في الثانية الواحدة تعادل ما أنتجته البشرية من طاقة منذ بدء عصر الكهرباء لحد الآن ! ، وفي بعض الدول المتطورة صناعيا ، كالسويد وألمانيا ، تم تلبية كافة الاحتياجات المنزلية بالطاقة المتجددة وبصورة تامة ، وتشمل فروع هذه الطاقة المتجددة والمعتمدة في هذين البلدين على طاقة الكتلة الحيوية (Biomass) ، كأستخدام الغلال الزراعية من زيت لوقود الديزل ، أو تحويل مادة (النشاء Starch) في الذرة الى سكّر ثم تخميره لتحويله الى كحول قابل للأشتعال ، أو تقطير المخلفات الخشبية والأعشاب ، بتسخين هذه الأخشاب بمعزل عن الهواء ، وأستخلاص الهيدروجين وكحول الخشب من هذه المخلفات ، كذلك استخدام طاقة الرياح ، فالشمس هي القوة المحركة للرياح أيضا ، فتقوم التوربينات الهوائية بحصاد الطاقة من التيارات الهوائية ، وألمانيا تمتلك 23 ألف طاحونة هوائية موزعة في البر والبحر ، وفي أعلى صواري يصل أرتفاعها الى 100 متر ، وبثلاث ريَش ، طول الريشة الواحدة بين 35 – 40 متر ، كذلك الطاقة الشمسية ، ويتم ذلك إما بإستخدام الخلايا الشمسية (Photovoltaic) مباشرة ، وألمانيا وحدها تضم 1.4 مليون لوح شمسي ، أو استخدام آلاف المرايا المستوية التي تتوجه بأجمعها لتصويب شعاعها الى نقطة واحدة في أعلى برج ، حيث يوجد مرجل بخاري لتحريك عنفات (ريَش) توربينات بخارية ، مع استغلال المساقط المائية لتوليد الطاقة ، والشمس هي أيضا القوة المحركة المباشرة لتبخير المسطحات المائية ، وبالتالي الغيوم والأمطار وما ينتج عنها من شلالات ، تُحصَد منها الطاقة الكهرومائية (Hydroelectric) .2.
تطور دراماتيكي ومذهل في تقنيات أنتاج السيارات الكهربائية ، فعلى سبيل المثال ، نزلت للأسواق سيارة (تيسلا Tesla) الأمريكية الصنع ، والتي تستغرق 2.5 ثانية لبلوغ 100كم/ساعة من السكون ، وبذلك تكون قد تغلبت حتى على السيارة الخارقة (بوغاتي فيرون) في سباق الجر (Drag race) ! ، وزن بطارياتها (الليثيوم – آيون) أكثر من نصف طن ، قادرة على قيادة متواصلة لمسافة 480 كم ! ، عدا الكثير من الأبحاث السرّية في هذا المضمار ، والجارية على قدم وساق في كل الدول الصناعية ، وبدأت بوادر انقراض السيارات ذات المحركات التقليدية تلوح في الأفق ، وأعتقد أن الشوارع ستخلوا منها في غضون 5 سنوات ! .3. تلويح الدول الكبرى كالولايات المتحدة بإمتلاكها مصادر أخرى للطاقة ، كالنفط الصخري (Shale Oil) ، ونحن نعلم أن كلفة استخراجه عالية إذ تبلغ أضعاف كلفة استخراج النفط التقليدي ، والأمر لا يعدو سوى مزايدة سياسية ، والأمر أقرب للتهديد لأبتزاز الدول المنتجة للنفط وبالتالي خفض أسعاره .
4. ظهور لوبيات كثيرة ، وذات تأثير متزايد ، على شكل منظمات بيئية ، أو مؤسسات بحثية ، للحد من أحترار الكوكب بسبب تراكم غاز ثاني أوكسيد الكاربون حسب زعمهم .وغير ذلك من المبررات التي جعلت سعر برميل النفط على كف عفريت ، والذي سنحمد الله إن ثبت سعره على القيمة الحالية ، فكيف ستتصرف الدولة عند حدوث زلزال وارد جدا في بورصات النفط العالمية ؟ ، وهو الذي يعني كل ما تبقى من رغيف الخبز الوحيد لهذا الشعب المسكين ، هل بإصدار المزيد من إجراءات التقشف التي شملت الفقراء قبل الأغنياء ؟ هل سنشد الأحزمة على البطون ، والتي ستتحول الى حبال مشانق ؟!.
على الدولة التخلّي عن نظرها القصير الى درجة العمى التام ! ، وأن لا تجعل من النفط ، الرهان الوحيد كلقمة عيش على الأقل ، والدولة تعلم جيدا ، أن الحل يكمن في تدوير عجلة التنمية والأستثمار التي علاها الصدأ ، واستغلال الكفاءات وتفعيل وأسناد القطاع الخاص ، وبذلك ستجد جيوش العاطلين عن العمل من الشباب اليائسين بصيصا من الأمل بعد طول أهمال ، لكن هذه الخطوات تحتاج الى قادة وسياسيين نزيهين وشرفاء وأكفّاء على الصعيدين الإداري والبحثي ، وهي خصال غائبة تماما عند من يمتلكون الحل والعقد ! ، فماذا تنتظر الدولة ؟ ، ما هي مشاريع وزارة العلوم والتكنولوجيا ، ووزارة البيئة ، ووزارة الصناعة والمعادن ، ووزارة الزراعة ؟ سيبررون التكلّس والتعفن والترهل في هذه الوزارات على انه بسبب قلة التخصيصات المالية ، والنتيجة حلقة مفرغة ، لكنها صرخة الأستغاثة الأخيرة قبل فوات الأوان ، للنظر في مصير بلد وشعب ، عسى أن توجد بعض الضمائر النائمة فتستفيق ، وسط ركام الضمائرالميتة !.