13 أبريل، 2024 10:33 م
Search
Close this search box.

نحو مجمع علمي عراقي نسمو بعلمه ونرتقي بمنجزه

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان تبدأ من جديد رغم شدة الرمضاء وطول الطريق ، خير من تنتظر ظلالاً وقد لا تأتي الا بعد حين . وان تواجه الهدم المبرمج بالقليل من امكانات البناء افضل بكثير من ان تظل محدقاً في الخراب ومن يمارسه عمداً وبشكل مبطن ..
فالباحث العراقي اليوم ينتابه احساس في ان بلاده تنتشر فيها موجة من خيبة الامل والاحباط في شأن مجمعه العلمي وما آل اليه من انحطاط .. وشعور بأنه قد عجز عن ان يحقق كثيراً من الوعود البراقة ، والآمال العراض التي واكبت الحماس في العقود السابقة عند انشائه ، وتوفير قدر من متطلباتها .. وتأتي هذه الموجة وهذا الشعور معها ، بردة فعل لا تخلو من الحدة ، تنحو نحو تضييق الخناق على هذه المؤسسة العريقة وتقزيمها بل حتى الاستغناء عنها . والامر الملفت للنظر هو ان هذه الردة يصاحبها انكار لأهمية العلم او لدوره في التنمية ، فمازال مجتمعنا العراقي وحكوماته المتعاقبة بعد 9 / نيسان / 2003 ، لا تقدر الدور الذي يمكن ان يؤديه المجمع العلمي لو تولته رئاسة نيرة بعقلها لا متحجرة متخلفة مليئة بمركبات النقص والعقد النفسية والغيرة والحسد من الأكفأ منها .. ولست اعرف مسؤول عراقي كبير واحد او صانع قرار فيه ، يمجدا العلم في افعالهم وخطاباتهم وتصريحاتهم وينوها بدوره في التنمية الوطنية .
ان هذا التناقض المقلق بين الطموح والانجازات ، يستحق المزيد من الفهم والمتابعة ، ومن ثم العمل المجدي لازالته او على الاقل لتخفيف وطأته . ولنؤكد بداية ان من حق المجتمع في كل فئاته ان يقيّم النشاط العلمي للمجمع العلمي وان يبدي رأيه في انجازات القائمين عليه واخفاقاتهم ، وان يعدل مساره ، وبالقدر والاسلوب ذاتيهما اللذين يمارس بهما هذا الحق في شأن اي نشاط اجتماعي آخر ، فليست للعلم والمشتغلين فيه حصانة او قدسية خاصة تضعهم فوق مستوى المسائلة الاجتماعية او تعطيهم حقوقاً متميزة لغيرهم . ومن هذا المنطلق يكون الاخفاق في تحقيق التطلعات والآمال فشلاً مزدوجاً يشترك الطرفان فيه ويتحملان مسؤوليته معاً .
لكن الذي يبدو للمتأمل في حياتنا العلمية / الفكرية الراهنة ، اننا نعود من حيث ندري او لا ندري ، بقصد قد يكون مبطناً ــــ والله اعلم ــــ او بدون قصد ، الى نقطة الصفر ، وليست هذه العودة كما قد يظهر لاول وهلة نتيجة لمراجعات فاحصة للتجارب التي مرت بنا ، وتقييمات دقيقة لأسسها ومعطياتها ونتائجها .. ولكنها اعادة لنفس التجربة او التجارب ، انطلاقاً من نفس الاسس والمقدمات ، وكأنه محتوم علينا كباحثين وكتّاب ان نظل ندور داخل محيط دائرة مغلقة .
ان الخطورة الكبيرة الطاغية الآن في مجمعنا العلمي ، وهي وجود ( نفر ) على رأس ادارته لا علاقة لهم بالفكر والابداع والابتكار ، لا من قريب ولا من بعيد ، ادعياء معرفة ، يشكلون عبئاً بغباواتهم على من هم اسمى منهم في كل شيء .. وعلى الآدمية التي يحملون بالخطأ بطاقة الانتماء اليها . بوجود مثل هذا ( النفر ) بلغ الامر بأكثر باحثينا ، ان احجموا عن الكتابة والبحث والمشاركة بنشاطات هذه المؤسسة ، احتراماً لانفسهم واعتزازاً بانتاجهم العلمي ، لأن لمهنة الكتابة / البحث فروضها ومنطقها . ونصيحتي لهذا ( النفر ) الذي يتعاطى مع ( ذوات ) علمية ارفع مستوى منهم بالتأكيد ، ان يتعاملوا معهم باسلوب مشفوع بالكياسة والعلمية ، وبأسلوب فيه التصرف الذكي الذي يغذي العلاقة بين الطرفين ولا ينال من الكرامة ولا ينشيء حقداً .
وعليه ، يستوجب التعيين في الوظائف القيادية لأي مؤسسة ، ان يكون وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن المنابت والأصول .. ومن هنا فان التعيين في هذه المناصب ولاسيما العلمية يجب ان يكون وفق اسس موضوعية مجردة قائمة على الكفاءة والخبرة اللازمة للوظيفة ولا تخضع للأمزجة والاعتبارات الشخصية او لأية اعتبارات اخرى مهما كانت . ومن الضروري اعطاء هذه القيادات فرصاً عادلة ومتكافئة وتحقيق العدالة والمساواة فيما بينها في عمليات التنصيب او التكليف ، وان اي خلل في تطبيق هذه القاعدة الاساسية لابد ان تكون له انعكاسات سلبية على العملية الوظيفية برمتها بالأضافة لما يولده ذلك من شعور بالمرارة والألم في نفوس من تم تجاوزهم وعدم اعطائهم حقوقهم بسبب الاعتبارات التي اشرت اليها .
وتأسيساً عليه ، فان الخطوة الاولى في عملية اصلاح المجمع العلمي هي وضع الضوابط الموضوعية والقواعد والاسس المناسبة لعملية انتقاء وتعيين الموظفين بما فيهم رئيس المجمع ومساعديه ، بما يضمن تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب والتأكد من تطبيق هذه القواعد والاسس بعدالة وانصاف .
واود ان اؤكد هنا ، انه مهما كانت الاسس والقواعد التي توضع لهذه الغاية نموذجية او مثالية ، فان المهم هم تطبيق تلك القواعد والاسس بانصاف وعدالة دون التحايل عليها او الالتفاف من حولها بطرق واشكال واساليب مختلفة .
واؤكد انه لو كان قد تم او يتم تطبيق مثل هذه القواعد التي نكررها ونؤكد عليها دائماً بامانة وجد وعدالة وانصاف لما وجدنا من يشكو ويتذمر .. ولكن من المؤلم الاشارة هنا الى ان من يتجاهلون هذه القواعد والاسس او يطالبون بتجاوزها والتحايل عليها هم في الغالب ممن ينادون دوماً بوجوب التقيد بها ومراعاتها ..
واذا كان مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب اساسياً في عملية التعيين او التنصيب بشكل عام ، فانه اكثر اهمية في عملية الانتقاء والتعيين في الوظائف القيادية ، لان نجاح العملية الادارية يعتمد الى حد كبير على حسن اختيار القادة الاداريين . ولذا ، فان من الضروري التأكد من ان اختيارهم يتم على اساس من الكفاءة والخبرة والشخصية القيادية ومراعاة الكفاءة والجدارة وحسن الاداء ، وخلوه من مركبات النقص والعقد النفسية والاحساس بالدونية من هو اكفأ منه من الموظفين الذين يترأسهم ..
وعليه ارى ، انه لابد من اعادة النظر في تقييم اداء رئيس المجمع الحالي واعادة النظر في قراراته التي تتعلق باسلوبه في تقييم اداء الموظفين والمعايير التي يعتمد عليها في عملية التقييم ، اذ ان عملية التقييم هذه ترتبط في كثير من الاحيان بامزجته الشخصية وعقده النفسية وعلاقته بالموظفين من هم الاكفأ والارقى خلقاً وعلماً منه ..
ونظراً لأن تقديراته ـــ اي رئيس المجمــع ـــ اصبحت سلماً للحصـــول على امتيازات استثنائية ، فان حرصه على ارضاء بعض ( تابعيه ) في بعض الاحيان وحرص هؤلاء على ارضاء رئيسهـــم هذا ، وتلبية كل طلباتــه ورغباتــه حتى لو كان بعــض تلك الطلبات والامتيــازات لا ينسجــــم مع القوانيــــن والانظمـــــة المرعية ممــــا تدفعه ــــ اي رئيـــس المجمـــع ـــ للتكـــرم باعطاء تقديرات ومسؤوليات لهذا النفر من الموظفين من عديمي الكفاءة ، بغض النظر عن مستوى ادائهم الفعلي ، وبالمقابل فان عدم رضا هذا الرئيس عن موظف عامل معه لاعتبارات شخصية اكثر منها وظيفية قد يحرم ذلك الموظف الذي يكون كفؤاً وجديراً بالتقدير من الحصول على الاعتبارات التقديرية التي يستحقها والذي بالنتيجة هو عائدية منجزه العلمي منفعة للصالح العام .
فمثل هكذا موظف في المجمع العلمي ، لا يشعر بالاستقرار ولا بالاطمئنان ، لأن وضعه الوظيفي يرتبط باعتبارات شخصية وامزجة مريضة ، ويخضع لاسلوب المعايير المزدوجة في التعامل ، فهو يهدد بشكل او بآخر من قبل رئيس المجمع بعقوبته او بنقله او بأحالته الى التقاعد .. وبذلك يبقى هذا الموظف في دوامة من الخوف والبلبلة والقلق بسبب تلك السلوكيات سواء كان وراءها مسؤول قسم او متنفذ او من يتوسط باسم اي من هؤلاء من هو احط من المتملقين والمتزلفين ..
ولا يشعر مثل هكذا موظف بأن كرامته مصانة ، فيتعرض للاهانة ــــ بأي شكل من اشكالها ــــ اذا لم يلب رغبات مسؤول او متنفذ اذا كانت تلك الرغبات تتعارض مع القوانين والانظمة والاصول المرعية او كانت لمصلحة طرف او جهة دون وجه حق وعلى حساب من هم أحق . فيتعرض مثل هذا الموظف لضغوط ومداخلات من اجل القيام بمثل تلك الاعمال سواء كانت تلك الممارسات من رؤساء له او ذيولهم .
ــــ ما الواجبات الاساسية التي من المفروض يضطلع بها رئيس المجمع ؟ وما هي الصفات والمؤهلات التي يجب ان يتمتع بها ؟
ــــ قبل كل شيء لابد ان يقوم رئيس المجمع العلمي بتنظيم المجمع الذي يتولى مسؤولية ادارته او يقوم بمراجعة التنظيم القائم له ليطمئن الى ان هذا التنظيم والهيكل التنظيمي من حين لآخر للتأكد من تكيفه مع أية واجبات او مسؤوليات جديدة والتحقق من ريادة الكفاءة الانتاجية لهذه المؤسسة ( الخطيرة ) ويرتبط بذلك تحديد واجبات ومسؤوليات العاملين في المجمع في وصف وظيفي واضح ومحدد لتلافي التضارب في الاختصاصات والصلاحيات والازدواجية في العمل .
ــــ ولابد لرئيس المجمع من وضع نظام داخلي او برنامج عمل لازم لتنفيذه من قبل موظفي المجمع ، وربط هذه البرامج بجدول زمني للتنفيذ وتوجيه الموظفين لتنفيذها بالشكل المناسب ومراقبة ومتابعة التنفيذ ، وتعتبر هذه العملية خطوة هامة في العملية الادارية .
ــــ ان اهم ما يجب ان يتميز به رئيس المجمع العلمي الكفء هو ايمانه بعمل الفريق ، لأن القائد الاداري الناجح هو الذي يستطيع ان يعمل مع الآخرين ومن خلالهم ويوجه مسيرة عملهم لتحقيق اهداف المؤسسة التي يتولى ادارتها . ولاشك ان للاجتماعات الدورية مع رؤساء الاقسام وبعض الموظفين في المجمع ــــ ان وجدوا بمستوى مؤسسة اسمها المجمع العلمي ـــــ اثراً كبيراً في تعمق روح الفريق ..
في رأيي ، انه لاخير في المجمع العلمي اذا كان يعتمد في وجوده او عمله على فرد واحد تتحكم فيه امزجة نفسية مريضة .. مهما كانت كفاءته او ما يحمله من مؤهل علمي ــــ كأي حرفي مسلكي ــــ ولذا فان من المهم جداً ترسيخ مفهوم العمل المؤسسي في المجمع العلمي . هذا اولاً وثانياً وهذا المهم المفروض في رئيس المجمع العلمي القادم ــــ ان كانت الدولة فعلاً حريصة على ديمومة ومكانة مثل هكذا مؤسسة عريقة وتحافظ عليها من الخراب .. ـــــ ان يكون اميناً مخلصاً لعمله ، عادلاً منصفاً في تعامله مع الموظفين العاملين معه . ومع الباحثين والمترجمين وذوي العلاقة .. ولا يسمح للمداخلات والضغوط التي قد يتعرض لها بأن تجعله ينحرف عن جادة الحق والصواب في تسيير عمله فيظلم البعض لحساب البعض الآخر .
هذه بعض الافكار التي يجب ان يتمتع رئيس المجمع العلمي القادم ، ولاشك ان بالامكان كتابة الكثير عن هذا الموضوع الذي كتب عنه الكثير لكن رأيت هنا التركيز على عدد من الامور التي اعتبرها اساسية وجوهرية في هذا المجال .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب