23 ديسمبر، 2024 12:59 ص

نحو فهم حقيقي للاستثمار

نحو فهم حقيقي للاستثمار

ينتاب العراق اليوم موجة إعلامية تحت لافتة الاستثمار والكثير يدلوا بدلوه فيه ، من مشجع للمولات ومعاد للمعامل ، ومن مروج للاستيراد إلى من هو مناهض للانتاج وصولا لمن يفهم الاستثمار على أنه عملية جذب الرسامبل الأجنبية ،.والحقيقة هي أن الاستثمار يعني اعمال الرأسمال في إنتاج الخيرات ، وله علاقة مباشرة بالادخار أي تراكم الرأسمال الداخلي من اجل تحويل الموارد الطبيعية المتاحة إلى سلع تسد الحاجة اليومية ، ويبدو أن طغيان العولمة قد أبعدت حكامنا عن مفهوم الإنتاج واستوردوا المصطلح مع السلع الاجنبية الجييدة أو تلك المخالفة للمواصفة العراقية أو المضرة بالابدان وفقا لسياسة الباب المفتوح المدمرة مخالفين بذلك ابسط قواعد الاقتصادات الوطنية متجاوزين الحمائية التجارية التي تأخذ بها البوم حتى زعيمة الرأسمالية العالمية ..(الويلايات المتحدة) تجاه الصين واليابان والاتحاد الاوربي وروسيا ، وصرنا بذلك أكثر رأسمالية من الرأسماليين.
أن شيوع مبدأ الاستثمار الأجنبي بالنسبة لدولة مثل العراق يصنف ضمن الانتحار الاقتصادي ، لأن هذا المبدأ سيعمل على نمو التبعية الاقتصادية للغير ، ذلك أن العراق لا يفتقد للرأسمال كما هو الحال في بلدان كثيرة ، لكنه بعد العام ٢٠٠٣ يفتقد الوطنية وعقلية القائد الاقتصادي امثال خير الدين حسيب أو اديب الجادر أو ابراهيم كبة ومحمد حديد أو عبد العال الصكبان وغيرهم ممن وضع أسس الاقتصاد الصناعي والزراعي في ظرف لم يكن العراق يملك مثل هذه الثروة النقدية التي يمتلكها اليوم . ولا تنسى ابدا مقولة عبد العال الصكبان،، العقار لا الدينار، . فقد كان يشجع على الادخار املا بالوصول إلى الاستثمار . ويرى سعر العقار ثابت وسعر الدينار متغير .
أن الاتجاه الخاطئ والمعمول به اليوم والقائم على الاستثمار الأجنبي
يعني منافسة الرأسمال الوطني ، أو على الأقل تحويله إلى كتلة نقدية مخزونة في ادراج الدواليب الأهلية بعيدا عن المصارف ، وان المصارف الأهلية بدورها طاردة للرأسمال الوطني نحو الاستيراد المظهري أو تهريب العملة أو غسيل الأموال .
أن الاستثمار برأينا ليس كما هو جار اليوم والقائم على فتح المولات وغلق المعامل ، بل هو الإنتاج وتحويل الثروات الطبيعية إلى مواد وسلع يفتقدها المواطن ، وتحتاجها الأسواق المحلية أو المصانع الإنتاجية ، واليوم على سبيل المثال يقف العراقيون في طوابير ويسهرون الليالي للحصول على وقود السيارات ، لماذا كل هذا التأخير للاستثمار الحكومي أو الاهلي العراقي في بناء المصافي والعراق دولة نفطية ، لماذا يستورد العراق الغاز وهو دولة نفطية والغاز المصاحب يسمم البيئة عند الاحتراق ويزيد من حرارة البلاد.
أن تحويل معامل جميلة الصناعية إلى مخازن للمستورد من البضائع الاجنبية واستخدام عمالها الفنيين كعتالين لتفريغ شاحنات الدول المجاورة يعد خيانة وطنية لأنها عملية تنم عن الاستثمار في الاستيراد ومعاداة للانتاج المحلي وزيادة نسبة البطالة. التي تؤدي بنا إلى الفقر ، عن أي استثمار يتكلم اقتصاديوا الصدفة اليوم ؟
أن جهالة السياسيين بالاقتصاد كانت وراء الفوضى العارمة في اصول الصرف الحكومي والتي كانت عاملا في توسع الفساد وتفشيه ليصل حتى إلى المشاريع الخدمية ، وان العراق منذ السقوط لم يشهد ولو على سبيل الدعابة السياسية رئيسا لحكومة يمسك باوراقه أمام البرلمان ليوضح ما هو المنفذ بالارقام من المنهاج الاقتصادي الحكومي ، أو أن البرلمان استدعى رئيس الوزراء كما تفعل برلمانات العالم طالبا منه توضيحا لخطة الوزارة الاقتصادية ، الكل جاهل بالاقتصاد والكل متجاهل دور الحكومات في بناء الدول ، أن تقديم البنك المركزي والبنوك الحكومية السلف لإقامة المشاريع الصغيرة لا يمكن أن يكون بديلا عن الاستثمار الواسع في المشاريع الإنتاجية الكبيرة ، أنها عملية متواضعة للتقليل من البطالة لكنها لا تخلق إنتاجية بالمفهوم الاقتصادي ، كما وان التسليف لشراء السيارات أو التسليف العشوائي كل يعمل عمله بطريقة رأسمالية محضة على تشجيع الاستهلاك للمستورد وتشجيع للاستهلاك المظهري أو شبه الكمالي وتوجيه الدخول نحو خراب اجتماعي غير محسوب النتائج، .
أن الاستثمار الحقيقي في هذه الفترة العصيبة يتحقق في إعادة تفعيل دور القطاع العام الإنتاجي الواسع بالتعاون مع نقابات العمال وتمكين شركات الدولة العملاقة من تطوير نفسها للدخول كمنافس للاستثمار الاجنبي ، كما ويمكن للدولة وفق خطة مدروسة حسب توفر المواد الأولية في المحافظات بناء مصانع إنتاجية وفقا للحاجة الاجتماعية والعمل على بيعها بالتقسيط للمهندسين العراقيين ، على أن يشمل ذلك السكن الصناعي وجعل الوحدة الإنتاجية وحدة اجتماعية خارج المدن المكتظة ، عليه فالمطلوب من الاستثمار اليوم في العراق التشجيع على العمل ، فالعمل أساس القيمة وقيمة الاستثمار تكمن في الإنتاج لا فقط ببيع وشراء الأصول وتداول الأوراق المالية ، الاستثمار في العراق يتطلب حماية المنتوج الوطني ، يتطلب انشاء شركات مختلطة للانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية ، الاستثمار في النهاية يجب أن يكون وطنيا بنسبة لا تقل عن ٧٥ بالمئة وان يوجه اولا نحو السلع الأساسية وشبه الأساسية ، والسلع الإنتاجية كما يجب أن يوجه الاستثمار في قطاع السكن العمودي وفي كل المحافظات باستثناء العاصمة بغداد ، مع التنبيه على أن الاستثمار الأجنبي يجب أن يدخل ميدان الإنتاج لا ميدان الاستهلاك ودون مساهمة مالية حكومية تذكر ، وليعلم الجميع أن ألاستثمار الاجنبي يعني تحويل الأرباح إلى بلدان المنشا وهي خسارة لاتقدر بأرقام مجردة بل بأرقام خيالية كما أنه يعتبر وسيلة قانونية لطرد الأموال الوطنية نحو الخارج…..