عندما نقول ( القاموس العربي – الروسي ) في روسيا , فان هذا يعني اننا نتكلم عن قاموس بارانوف الشهير , والذي صدر بعدة طبعات منذ اربعينات القرن العشرين ولحد الان , ورغم اختلاف الشكل جذريّا في كل طبعة , الا ان المضمون بقي كما هو تقريبا منذ الطبعة الاولى , رغم الخطوات التي تم اتخاذها في الطبعات اللاحقة , والاشارة الى ان هذه الطبعات مزيدة ومنقّحة .
لقد أصبح هذا القاموس – المرجع الاول والاهم بالنسبة لكل الروس ( والسوفييت ايضا ) , الذين درسوا اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الروسية والسوفيتية منذ اواسط القرن العشرين والى الوقت الحاضر , واصبح هذا القاموس طبعا واحدا من المراجع المهمة ايضا لكل العرب , الذين درسوا في المعاهد والجامعات السوفيتية والروسية , رغم انه قاموس عربي – روسي , وليس العكس , ولكنه كان ضروريا جدا في بعض الحالات .
حاز قاموس بارانوف على مكانة مهمة بالنسبة لدارسي اللغة العربية من غير الروس ايضا , وأذكر مرة , ان صديقي سلفادور ( المستعرب الاسباني ) , الذي كان يدرّس اللغة الاسبانية في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب في جامعة بغداد في السبعينيات طلب منّي نسخة من ذلك القاموس , لأن استاذه في اسبانيا يحتاجه , وقد اوضح لي سلفادور , ان استاذه لا يعرف الروسية , الا انه يحتاج الى دراسة الكلمات العربية في قاموس بارانوف وترتيبها , وقال لي سلفادور, ان هذا القاموس معروف في اوساط المستشرقين الاسبان , وقد شكرني جدا عندما قدّمت له نسخة من القاموس , وأذكر ايضا , كيف ان مجموعة من الزملاء العراقيين ( المتحمّسين سياسيا وفكريا للجانب السوفيتي في كل شئ !!!) حاولوا مرة في بغداد اصدار الجزء العربي في هذا القاموس بطبعة خاصة ( باعتباره قاموسا للغة العربية المعاصرة !) , ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذ فكرتهم تلك , اذ كيف يمكن ( بيع الميّة في حارة السقايين ؟) .
لم نستخدم , نحن الطلبة العرب عموما , هذا القاموس بشكل واسع عندما كنّا ندرس في الجامعات السوفيتية والروسية , اذ كنّا نحتاج الى القاموس الروسي العربي قبل كل شئ , ولكننا استخدمناه في حالات خاصة , و كنّا نعتبره المرجع الاول للطلبة الروس , الذين يدرسون اللغة العربية , ولهذا , فاننا بشكل عام لم نعرف هذا القاموس بعمق , ولكنني (اصطدمت!) مرة باحد الطلبة الروس , الذين يدرسون العربية , اذ انه قال لي , ان كلمة ( أيوه ) هي كلمة عربية فصيحة , فاوضحت له ان كلمة ( نعم ) هي الفصيحة , وان ( ايوه) من اللهجات العربية , ولكنه لم يقتنع بتاتا , واصرّ على موقفه , فتعجبت أنا من ذلك الموقف , وقلت له – كيف يمكن لك ان تناقشني حول أوليات لغتي العربية وهي لغتي الام وانت طالب روسي يدرس العربية في روسيا ؟ فقال لي , لانه قرأ ذلك في قاموس بارانوف , وانه يثق به بشكل مطلق . وقد اضطررنا للرجوع الى القاموس , ووجدنا فعلا ضمن حرف الالف كلمة ( أيوا / أيوه ) وامامها كلمة ( دا ) الروسية , اي نعم , لكن بارانوف يضع امامها مختصر (شعب.) , اي انها شعبية , فقلت للطالب الروسي , ان توضيح مؤلف القاموس ليس كافيا , ولهذا فان موقفك لم يكن دقيقا , فقال لي هذا الطالب – وهل ترى ان موقفه غير صحيح , فقلت له , ان القاموس يجب ان يفرّق بشكل واضح و دقيق بين اللغة الفصيحة وبين لهجاتها , وخصوصا بالنسبة للغة العربية , التي توجد فيها لهجات عديدة نتيجة عوامل كثيرة , وقلت له اننا في العراق – مثلا – لا نقول ( ايوه ) ابدا .
بعد هذه الحادثة ( الطريفة !) مع الطالب الروسي , عدت الى قاموس بارانوف بهدوء , وراجعت كل حرف الالف , فوجدت مفردات قليلة جدا من اللهجات , الا انها موجودة , مع ذلك , وتحتاج هذه الكلمات (رغم قلّتها) الى تنقيح , او تصحيح , او الغاء , او هوامش توضيحية حتما , مثل كلمة ( أسانسير) بمعنى مصعد , او (اريال) بمعنى هوائي لبعض الاجهزة , او (اسكي) بمعنى أداة التزلج على الجليد, او (أدبخانه) بمعنى تواليت , او (خوي) بمعنى أخي , او (أجنسيّة) بمعنى وكالة , او (احنا) بمعنى نحن , او (اجبتولوجي) بمعنى متخصص بالآثارالمصرية, او (اجزاجي) بمعنى صيدلي , او (اتمبيل و اتوموبيل) بمعنى سيارة , او (أبّلة) بمعنى عمّة , او (أباجور) بمعنى غطاء المصباح , وربما توجد مفردات اخرى مشابهة في الحروف اللاحقة بهذا القاموس .
ان قاموس بارانوف العربي الروسي مهم جدا في مسيرة حركة الاستشراق الروسي , وفي عالم القواميس العربية الروسية والروسية العربية ايضا , ولا زال يعدّ مصدرا علميا معتمدا لكل دارسي اللغة العربية في روسيا او المرتبطين بها بشكل او بآخر, وكذلك لكل العرب المرتبطين باللغة الروسية ايضا , رغم كل ما حدث من تطور تقني هائل في مجال القواميس والترجمة بشكل عام , ولهذا , فاننا نقترح تشكيل لجنة من المتخصصين ( واتمنى ان يكون من بينهم د. جابر ابي جابر- مؤلف القاموس الروسي – العربي الكبير) لتنقيحه بشكل جذري, واعداد طبعة جديدة منه , طبعة منقّحة ومزيدة ( بشجاعة وبكل معنى الكلمة ) من هذا الجهد العلمي الكبير , الذي قدّمه لنا العالم الجليل بارانوف منذ عشرات السنين , بل انه بدأ بالاعداد له منذ عشرينيات القرن العشرين ( كما يذكر المستشرق الكبير كراتشكوفسكي في مقدمته الواسعة والعميقة للطبعة الاولى من القاموس عام 1945) , ونعتقد جازمين , ان هذه الطبعة المنقّحة ستعيد الحياة الى هذا القاموس الرائد في مسيرة الاستشراق الروسي ومسيرة العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي …