5 نوفمبر، 2024 5:00 م
Search
Close this search box.

نحن والاسلام .. الوحدة الاسلامية بالمشمش .. اعلان وفاة. (11)

نحن والاسلام .. الوحدة الاسلامية بالمشمش .. اعلان وفاة. (11)

لايمكن اعتبار العمل او حتى الدعوة لتحقيق الوحدة الاسلامية بعد اليوم عملاً ينم عن معقولية صاحب التوجه او انه يدرك الواقع المذهبي او انه درس التاريخ الاسلامي وسيحضى باي نسبة من المقبولية اصلاً.
اذن لايمكن تقييمه الا ضمن محاولات التظاهر لغايات شخصية مصلحية او سياسية او ما شابه وهو بالتالي لا يعد الا مضيعةً للوقت، اي انه يضر ولا ينفع في كل المقاييس، وعليه علينا ان ننعى ما يسمى بالوحدة الاسلامية.

هذا وان اخذنا بالحسبان ظهور الدواعش وغيرها من الحركات المذهبية المتوحشة وما حصل من مذابح واغربها مذبحة سبايكر والموقف المؤيد لها من اطراف سنية والبارد من الاطراف الاخرى، يمكننا اعتبار ان ما يسمى بالوحدة الاسلامية اصبحت من الماضي.

وعليه نعلن اليوم وفاتها من هذا التاريخ وبشكل صريح.

لقد عمل على تحقيق الوحدة الاسلامية الكثير من الرموز والكتاب والشعراء اضافة لرجال دين عبر فترات متقطعة ولعل ابرزهم الداعية الشهير الافغاني جمال الدين الذي على ما اعتقد كانت فترته اكثر ملائمة من غيرها لتحقيق هذا المطلب وسنتطرق لذلك لاحقاً، ومنهم المعروف بشاعر الوحدة الاسلامية محمد اقبال والشيخ عبد الكريم الزنجاني ومحمد محمد مهدي الخالصي ومحمد عبده وقد كتب الكثير فيها كمحمد ابو زهرة ومحمد حسين فضل الله و دكتور سعود المولى وشيخ زهير الشاويس ومحمد رشيد رضا والخنيزي وحتى الدكتور ابراهيم الجعفري وغيرهم.

فربما يندر ان تجد قضية معينه قد صرف عليها جهداً كبيراً وكتب فيها بقدر ما صرف من جهد وكتابات حول قضية الوحدة الاسلامية وعبر فترات متقطعة اللهم الا القضية الحسينية.

ولكن لايملك المتتبع لهذا الجهد الا الحكم عليه بالفشل مع الاسف الشديد باعتبار ان المشاريع بخواتيمها هذا بغض النظر عن تقييمنا وكل منصف للجهود الخيرة والنوايا الصالحة التي بذلتها تلك الكوادر التي نرجوا منه تعالى ان تكون محروزة الثواب وهو على قدر المشقه.

ولكننا والحق يقال نعتبر ان هذه الجهود المخلصة ادت الى نتائج عكسية ليس بسبب تقصير العاملين عليها انما لقصور في احتياطاتهم لفهم المقدمات التي تتطلبها انجاح القضية، فاين النتائج الايجابية التي ابرزها مؤتمر التقريب بين المذاهب في هذا الطريق؟، الم نحصد غير الزيادة في الفرقة والعداء؟.

فعلى كل عامل في سبيل اصلاح وضع معين ان يدرك جيداً ما هي اوليات نجاح العمل تماماً كما هي مقدمات الصلاة ومقدمات الاستطاعة لاداء مناسك الحج .. وهكذا. وهو ما لم يدركه العاملون السابقون على ذلك، حتى ان تعبير اشهرهم وهو الافغاني عن النتيجة التي انتهى اليها لايعبر عن وعي الحالة التي مر بها فوقع في تناقض في تعبيره عن النتيجة بقوله ( لقد اتفق المسلمون على ان لايتفقوا ) وكان الاجدر به القول ( لقد اتفق اتباع المذاهب على ان لايتفقوا ) فلو كان هنالك مسلمون لما تواجدت المذاهب ولما دعت الحاجة الى العمل لتحقيق الوحدة الاسلامية اصلاً كما نوهنا في حلقاتنا السابقة.

ومن المؤكد ان الالحاح في اعادة العمل بقضية فشلت عدة مرات سيزيد فشلها كل مرة بصعوبة قبولها في المرات القادمة وهذه ليست بفلسفة انما امر مرتبط بالطبيعة البشرية التي تتوخى الحذر مروراً بالعقل الباطن عند ملاقاتها لمشروع قد فشل عدة مرات سابقاً وسوف تتعرض للكثير من التساؤلات حول هذا الفشل فكيف ان كان الامر متعلقاً بقضية مذهبية؟، ( فالتعصب للافكار الدينية هو اخطر انواع التعصب ) كما ذكر ذلك المغربي احمد الخمليشي واوردناه في الحلقة السابقة.

انني شخصياً اعتقد ان افضل فترة او قل الفترة الذهبية التي كان بالامكان تحقيق نسبة ايجابية في طريق الوحدة الاسلامية هي فترة الداعية الافغاني جمال الدين او كان بالامكان استغلال جهودة في الفترة التي تلته ايام الحرب العالمية الاولى وما بعدها ايام دخول الاجنبي الى الاراضي العراقية وانهاء زمن الدولة العثمانية في 1921 حيث ساعدهم في ذلك آل سعود كما هو معلوم وللاسباب التالية :

اولاً – كان المسلمون يتعرضون الى عدوان اجنبي مشترك يمكن ان يحفزهم على التفكير بالوحدة السياسية التي قد تؤدي الى اتحاد في الخطاب والموقف الديني على الاقل الذي قد يؤدي بدوره في المستقبل لبناء وضع افضل على طريق التفاهم المذهبي وليس الوحدة بمعناها الاسلامي الشامل. فربما كان بالامكان التوجه لستراتيجية حل الامور التدريجي كأن نبدأ بتوحيد مناسك الحج مثلاً فمن المخجل ان يتضح امر تفرقة المسلمين بصورة جلية في بيت الله وكأنه تحدِ له، ثم وحدة الخطاب الديني في الازمات .. وهكذا.

ثانياً – لم يتواجد فشل الكثير من التجارب القوية في هذا الطريق ليخلق الشكوك حول تحقيقها وتخلق حالة من الردة والمقاومة العنيفة لانجازها كما حصل لاحقاً.

ثالثاً – بمرور الزمن تزداد حالة التشرذم في العالم المذهبي اللااسلامي بحيث اننا نرى بروز ارقام جديدة في الساحة يتمحور حولها البعض من التائهين بسبب الفراغ النفسي الذي يعيشونه نتيجة انعدام الثقة المتولد من هذا الواقع المريض الذي ادى الى ضياعها وتفكك الاواصر الاخلاقية والاجتماعية وليس الدينية فقط لنجد في كل حين تواجد اناس ضائعين يتم السيطرة عليهم وانقيادهم بسهولة لم ياتي بجديد ليتكون لدينا في النتيجة النهائية ما يشبه المذهب الجديد وان كان التبرير ان فلان مجتهد وهو على نفس المذهب الفلاني ولكنه عملياً له رؤياه وفتاواه الخاصة التي تختلف عن غيره في القضايا المستحدثة والتي تخص التعامل في امور الناس الحياتية مما يخلق تعارضاً حقيقياً وهو بنظري قد يكن اسوء من غيره ان كان داخل المذهب الواحد. هذا الوضع يزيد الموقف تعقيداً بالتاكيد فاقناع اثنين اسهل بكثير من اقناع عشرة من الذين لايريدون الا القيادة ويرون في انفسهم الاعلمية دون غيرهم وصدق من قال ( قومي رؤوس كلهم … ).

رابعاً – زيادة وقوة تدخل العامل الخارجي الدولي والاقليمي واستغلاله لحالة التباعد والعمل على تطبيق سياسة فرق تسد بتفنن بعد اطلاعه على كل ما يحيط بواقع المسلمين.

ولايخفى على لبيب ما لهذا العامل من خطر كبير فقد حاول الغرب تحقيق امر استخباراتي مهم للاطلاع على خفايا المسلمين من خلال عملية ما يسمى بالاستشراق والاستفادة من المستشرقين كمبشرين في المنطقة وساهم في انجازهم لما يرمون اليه بسهولة الان بعد قطعهم شوطاً عظيماً في هذا المجال وتسخيرهم للخونة المصلحيين من ابناء المنطقة والاستفادة منهم ايضاً.

ولسنا بحاجة الى اضافة المزيد من العوامل المعرقلة فهذا يكفي وللقاريء اللبيب ان يضيف ما يراه عاملاً واقعياً في هذا المجال.

واما مراجعة ما بذل من مجهود فكري في هذه القضية فهو لايضيف الا مزيداً من الفشل والتعقيد مع الاسف الشديد فكم من المؤتمرات والندوات وكم نشر من الكتب والمقالات بل والصحف الخاصة وفتح الدور التي جيّرت لصالح ما يسمى بالوحدة الاسلامية ولكنها مع الاسف مرة اخرى لن تزيد الطين الا بلةً.

فالمطّلع على المؤتمرات ومنها مؤتمر لندن الذي خرج باربعة عشر توصية لم تمثل الا توصيات نظرية ارشيفية يتالم المرء على المصاريف التي بذلت في سبيلها كما ذكرنا في حلقة سابقة وكذلك المؤتمر الاسلامي العالمي الذي عقد في مكة عام 2008 والذي يعتبر اكبر مؤتمر اسلامي وقد كان الكثير من رجالات المذهب الوهابي السعودي معارضين لحضور رجالات المذهب الشيعي وهو مايؤكد نظرتنا بان هذه الجهود اسهمت في زيادة التباعد وليس التقريب بين المذاهب.

ومن الامور التي تساهم عملياً في زيادة الفجوة هو المظهر المذهبي الذي جبل رجالات الدين على المضي فيه تعمداً من اجل تمييزهم فيمكنك تمييز الشيعي من السني والشيخ من السيد من خلال الملبس والعمامة وهي مساهمة عملية لاتغتفر لهم ولا يمكن لهم تبريرها مهما حاولوا وفوق هذا وذاك تعتبر دلالة واقعية على نفاق كل من ادعى منهم العمل على تحقيق الوحدة الاسلامية ولم يستطع التجرؤ على التخلي عن ملبسه المذهبي.

ان هذا الامر هو احدى اسباب فشل دعوات تحقيق الوحدة الاسلامية التي تدلل على عدم فهم وادراك اوليات متطلبات تحقيق الوحدة كما اسلفنا. فكيف يمكن لمؤتمر يحضره معمون مصرون على تشبثهم بمذهبيتهم من خلال تمييزهم بالمظهر وعدم استطاعتهم التخلي حتى عن هذا المظهر البسيط فكيف لهم الانسجام فيما بينهم والتخلي عن قضايا عقائدية كبرى ؟!.

وهنا لدي قرينة اذكرها كلطيفة ودالة على الموضوع لتلطيف الجو على القاريء الكريم حيث حضرني وانا اكتب هذا الكلام مقطع من مسرحية باي باي لندن للفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا وهو يقول للمثل الاخر وكان اسمه في المسرحية العربي الصديق من المغرب حيث استهزء من لبسه فقد كان يلبس الكشيدة وقد اطال لحيته وظهر بملبس شتوي وكان كلامه عن الصيف فقال له ان مظهرك شتوي وهذا لاينطبق مع ما تتحدث به حيث عبر بلهجته ( لبسك ومظهرك شتوي وتحجيلي عن الصيف هذا مايصير ).

ولم يكن تواجد العدد الكبير من التنظيمات والتجمعات والجمعيات والمنظمات الاسلامية ذا جدوى هو الاخر وقد تم حل احدها الذي كان يعد من اكبرها لفساده وعدم جدواه بل اتهم بزيادة الفرقة وهو ما يسمى بالاتحاد العالمي “للعلماء المفسلمين” الذي يتزعمه القرضاوي !، ولا عجب، وحل محله مجلس “حكماء المسلمين” في الشهر السابع من هذا العام ونحن نتنقل بين هذه الاسماء الرنانة من علماء الى حكماء وما هي الا اسماء سميتموها ما انزل الله بها من سلطان فلم يتلمس المسلمون لا علماً لينتفع به ولاحكمة لتخلصهم مما هم فيه والله تعالى اولى بعباده. ولكن للمسلم ان يتسائل عن مبرر استمرارها والى متى يستمر هدرها للجهد والوقت والمال وكيف لها ان تقنع الاخرين بل حتى نفسها بذلك؟.

انه لحال معقد مستصعب وبحاجة الى امر غاية في الخطورة وهو الاستعداد النفسي بمصداقية لاترتبط الا بخيط واحد بين العبد وربه بنية صافية خالصه لايعلمها الا هو، وما كان لله ينمو لكننا ونقولها بمرارة لم نلمس اي نمو انما حصدنا العكس.

اننا لا نرى اي مبرر للاستمرار في الكلام بالوحدة الاسلامية مطلقاً ولم يعد الكلام في هذا المجال الا هراء وضرباً من ضروب الخيال ومضيعة للوقت، الا ان ياتي الله بمعجزة لحكمة يراها.

ومفهوم ان هذا الكلام لايعني اننا تخلينا عن مطلبنا في ايجاد مخرج لحالتنا المذهبية المتازمة بل العكس، فمن خلال المبادرة التي لاتموت التي اطلقناها والتي تعتمد تلمس الطريق بتبنيها اسلوب البحث العلمي الذي يتخذ من نظرية الانتقاء العشوائي وعدم تحديد الغاية مسبقاً ، يتضح ان هدفنا هو ايجاد حل لمعاناة هذه الشريحة على اساس اتباع القانون وتبني مبدأ حقوق الانسان وحرية المعتقد والتعبير بعيداً عن العقيدة الاسلامية نفسها فقد اكدنا وبكل صراحة ووضوح انه لاوجود للاسلام بالمعنى المحمدي الخالص كما اراده (ص) منذ ان تسلط معاوية وانحراف الاتجاه المحمدي الى التوجه المذهبي السياسي البحت فاصبح الخطاب السياسي يعلو على الخطاب الديني بل تولد الكثير من وعاظ السلاطين وبرزت الكثير من الملابسات التي لازال التاريخ الاسود يئن بها مما جعل الامر يخلط الحابل بالنابل كما يقال حتى اسهم فتح باب الفتوى والاجتهاد الى ما نحن فيه من فوضى لم يدفع ثمنها الا اصحاب المذاهب البسطاء المساكين الذين اصبحوا وقوداً وقرباناً لتحقيق مصالح المتنفذين السياسيين ورجالات الدين الذين يتحملون المسؤولية الكبرى امام الله تعالى عن هذا الانحدار المشين الذي اوصلنا الى المظاهر الداعشية الخارجه عن الطبيعة البشرية السوية والمنطق الانساني السليم والتي اصبح تنفيذها باسم الاسلام بعد ما نفذت على يد التتار تدعو المتأسلمين من جهلة اتباع المذاهب يدينون بالولاء للمجرم البغدادي ويطالبون بالبيعة له، انها مسؤولية كل مؤمن شريف لايخشى في الله لومة لائم ( وقفوهم انهم مسؤولون).

والله تعالى من وراء القصد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات