18 ديسمبر، 2024 6:49 م

كانت عجوز البيت تتابع بجد دروس محو الأمية التي كان يقدمها الأستاذ عباس من قناة ” 9 ” في تلفزيون بغداد، وتكتب وراءه ” هلال الى الأعلى وتحته نجمة باء”، وهكذا دواليك، وكانت غايتها المثلى ان تتعلم القراءة والكتابة من اجل تلاوة القرآن الكريم، غير انها كانت تطلق على البرنامج المحبب اليها ” نحو الأمية” وليس “محو الأمية”.
راحت العجوز الى رب كريم، وراحت تلك الحملات، برغم أن مراكز محو الأمية لم تزل تستقبل الدارسين، فيما ابلغت الأمم المتحدة العراق بوجود 12 مليون أمي، وليس هذا مداربحثنا، لكنا بإزاء مصطلح أمية المتعلمين، بعد أن صار شعار العجوز” نحو الأمية”حقيقة، والأخطر أن “الأمية”، أضحت مركبة، فلم تعد محصورة بعدم القراءة والكتابة، وانما شملت حملة الشهادات الأولية والعليا، وهذه كارثة في كل المقاييس، كونها تهدد المجتمع بمصير مجهول.
في اثناء مناقشات الموازنة العقيمة، وصراع المصالح واغتنام الفرص، اضيفت فقرة، بخلاف القانون ومقتضيات الموازنة العامة، بشأن فتح دراسات عليا في المعاهد والكليات الأهلية، ما اثير ضجة في الوسط الأكاديمي، وانتقادات صريحة لواقع التعليم الأهلي، مع وضع استثناءات لبعض الكليات الرصينة.
وهنا دق الجرس ليس لدخول الصفوف، وانما لضرورة إعادة النظر في مجمل العملية التعليمية، سواء في المدارس او الكليات، الأهلية منها او الحكومية، لأن النجاح صار “بالجيب” ومن “الجيب”، والأهداف لاعلاقة لها بالإرتقاء العلمي، فالغاية تبرر الوسيلة، وهي الوظيفة والمرتب الأفضل.
في مؤسسات الدولة ترى حرفيين وموظفي خدمة، يدرسون للحصول على الشهادة الكبيرة، ولو كان الأمر مرتبطاً بالطموح لكان بها ونعمت، لكنه التطلع الى التدرج الوظيفي لاغير، وتحسين الراتب.
في العالم المتقدم يحرصون على الملاكات الوسطى، لأنها حلقة مهمة في البنيان العام للدولة، في حين أننا قطعنا الصلة بها، بعد ان تفشت ظاهرة الكليات الأهلية، والجميع بات يحتجون علينا بالشهادات التي يحملونها، برغم انها مجرد برواز لاغير.
أما حملة البكالوريوس، فوجدوا ضالتهم بالجامعات الجارة التي تعاني اقتصاداتها انهياراً، وبرغم عدم اعتراف وزارة التعليم العراقية بشهاداتها، لكن الطلاب غير مكترثين بذلك، ويراهنون على تغير القرارات، ولاسيما بوجود مسؤولين يحملون شهادات عليا من هذه الجامعات مقابل ثمن!!
ورحم الله العجوز، فنحن سائرون نحو الأمية إذا لم نتصد لطوفان شهادتها.