كم من الترهلات يتلقاها الإنسان في رحلة حياته معلومات تعبر عن فهم ناقليها وتنشئ نمط الحياة في العائلة وربما البيئة لمدينة أو قضاء أو امه كاملة على مدى انتشار الفهم ومقومات قبوله، والأفكار التي تأتي بالدين او بفكرة مركزية كالقومية والطائفية وايدلوجيا ثورية، تعمل هذه العوامل كتزييت للفكرة كي تنزلق في الدماغ وتصبح كمسلمات، فكيف يمكن للإنسان تنقية معلوماته وما يكتسبه؟
اكتساب المعلومات:
مراحل متعددة من نقل فهم الآخرين كانطباعات تحول إلى الثوابت في التعلم منذ الصغر فتصبح راسخة كحقائق لا تحتاج دليل بل هي معيار تقاس إليه أي معلومة تأتي مع إقبال الإنسان على المعرفة، مع أنها لا تعدو أكثر من فهم في الأسرة ثم المعلم أو المعلمة في المدرسة، أو أفلام سينمائية تناقش قضايا مهمة وتسد الفراغ المعلوماتي حتى نجد مسؤولين في الدول يستشهدون بأحداث لاحد الأفلام التاريخية.
الإنسان يتجه للتلقي من البيئة الأوسع فالأوسع وكلها انطباعات
هذه المعلومات تبلغ درجة الجمود وتعطل المجتمع من مواجهة الواقع، بل أحيانا يصبح ما تعلمه من اجتهاد بشري في الدين مثلا في عصور سابقة ثابتا وهو الأساس، لكن واقعا لا يجد له أثر أو تطبيق حياتي فتجد التناقض حتى عند من ينشرون هذه المعلومات التي أصبحت تعاليم وربما الكثير منها لا ارتباط له بالأصل وإنما راي لإنسان وفق معلومات عصره، وقد ناقشنا هذا الأمر وتحوله وتأثير التلقي على الانحدار الحضاري التدريجي.
ما نحتاجه كأمة:
نحتاج تدقيق المعرفة والعلوم وما اعتبر ثوابت من اجتهاد البشر وتنقيتها ولا ينبغي إضفاء القدسية على القديم أو الصواب على الحاضر فيجعله قوالب غير قابلة للتطبيق عندما يحاط بهالة تمنع مناقشته فيلجأ غير المقتنع بالاجتهاد إلى رفض أصول لم تك من حيثيات المعروض من أفكار.
مساوئ في عصرنا في كل الأمم:
ظاهرة اخذ المعلومة الجاهزة كانطباع رأيناها في قرارات قادة دول عظمى أيضا فتسببت في دمار دول نامية، وفي مجتمعنا كان معبرة عن هزيمة حضارية وعجز عندما تريد أن تبدو الناس فيها عالمة بكل شيء دون أن تكمل قراءة صفحة، فتأخذ المنقول من الكلام كانطباع بلا أساس يجعلها في المعلومات الرصينة وقد تعتبر الثبات عليها من المسائل القيمية فتشيطن صالحا وتؤيد طالحا على انه نموذجا للصلاح، وهكذا تراجعت الهوية بخيبة لتحل محلها فوضى انتماء.
تكديس المعلومة أيضا ليس إيجابيا فكل معلومة تحتاج معالجة لإثبات صحتها بالتفكير وتدقيقها قبل إدخالها بالذهن كمعلومة يبنى عليها أي أمر.
واستخدام المعلومة لأنها توافق الهوى امر غاية في تضليل الذات وهدم حياض المصداقية، وخير طريق لمصداقية المعلومة نقدها؛ ونقد المعطيات اليومية منهج لكل منقول سواء انطباعات دخلت كمادة قيمية غير مدعمة أو معلومات منقولة وتعتبر مقدسة انطباعا رغم أنها ليست كذلك ولابد من تحقيقها قبل أن تكون هنالك مواقف تبنى عليها قد تخلق مشاكل بنيوية في المجتمع عندما تستغل لأغراض سلبية بشكل متعمد.
كيف ندقق المعرفة:
إدارة الحياة تحتاج آليات عصرها، وهذه مسائل مدنية، فالمطلوب هو النهضة والنهضة بالنسبة لامتنا هي تنمية مدنية ومراجعة فكرية وإدخالها ليس ضمن المنظور القدسي وهي فهم بشر واقعا، وإنما المنهج العلمي للتجربة والنقد أي الموازنة والتنفيد ثم الرقابة على ما حصل من خلال معلومات المتابعة للمسار كأي عملية حياتية إدارية.
التجربة لا تأتي على إعادة امر قديم فيصبح كقالب لا يتوافق وحجم المجتمع باي اتجاه سعة أو ضيق وغالبا ما يكون ضيق أمام مدنية متطورة وتغير في درجة الكفاف وتفاعل المجتمع وتكافله.
تدقيق المعرفة بالفهم وتوضيح المفاهيم ثم نقد المسلمات البشرية المنقولة والتي أضحت انطباعات، ورؤية ما يقود العصر، ليس من اللطف أن نتعلم هويتنا وسبب إنقاذنا بمفاهيم لا ترى لها والواقع وجود أو معالجة فيكون الإنسان مزدوج السلوك فلا هو قادر المحافظة على القيم ولا هو يراها تصلح لحياته، ومشترك بهذا الناصح والمنصوح.
فعل واجب
إذن على المتصديين في مراكز الدراسات والتدريب والتنمية الفكرية أن يعيدوا النظر في كل شيء ويفتحوا مثاني القرآن ليروا من خلالها واقعهم ويصلحوه، فالغاية ليست تطبيق نصوص اعتبرت شرعية أو نصوص قرآنية بلا استنباط قوانين منها وحالات ولوائح وما استنبطه العصر من حقوقيين وعلماء قانون، ندرك أن الأمر متعلق بكرامة الإنسان وأهليته، وليس من إجبار يمنع الاختيار، أما من يريد الإساءة للمجتمع وهويته كائن من كان فهو متهم بجرم يهتم به القانون والحكومة لا الأفراد، من اجل أن يتكون نسيج مترابط بالتعدد والاختلاف الإيجابي وإقامة العدل فمن يضر بالمجتمع في مجتمع العدل لا يختلف على ضرره وضرورة محاسبته اثنان
لابد للامة من أن تصلح ذاتها والأفراد كذلك وكل من الفرد والأمة ينبغي أن يعمل على إزالة الترهلات التي تراكمت عبر التاريخ الصعب من اجل مخاض جديد.