اعتاد الدارسون المعاصرون من الذين كتبوا عن ابن رشد ( ت 595هــ/ 1198 م) وفلسفته، أن يتحدثوا عن أسباب نكبته المعروفة، وأن يوثقوا أقوالهم عنها بالرجوع إلى أهم مرجع معاصر لابن رشد، ألا وهو عبد الواحد المراكشي في كتابه المعجب في أخبار المغرب، وأن يعتمدوا كذلك على ما كتبه ابن الآبار والذهبي والأنصاري وابن أبي أصيبعة وغيرهم. إذ يشير هؤلاء القدامى إلى روايات معينة تحدد أسباب النكبة. أخفوا على وفق ما أرى البعد الحقيقي للنكبة في محاولة مكشوفة الأبعاد والدوافع، ظاهرة المعاني في خطاب أصله موجه إلى الجمهور من الناس دون غيرهم، والقصد من ذلك بَيّنْ لكل ذي حس مرهف.
يؤكده هؤلاء المؤرخون القدامى في أن سبب النكبة منها ما هو ظاهر جلي، ومنها ما هو خفي باطن. وأن هذه الأسباب مجتمعة هي التي دفعت بالأمير يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملقب بالمنصور الموحدي ( ت 595 هـــ) إلى إصدار منشور بتحريم الاشتغال بالفلسفة والأمر بحرقها وعدم تداولها ونفي كل من يشتغل بها، وعلى رأس هؤلاء الفيلسوف ابن رشد، إذ جرى هذا التحريم من خلال إصدار مرسوم أميري أعلن على رؤوس الأشهاد أطلق عليه بالبيان أو المنشور المنصوري.
لقد تابع هذه الأقوال عن نكبة ابن رشد مما ذكره المراكشي والأنصاري ورددها فيما بعد من الباحثين المُحدثين المستشرق الفرنسي آرنست رينان ، وفرح أنطون، وماجد فخري ومحمد عاطف العراقي ومحمود قاسم وغيرهم من الذين كتب فصلاً مطولاً عن ابن رشد وسيرته وأسباب نكبته في مؤلفاتهم الخاصة بتاريخ الفلسفة الإسلامية باستثناء الدراسة القيمة التي كتبها محمد عابد الجابري تحت عنوان: المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد. إذ إنّ الجابري قد خالف كل الأحكام التي قال بها هؤلاء المؤرخون القدامي فضلاً عن المحدثين.
أما دراستنا التي قدمنا بها ترجمتنا لكتاب ابن رشد الموسوم تلخيص السياسة فقد بينا فيها خلافنا الواضح مع كل الذي قاله المؤرخ المراكشي ومن تابعه، وذلك من خلال العودة إلى كتاب تلخيص السياسة وما ورد فيه من نصوص نعدّها أحد أهم العوامل الخفية والظاهرة التي سارعت بنكبته، فضلاً عن غيره من العوامل الأخرى التي سنوردها في بحثنا هذا.
وعود على بدء، نورد باختصار أسباب النكبة على وفق ما ذكره المراكشي والأنصاري ومتابعيهم، ثم نورد بعد ذلك تحليلنا لهذه الروايات وموقفنا منها.
يقول المراكشي ما نصه: (( نالت أبا الوليد بن رشد محنة شديدة، وكان لها سببان، جلي وخفي، فأما سببها الخفي وهو أكبر أسبابها، فإن ابن رشد أخذ في شرح كتاب الحيوان لأرسطوطاليس… فهذبه وبسط أغراضه وزاد فيه ما رآه لائقاً به. فقال في هذا الكتاب عند ذكر الزرافة وكيف تتوالد وبأي أرض تنشأ، فقال: وقد رأيتها عند ملك ( البربر). ويستمر المراكشي بعرض الأسباب الأخرى، فيقول: ثم إنّ قوماً ممن يناوئه من أهل قرطبة ويدعي معه الكفاءة في البيت والشرف للسلف، سعوا به عند أبي يوسف يعقوب المنصور ووجدوا إلى ذلك طريقاً، بأن أخذوا بعض مؤلفاته التي كان يكتبها فوجدوا فيها بخطه حاكياً عن بعض قدماء الفلاسفة بعد كلام طويل: إنّ ( كوكب) الزهرة هي أحد الآلهة. فأوقفوا أبا يوسف يعقوب المنصور على هذه الكلمة، فأرسل ( الأمير) في طلبه وأوقفه على هذه الأقوال، فأنكر ابن رشد ذلك، فقال له المنصور الموحدي: لعن الله كاتب هذا الخط، وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أمر بإخراجه على حالة سيئة وإبعاده. وإبعاد من يتكلم في شيء من هذه العلوم… وأمر بإخراج ( إحراق) كتب الفلسفة كلها، إلا ما كان في الطب والحساب والفلك.
وفضلاً عمّا ذكره المراكشي ذكر الأنصاري أسباباً أخرى للنكبة، منها: أن ابن رشد قد أبدى رأياً حول مسألة جغرافية طبيعية أثارت في حينها أهل الأندلس شبيه بما جرى من قبل لقوم عاد. فانبرى ابن رشد على وفق رواية الأنصاري إلى تكذيب وقوع الحادثة على قوم عاد، فعدّ قول ابن رشد هذا زلة لا تغتفر.
كما يضيف الأنصاري إلى هذا السبب سبباً آخر وهو المهم على وفق رأينا ولربما يقترب من تحديد النكبة أصلاً، ويتمثل بموقف الفقهاء والمتكلمين في عصره من الفلسفة والمشتغلين بها بعامة وابن رشد وجماعته خاصة. ذلك أن موقف الفقهاء كان على الدوام سواء في مشرق العالم الإسلامي أم مغربه والأندلس ينحو نحو السلبية والضدية من الفلسفة والفلاسفة، ولنا في ما جرى لابن مسرة من حرق، وابن باجة ( ت 533 هــ/ 11140م) من دس السم له في الطعام بإيحاء من أحد الفقهاء، وما جرى لابن طفيل ( ت580 ه/ 1185م) حين حاول أن يتخفى وراء رمز ( حي بن يقظان في قصته المعروفة) وأن لا يصرح مباشرة بآرائه الفلسفية على الرغم من قربه من الأمير الموحدي يوسف بن عبد المؤمن، حين كان طبيباً ومقرباً منه.
ولربما يعود هذا الموقف السلبي من الفلاسفة في الأندلس إلى ردّة كلامية قادها في مشرق العالم الإسلامي أبي حامد الغزالي ( ت 505 هـــ/ 1111 م) في منتصف القرن الخامس الهجري ووجدت لها صدى قوياً وأنصاراً فيما بعد في الأندلس وفي بعض البلدان الإسلامية الأخرى، وما زالت حتى يومنا هذا.
وليس هذا فحسب، بل نجد بعض من يهتم بابن رشد وفلسفته يضيف أسباباً أخرى لنكبته. منها: أن ابن رشد كان يخاطب الأمير المنصور الموحدي بعبارة ( أتسمع يا أخي)، وهي عبارة على الرغم مما فيها من تحنن وتودد يظنون أنها فاقدة لأصول اللياقة في التخاطب مع الملوك والأمراء بنوع من التأدب وإظهار الهيبة والاحترام.
كذلك، بعضهم يرى أن ابن رشد قد تعاون بشكل خفي مع أخي المنصور الموحدي أبي يحي وكان يختص به في محاولة منه لقلب نظام الحكم وتسليمه إياه. وذلك بسبب مرض المنصور الموحدي الذي كاد أن يهلكه.
هذا هو باختصار ما ذكرته الروايات التاريخية عن أسباب نكبة ابن رشد، والتي اعتبروها خفية وظاهرة.
وجهة نظرنا في النكبة: إنّ النظر في هذه الأسباب للنكبة من منظار الحس النقدي نجدها بادئ الرأي متناقضة مضطربة من داخلها. وكأنها كتبت بأسلوب يشي ويوحي أن السبب الحقيق ليس هو هذا الذي ذكرنا، وذلك من خلال الاستناد على معلومات دقيقة يوردها ابن رشد نفسه عن علاقته بأمراء الدولة الموحدية ولاسيما يوسف بن عبد المؤمن ( الأب) وابنه يعقوب المنصور، إذ إنّه – أي ابن رشد- كان طبيباً وقاضياً ومستشاراً لهذين الأميرين ومقرباً منهما بشكل لا لبس فيه ولا غموض ولا تحوم حوله الشبهات والشكوك. وأنّ ما ذكره المراكشي وغيره في هذا المجال إنّما لا ينهض بنظرنا أن يكون مشكلة قائمة تستوجب كل الذي جرى لابن رشد وجماعته، وإنّما هو من قبيل الأمور الخلافية البسيطة التي قد تحدث من خلال أخطاء النُساخ للكتب أو من التصحيف والتحريف في النص. أو من خلال عرض فكرة فلسفية لأحد الفلاسفة السابقين وهي غير متبناة من قبل ابن رشد- وناقل الكفر ليس بكافر كما يقولون- . وهي التهمة الثانية حول قول ابن رشد إنّ الزهرة أحد الآلهة، أو أن ابن رشد يخاطب الأمير بعبارة أتسمع يا أخي، أو غير ذلك. بمعنى أن هذه القضايا التي عرضنا لها والتي سببت النكبة للرجل لا تمس في صميمها النظام السياسي الموحدي القائم في زمان ابن رشد، والذي هو أحد دعامته الرئيسية.
إذن، ما هي الحقيقة وراء كل هذه الظاهر والخفي التي قدمت أسباباً للنكبة؟
وقبل الإجابة عن ذلك، نقول: إنّ كل الذي جرى لابن رشد إنما هو داخل في أسباب أخرى هي أقرب إلى البعد السياسي- الديني العقدّي، كما سنبين ذلك. بعد أن نقول: إنّ المنصور الموحدي تقدم إليه مجموعة من الفقهاء والمتكلمين المناؤين لابن رشد بنصوص من مؤلفاته توحي بأنها نصوص خطيرة ولا يمكن السكوت عنها. وكان ذلك التقديم لها لحظة تجهيز المنصور الموحدي للجيش الذي سيقوده للقتال ضد نصارى الاسبان عام 593 هجرية/ 1195 ميلادية. مما اضطر هذا الأمير أن يسمع لهم ويتقرب إليهم واستمالتهم إليه ضد ابن رشد في محاولة لِلمّ شمل العامة من الناس للقتال ضد العدو، إذ كانت أكثر هذه الاضطهادات مستحبة لدى العامة، وأنّ الأمراء كانوا يدعونها تقوم بينهم نيلاً لحظوة العامة والفقهاء والمتكلمين. ولهذا فإن عملية التقرب هذه من قبل الأمير الموحدي لا بدّ أن تجري على حساب فئة النخبة المتنورة لتصبح التضحية بها أمراً لا مفر منه.
ولكن، ما هي هذه النصوص التي أوقفوا عليها المنصور الموحدي حتى استجاب لطلبهم ولو إلى حين الانتهاء من المعركة مع نصارى الإسبان؟
وللإجابة أقول: إنّها نصوص سياسية بامتياز، اقتطعت من كتابه تلخيص السياسة، عندما حاول فيها ابن رشد أن يكيف ويوظف ويقرب كتاب أفلاطون ( الجمهورية) الذي لخصه إلى الواقع العربي الإسلامي في زمانه وما قبله، وأن يستخرج من أنظمة الحكم السياسية المتعددة التي ذكرها أفلاطون في كتابه هذا، ما يشبهها أو يقترب منها في التاريخ الإسلامي. ولاسيما في أسباب قيام الدول وانهيارها وتبدلها من حال إلى حال. أي بمعنى أنه وظف أفلاطون السياسي للإسلام بعدّه نظاماً سياسياً مثالياً فاضلاً. واستخرج منه فلسفة للتاريخ تنطبق على سيرورة التاريخ الإسلامي والواقع.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل وجدنا أن ابن رشد قد أسس لعلم سياسي يقوم على منطق البرهان وبعيداً عن الجدل والسفسطة والخطابة والتمويه. بمعنى أنه خطاب قطع فيه كل علاقة مع السياسة بثوب مثالي طوباوي، وبنى خطاباً سياسياً مرتبطاً بالعلم والبرهان والواقع.
كما نجح ابن رشد في كتابه تلخيص السياسة بنقد كل الأنظمة السياسية القائمة في عصره وخاصة الموحدين وما قبلهم المرابطون والدولة العامرية الممثلة بالمنصور بن أبي عامر ومعاوية بن أبي سفيان. وفضلَّ حكومة الرسول والخلفاء الراشدين وعدّها الدولة الفاضلة التي تصورها أفلاطون. كما ربط في كتابه تلخيص السياسة ومن خلال نصوص أفلاطون في الجمهورية بين العدالة والشريعة، والحقّ والقوة، والنظام والخير والفضيلة، ونبذ الظلم والعدوان والشر والرذيلة.
ومن القضايا المهمة والجديرة بالذكر أن ابن رشد في هذا الكتاب جعل مكانة متميزة للمرأة لا نجدها عند كل الفلاسفة السابقين عليه من الذين نظروا في الفكر السياسي والأخلاقي العربي الإسلامي وبخاصة الفارابي وابن سينا وابن باجة وغيرهم. إذ انتصر ابن رشد للمرأة ومنحها القدرة على قيادة الدولة والحكم والتفلسف وقيادة الحرب في المعارك. وهو بهذا تنبه إلى مسألة جد مهمة تخص غياب دور المرأة في الحكم بالعالم الإسلامي، ممّا نجم عن ذلك أن هذا العالم نحى نحو الفقر بسبب حَجرِ المرأة في المنزل والوقوف على الزوج وتربية الأولاد والحياكة والنسج وغير ذلك من الأعمال البسيطة.
وردّاً على موقف المجتمع الإسلامي في حينه وما قبله من المرأة دعا ابن رشد في هذا الكتاب إلى تحسين النسل وتنميته، لأن في هذا الفعل هو قوة للمدينة الفاضلة التي يدعو لها.
وفي مجال آخر، نجد ابن رشد قد دعا إلى محاربة الدعوات الكلامية المزيفة للحقيقة والناقلة للأفكار إلى مجال تداولي آخر غير الذي قيلت فيه أول مرة. وهو بهذا قد حارب كل نزعة عقدّية جدلية متعصبة انغلاقية متحجرة سفسطية، وذلك باستعمال المنطق البرهان العلمي الذي هو الحقيقة.
إنّ هذا الانحياز إلى الخطاب البرهاني وعدّ الخطابات الجدلية والخطابية والسفسطية لا تصلح لكل تفلسف حقيقي. أمر قد جعل الفقهاء والمتكلمين ينظرون إلى ابن رشد بعين الحقد والغيرة والحسد وسوء الظن والتعالي من جانبه عليهم.
عليه، نجد أن هذه المواقف من قبل ابن رشد تجاه فقهاء عصره ومتكلميه والنظم السياسية وأشكالها والمرأة والموقف الإيجابي منها، عوامل ساعدت في التسريع بحدوث النكبة له ولجماعته. ولهذا من جهتي أستبعد كل تلك الأقاويل التي قالها المؤرخون عن سبب النكبة، وأقترح أن يقدم بدلاً عنها وأولاً الأسباب السياسية لحدوث تلك النكبة وما رافقها من عوامل أخرى.
المبحث الثالث- نصوص من كتابه تلخيص السياسة أدت إلى نكبته: وحتى لا يكون ما قدمنا من رأي وتأويل مجرد افتراضات لا أساس لها من الصحة وجزافاً، نقدم هنا نصوصاً من كتابه تلخيص السياسة.
أولاً- نصوص تتعلق بشكل النظام السياسي في عصره، يقول ابن رشد:
1. وإنك لتدرك ما يقوله أفلاطون عن كيفية تحول الحكم الفاضل إلى حكم المجد والشرف ( = الأرستقراطي)، وتحول الرجل الفاضل إلى رجل المجد والشرف، وهو أمر يشبه ما حدث للعرب في أول عهدهم حيث اعتادوا على النزوع إلى الحكم الفاضل، حتى جاء معاوية فتحول حكمهم إلى حكم قائم على المجد والشرف، وهو ما يشبه الحكم القائم الآن في جزيرتنا ( الأندلس).
2. إنّ المَلَكية العامة المتوارثة في هذه الأمة لهي اليوم أسرية حقاً، بسبب الأُسر الحاكمة وهو ما نجده اليوم بيننا.
3. ويشبه هذا في زماننا المملكة المعروفة بالمرابطين، إذ إنهم في أول عهدهم كان ناموسهم قائم على الشرع، وحدث مع مجيء الحفيد أن تحولوا إلى ناموس قائم على اللذة وما يتعلق بها من الأشياء اللّذية والترف، فتفسخ حكمهم وهلكوا، ويعود أمر هلاكهم إلى قيام ناموس معارض لهم في زمانهم وهو ناموس قائم على الشرع.
ثانياً- نصوص تتعلق بعلاقة الفيلسوف بالجمهور وعموم الفقهاء والمتكلمين، يقول ابن رشد:
1. كذلك الحال فيما يخص الفلاسفة مع الجمهور، وهذا هو أحد الأسباب وراء عدم حصول الجمهور في زماننا على أية فائدة من وجود الفلاسفة بينهم، والذين هم فلاسفة بحق.
2. إنّ وجود الفلاسفة الزور الذين يدعون الفلسفة ويتظاهرون بها، وإنْ كان ينقصهم خصال الفيلسوف الحق، ذلك أن الفيلسوف الحق نادر الوجود، حتى وإنْ وجد مثله فإنه من الصعوبة بمكان أن يراعى علمه حق رعايته أي الفلسفة الحقّة.
3. ومن الواضح أن هؤلاء الذين اهتموا بالتفلسف دون أن يسعوا إلى بلوغ الكمال الأقصى فيه، ليسوا بذي فائدة لهذه المدن، بل سيكونون وبالاً عليها وعلى كل خُلقٍ فلسفي حق،…، وهم إنما سيلحقون بذلك العار والأذى بكل فيلسوف حق يستحق هذا اللقب، وهم موجودون في زماننا.
4. إنّ المدينة لا يمكن أن توصم بالجبن أو يقال عنها أنها شجاعة لما فيها من الأغنياء أو الصناع، وإنما لما لها من حراس شجعان وحسب ( = الفلاسفة).
5. إنّ من أقوى أسباب فناء المدينة وهلاكها أنْ يكون شخص ما يقوم بالعمل فيها وهو راغب فيه بطبيعته.
ثالثاً- نصوص تتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع، يقول ابن رشد:
1. نحن نقول عن النساء طالما إنّهُن والرجال من نوع واحد فيما يخص الغاية القصوى من ذلك، فإنّهن متساويات مع الرجال بالنوع، ومختلفات معهم بالدرجة فقط، أما مشاركتهن في فن الحرب وما شابه فإن ذلك واضح عند أهل البراري والثغور.
2. طالما أن بعض النساء ينشأن وهن على جانب كبير من الفطنة والعقل فإنه من غير المحال أن نجد بينهن فيلسوفات وحاكمات وما شابه ذلك.
3. وفي مدننا القائمة فإن قابلية النساء ليست واضحة، لأن النساء غالباً ما يؤخذن للإنجاب، ولهذا فإنهن يوضعن في خدمة أزواجهن وما عليهن إلا الإنجاب والرضاعة والعناية بالولد… والذي يبدو للعيان أن نساء مدننا لا يصلحن لفضيلة غير هذه. وهن بذلك يشبهن النبات… وكونهن عالة على الرجال في هذه المدن جعلها فقيرة.
4. صحيح أن النساء ومن كل الطبقات متساويات مع الرجال فيما يعني كل فعل وأمر، ولهذا لا نعدم أن نجد بينهن نساء محاربات وفيلسوفات وحاكمات وما شابه ذلك.
خاتمة- وفي الختام أقول: إنّ ما قدمته من قراءة لتفسير نكبة ابن رشد سياسياً وما أرفقته من نصوص تبين أسباب هذه النكبة، لا تجزي عن قراءة النص الرشدي ( تلخيص السياسة) لأن فيه تتخلل نظرات ابن رشد الثاقبة لكل قضية اجتماعية وقيمية واقتصادية وسياسية، وهو بهذا أي ابن رشد في هذا الكتاب قد أحدث طلاقاً بائناً لا رجعة فيه مع كل ميتافيزيقا في السياسة وأحدث زواجاً لا انفصام فيه مع كل برهان علمي في السياسة.