من مسلمات عصرنا الحاضر ، انك لا تجد بلدا متطورا الا وكان بلدا صناعيا ، نعم الزراعة تأخذ الأولوية لأنها تنتج قوت المواطن وتؤمن حياته ، ولكن صارت الزراعة لا تفي بالغرض في إشباع الحاجة البشرية، إلا من خلال التصنيع الغذائي ، فالقطاع الصناعي صار من اقوى القطاعات الاقتصادية وصارت له قوانينه وعلومه ، وأصبح الاقتصاد الصناعي واحدا من أهم فروع الاقتصاد العام ، وقد عرفه الدكتور . صائب ابراهيم جواد ، في كتابه اقتصاديات الصناعة والتنمية الاقتصادية الكتاب الاول ص٨.. هو العلم الذي يهدف إلى تسليط الضوء على المشاكل الاقتصادية الصناعية والارتقاء بالانتاج الصناعي ومعالجة مشاكل التصنيع والتنمية الصناعية على أسس علمية ، ويستطرد يقول إن الاقتصاد الصناعي لقي اهتماما واسعا من قبل الباحثين الاقتصاديين ، وخاصة بعد تطور وادخال ادوات التحليل الكمي فيه كالاقتصاد الرياضي والقياسي والاحصاء الصناعي ، وعرفه د. حميد جاسم حميد الجميلي في الجزء المخصص له من كتاب الاقتصاد الصناعي ص ١٨ ، أنه واحد من العلوم الاقتصادية أو فرع من فروع النظرية الاقتصادية الذي يعني بدراسة وتحليل الظواهر والعمليات الاقتصادية التي تجري في إطار القطاع الصناعي على مختلف مستوياته وفي مختلف فروعه ، لذا فإن انشطار علم الاقتصاد منفردا بالتصنيع إنما يراد منه علم دراسة حاجة الإنسان للسلع المصنعة وتطور أذواق المستهلك ومسايرة هذا التطور اولا باول ، هذا وقد أخذت الكثير من كليات الهندسة ومنذ زمن بعيد تدرس مادة الاقتصاد الهندسي ، أردنا من كل ما تقدم أن نستنهض همم الحكومات المتعاقبة نحو أهمية الصناعة في أي بلد يتوق لبناء نفسه . فكيف في العراق الذي بدأت فيه النهضة الصناعية في العقد الثاني من القرن العشرين عندما أسس اللواء فتاح باشا ( هو ضابط من مدرسة الأستانة العسكرية) اول مصنع للغزل والنسيج في العراق عام ١٩٢٦ ، بعد أن استورد مكائن المصنع من المانيا (سمي معمل فتاح باشا ) وبعد ذلك أنشأ الوصي عبد الإله (معمل الوصي) للغزل والنسيج الصوفي ، وقد تطورت الصناعة في العراق تطورا سبق أقرانه في دول المشرق العربي بعد اكتشاف النفط ، حيث تم انشاء المصافي النفطية ، وفي العام ١٩٤٠ تم انشاء شركة استخراج الزيوت النباتية من قبل الاقتصادي العراقي المعروف محمد حديد ، وقامت الحكومة بإنشاء المصرف الصناعي ليقوم بتنشيط الحركة الصناعية ، وفي الخمسينات تم انشاء شركة منتوجات بذور القطن من قبل الصناعي سيمون كيريبيان ، وهكذا كانت الحكومات رغم تغييرها المستمر تعمل على تشجيع صناعة السكاير والشخاط وتعليب التمور وصناعة الكبريت أو صناعة الجوت ، وهكذا تم وضع أسس للصناعة العراقية ، وبعد العام ١٩٦٤ ، وبعد عملية التأميم تم التوسع بالصناعة ، وصارت الدولة من خلال منشآتها الضخمة تنتج الحديد والصلب والصناعات الكيمياوية والبلاستيكية وغيرها من الصناعات التي كانت تلبي حاجة السوق المحلية ، والباقي يتم تإمينه عن طريق الاستيراد ، حتى صارت المنشآت الحكومية التجارية تسوق المنتجات الصناعية التابعة لوزارة الصناعة على وفق مبدأ التخصص ، وكانت الدولة تملك عند السقوط عام ٢٠٠٣ أكثر من ٣٠٠ منشأ. حكومية تجارية وصناعية وزراعية وسياحية ، وكلها كانت رابحة أو تسد النفقات التشغيلية ، غير أن ما حصل بعد ذلكم العام هو التنكر لتلك المنشآت وأخذت ابواق المحتل تعلن للملا متقصدة أن تلك المنشأت كانت فاشلة ، وأننا هنا لسنا في معرض الدفاع عن نشاط تلك المنشأت ، ولكن نود أن نقول ضرورة العودة إلى مسألة التصنيع ، وليكن هذه المرة العبئ على القطاع الخاص ، ولكن هذا القطاع بحاجة إلى من هو مختص بالاقتصاد الصناعي ، القائم على الأحصاء الصناعي في كل محافظات العراق والتعرف على المواد الأولية فيها والصناعات المناسبة لها ، وهنا ندعوا الاقتصاديين الصناعيين والاقتصاديين الزراعيين إلى ضرورة تنشيط الصناعات الغذائية وهي اسهل الصناعات ولأن العراق بلد زراعي ولأن العالم بسبب شح. المياه وازدياد سكانه سوف يتعرض خلال هذا القرن لأزمات غذاء صعبة ، وان المطلوب اليوم من الجامعات العراقية الاهتمام بكل فروع الاقتصاد الصناعي وعلى وزارة الصناعة أن تستأنس برواد هذا العلم الذي دخل العراق في السبعينات وصار لهم الان باع طويل في الصناعة ومشكلاتها ، نود هنا ان نذكر المديرية العامة للتنمية الصناعية ، والشركة العامة للتصميم وتنفيذ المشاريع الصناعية , أنهما جهتان مسؤولتان أمام الله عن تنمية الصناعة والعودة بالعراق إلى مكانته السابقة بين الدول لا في الصناعة فقط بل في كل مجالات الحياة…