18 ديسمبر، 2024 7:01 م

نحن وفلسطين.. بين الماضي والحاضر

نحن وفلسطين.. بين الماضي والحاضر

أنا من الجيل الذي تفتّحت أعينه على مقولة؛ إن فلسطين قضيتنا المركزية الأولى وواجب تحريرها؛ من النهر الى البحر, يقع على عاتقنا. وقبل نصف قرن, يوم كنت تلميذا في الابتدائية, كنت أشعر بالزهو والفخر, عندما اقتطع (عشرة فلوس) من مصروفي الشحيح والمتواضع لأشتري طابعاً عليه رسم لفدائي يحمل بندقية, مكتوب عليه كلمة(عائدون),كانت توزعه إدارات المدارس,حينذاك, دعماً للعمل الفدائي.
كبرنا وكبر الهم الفلسطيني معنا. حتى جاء العام المفصلي 1979, وهبطت(رجسة الخراب),ممثلة بالدجال خميني في طهران؛( أرض الشرك والنفاق), قادماً من بلاد ال(الفرنجة),حيث موطن الماسونية العالمية. رافعاً شعارات صاخبة تصمُّ الآذان,بأنه جاء(خصّيصا) لتحرير فلسطين بجيش ال20 مليون مقاتل!!.فانطلت هذه الحيلة الشيطانية الخبيثة على كثير من العرب والمسلمين لردح طويل من الزمن. فقضية فلسطين صالحة, ومنذ 100 عام لل(استثمار)لكل من هبَّ ودبَّ, وآخرهم؛سلطة الميليشيات المتسلطة على بغداد برعاية؛(الشيطان الأكبر)!!,أصحاب مقولة؛(نحن أصحاب الحسين,وأنتم[السُنّة] أصحاب يزيد)!!, والذي في عهدهم الأسود, تم قتل وتهجير معظم الفلسطينيين المقيمين في العراق منذ عام 1948, من قبل ميليشياتهم الطائفية المجرمة, في تناقض صارخ بين القول والفعل.
إن أكثر الانقلابات التي شهدتها البلدان العربية في النصف الثاني من القرن العشرين, استمدت شرعيتها من قضية فلسطين؛ افكاً وكذباً وزورا. وبحجّة فلسطين, تم التجاوز على الحريات وديست الكرامات, وتم الحكم بقوانين الطوارئ والدساتير المؤقتة, وتسلّلت شراذم أقلويّة مشبوهة لم تكن تحلم يوما بالحكم, لتتربع على كرسي الحكم(كنظام المجرم اسد النصيري والذي طالب جده سليمان الوحش بالانسلاخ من سورية والبقاء تحت حكم المستعمر الفرنسي)!!.وكل تلك المآسي والمصائب,كانت الحجّة هي؛(تحرير فلسطين)!!.
وعلى أنقاض كل تلك الكوارث جاء الخطاب الخميني(الاسلاموي),والذي فاق الأولين والآخرين في النفاق. وكانت البداية اعلان حربه العدوانية على العراق , والذي يمثل رأس الرمح في كل معارك الأمة مع الصهاينة, مع اختلاف الأنظمة التي حكمته. وبعد حرب ضروس استمرت لثمانِ سنين طوال وبعد تضحيات جسام تمكن العراق من الصمود وقبر مؤامرة خميني وأسياده, وخرج بنصر مؤزّر لم تذق الأمة طعمه منذ قرون خلت.
نفق الدجال (خميني) بكأس السم العراقي, ولكن المؤامرة ازدادت شراسة, من دخول الكويت الى تدمير العراق وحصاره لمدة 13 سنة متواصلة حتى احتلاله في 2003, وهنا برز الدور الايراني وبلا تقية هذه المرة, فمنذ احتلاله, والايرانيون حوّلوا العراق الى ملعب خاص بهم؛ تقتيلاً وتهجيراً وافساداً,وسط تواطئ عالمي مريب.
وبعد 40 سنة تلاشت شعارات تحرير فلسطين وبان هزالها, باحتلال إيران عواصم أربع دول عربية مهمة, وتنصيب حثالاتها لحكم تلك العواصم. فاسرائيل خلال 70 عاما لم تستطع التمدّد خارج ال27 ألف كم2 وهي مساحة كل أرض فلسطين التاريخية, بينما ايران تمكنت بأقل من عشرين سنة من السيطرة على أراضٍ عربية تفوق مساحة فلسطين بعشرات المرّات, هذا خلاف احتلالها للأحواز والجزر العربية. وهي قتلت من الفلسطينيين والعرب في 40سنة, أكثر مما قتلته منهم اسرائيل بمئات المرات في 70 سنة!!!. فأيهما أخطر؛ اليهود بملايينهم السبعة أو أقل, وبدينهم المنغلق وغير التبشيري, أم الفرس وحثالاتهم, بملايينهم السبعين أو أكثر؟ودينهم المجوسي العدواني الفاسد الملتحف كذبا وزورا بموالاة(أهل البيت)!!.
لقد تراجع اهتمام العرب بقضية فلسطين ابتداءً من العام 1979,كما أشرت, مع ظهور الأفعى الفارسية الأشدُّ خطراً من اليهود بكثير, ثم حصل الانهيار الكبير بعد احتلال العراق وتدميره في 2003. ليتلاشى الاهتمام تقريبا في العشر سنوات الأخيرة, وخصوصا في دول المشرق العربي, مع وصول المشروع الفارسي المجوسي لقمة تغوّله. وإذا ضربنا مثلا في شعبي أهم قطرين عربيين وأكثرهما تضحية لفلسطين؛العراق وسورية, لرأينا العجب. فلم تعد قضية فلسطين تعني لهما شيئاً مذكورا, بعدما رأوا مجازر المجوس وحثالاتهم وهم يفتكون بالشعبين في خدمة لا تقدر بثمن لحساب (يهود), وبعدما رأوا حركة(حماس),وهي ترتمي في الحضن الإيراني, رغم البون الفكري الشاسع بينهما, لدرجة إن (اسماعيل بن هنيّة),يذرف الدموع الغزيرة على المجرم الهالك(قاسم سلماني), ويصفه؛ بأنه( شهيد القدس)!!, ويتعامى عن جرائمه بحق العراقيين و السوريين واليمنين والكرد والبلوش والاحوازيين, وغيرهم. وبعدما رأوا محمود عباس مستعدا للتنازل عن كل شيء مقابل بقائه على كرسي (المقاطعة)في رام الله!!. قد تكون هذه النتيجة صادمة للبعض ولا تعجب البعض الآخر, ولكنها الحقيقة المُرّة بلا مبالغة وبلا تزويق.
إن الخطأ القاتل ل(حماس), كان في دخولها ضمن القطيع الإيراني المجوسي القرمطي الصفوي, مع تناقض المشروعين الحاد, عقائديا, ومع المجازر الشنيعة التي ارتكبها المجوس وأتباعهم, منذ أربعة عقود بحق الفلسطينيين (مجازر المخيمات في لبنان في الثمانينات, ثم بحق فلسطينيّي العراق بعد 2003), وضد العرب والمسلمين. تلك الجرائم التي التي فاقت جرائم الأولين والآخِرين.
ان (هنيّة), ماهو الا بيدق صغير, يحرّكه دهاقنة الفرس المجوس, أين ومتى شاءوا, لتحقيق مشروعهم العدواني التوسعي العنصري المغلف بلبوس طائفي, ليقولوا لمن بقي من المغفّلين: ان مشروعهم ليس طائفياً, والدليل دعمهم لـ(حماس السُنيّة)!!.
أما (صواريخ هنية)!!, فحالها كحال (صواريخ هيفا)!!. تُطلق وفق توقيت طهران, ومصالح ايران وتنافسها مع الغرب في اقتسام أرض العرب وثرواتهم, والسيطرة والنفوذ وإجراء الصفقات. وما على العبيد, أمثال؛ نصر اللات, و(زعماء) المليشيات في العراق, والحوثي, وهنية,…الخ من الإمعات, سوى الخضوع والطاعة العمياء لسادتهم أو مشغّليهم. وان سقوط نظام الملالي الوشيك, بإذن الله, هو سقوط لهذه الحثالات جميعا, في الوقت نفسه. كمشهد مكرّر لسقوط الاتحاد السوفييتي, والذي تبعه سقوط متزامن للدول السائرة في ركابه. مع الفارق الشاسع بين الطرفين.
وأنا هنا لا ألتمس عذراً للمهرولين للتطبيع مع اسرائيل من دويلات الخليج العربي وغيرها, بحجّة الخطر الإيراني, فبسياساتهم القصيرة النظر والرعناء ,تسبّبوا بتدمير العراق واحتلاله وتسليمه لإيران على (طبق من ذهب),على حد تعبير سعود الفيصل, وهم يتحمّلون مسؤولية تاريخية كبرى عن هذا الانهيار العربي, وموقفهم من إيران لا يخلو من مداهنة ونفاق وتملّق رخيص, فدولة الإمارات هي ثالث أكبر شريك تجاري لايران, وقطر تعتبر ايران (دولة شريفة)!!,والكويت خاضعة لدجالي طهران تقريبا, وعمان هي (قوادة) الملالي مع الامريكان,…الخ.
الموضوع يحزُّ في نفس كل عربي حر شريف, خصوصا من أبناء جيلنا, وهو يشهد هذا الانقلاب في المزاج الشعبي العربي في غضون سنوات قلائل, من اعتبار اليهود الصهاينة هم العدو الأخطر, الى تحوّلهم الى (ملائكة رحمة)!!,مقارنة بالإيرانيين الفرس المجوس وميليشياتهم الطائفية المجرمة. فهل نستفيد من هذه الدروس والعبر ونخرج بالاستنتاجات الصحيحة للحيلولة دون تكرار كوارث اليوم والأمس القريب, للدفاع عن عقيدتنا ووجودنا, أم نبقى أسرى لشعارات الماضي التي أوصلتنا لهذا الواقع المر الذي نعيشه؟.
هذا هو السؤال المحوري والذي على أهل الحل والعقد ونخبة الأمة الواعية والمثقفة, أن يجدوا أجوبة له, وحلول تترتب عليه. والاّ سنبقى نُلدغ من الجحر نفسه, مراّت ومراّت, وليس مرّتين فقط. والله من وراء القصد وبه نستعين.