ذوو الراي الحصيف والحكمة والدراية غالبا ما يشكلون نقطة ارتكاز في ثنايا الحضارات والثقافات والفلسفات والدول بغض النظر عن طبيعة الحقبة الزمنية التي عاشوها وطبيعة الحكم السائد في عهدهم سواء كان فرعوني , امبراطوري , ملكي , جمهوري , مدني , تعددي , ديمقراطي , فدرالي , كونفدرالي , ففي كل هذه التسميات تجد لهم مكانة ووسادة قد ثنيت لهم , اضرب مثالا موغلا في القدم ثم انطلق الى راهن وضعنا , ففي ثنايا الحضارة السومرية وفي اروقة البلاط والحاشية كان هناك مجلسا للراي والمشورة اسمه مجلس العقلاء السومري من شانه النظر الى كافة الازمات والنكبات والمصائب التي قد تصيب البلاد وتقديم المقترحات والحلول للخروج من هكذا اوضاع متازمة ويُهرع اليهم من قبل اصحاب القرار , هذا اولا وثانيا لديهم الاستعداد للعمل بكافة ما لديهم من طاقة اذا تعلق الامر بخدمة البلد , هذا يعني وجود توافق واضح بينٌ بين السلطة والنخب الثقافية اذا تعلق الامر بمصلحة البلد بمعنى اخر يتم تعليق كل الخلافات الموجودة بينهما (السلطة والنخب) طالما ان الخطر محدق بالبلاد بغض النظر عن طبيعة الخطر سواء كان اقتصادي او كارثة طبيعية او عدو خارجي يتهدد البلد او قلاقل داخلية من شانها هدم ما بني في السابق وهذه توافقية من اروع واوضح مصاديق بناء الدولة الصحيحة , ونحن احوج ما يكون اليها في واقعنا الراهن والسؤال هنا اين نخبنا الثقافية مما يجري في اروقة البلد ودعوني هنا افترض خارطة لمواقف النخب حيال ما يجري , فهي اما ان تكون متفرجة عن بعد واما تكون حانقة على كل الاوضاع وبدون عناء البحث عن الاسباب واما ان تكون حاضرة بشكل ايجابي ناقد تقدم الحلول والانتقادات الموضوعية والمقترحات ازاء كل ازمة تلم بالبلد او انها تجد نفسها مغيبة من قبل السلطة لذا جعلت من نفسها ندا واضحا لكل ما يتعلق بالسلطة بشقيها (التشريعية والتنفيذية) اخذة على عاتقها تسقيط مشاريعهما بغض النظر عن مقاسات تلك المشاريع (بنى تحتية , تشريع قرارات مهمة للبلد) واعتقد ان هذه الاستفهامات قد تكون موجودة باكملها في منظومتنا النخبوية وبنسب متفاوتة ولست هنا بصدد التقصي لهذه الاستفهامات بقدر الدعوة الى ان تقف النخب الثقافية موقف الواعي لما يجري في الداخل وخطورته وانه اذاما انزلقت عربة السياسة الى اسفل الوادي فانها لا تبقي ولا تذر وتُرجع الجميع الى نقطة الهلاك لذا عليهم (النخب والسلطة) وعي طبيعة المرحلة وطبيعة الازمات وجعل مصلحة الوطن قبل مصلحة المكون السياسي وليعلم الجميع ان التاريخ يسجل المنجز بكل تفاصيله .