نحن نعيش في الزمن الماضي

نحن نعيش في الزمن الماضي

نعيش في زمن يتسم بهالة من الوهم، آذ نعتقد جازمين أن تاريخنا كان مثالياً، خالياً من العيوب والمآسي، وأن حاضرنا هو الصورة القاتمة التي تشرخ أحلامنا. ولكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي أن حاضرنا ليس سوى نتاج ماضٍ مركب ومعقد، ماضٍ مليء بالأحداث التاريخية التي تطغى عليها العواصف والتقلبات، فكل فصل من تاريخنا يحمل في طياته قصصاً من الدمار والخراب، ومن الحروب والمآسي، والتي لا تزال آثارها تؤثر علينا حتى يومنا هذا.

إننا إذا نظرنا بعمق، سنكتشف أن نظرتنا إلى ماضينا تتطلب إعادة تقييم شاملة، حيث نحتاج إلى التحلي بالشجاعة لمراجعة الأحداث التاريخية من منظور شامل، يشمل كل جوانبها الإيجابية والسلبية. إن الأبطال الذين نحتفي بهم ليست لهم إلا قسط من الكمال، فكل شخصية تاريخية تحمل معها عيوبها وقراراتها المتسرعة. وبالتالي، فإن فهمنا المتوازن لتاريخنا سيمكننا من العبور إلى مستقبل أكثر سلاماً وانفتاحاً.

لتكن خطواتنا واضحةً نحو مستقبل يبتعد عن الأساطير والأوهام، مستقبل يقوم على الحقائق والحقائق فقط، حيث نعكس إنسانية البشر بجوانبها المختلفة، بما تحمله من عيوب وفضائل. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من ماضينا، وأن نبني أساساً متيناً لمجتمع يتقبل التنوع والكمال بطريقة حقيقية. فالتغيير لا يأتي عن طريق تجاهل الواقع، بل من خلال مواجهته بكل تفاصيله، وتحويل تلك التجارب إلى بوابات أمل وازدهار.

واليوم يعيش حوالي 40 مليون مهاجر ناطق بالعربية حياتهم اليومية بشكل طبيعي، بينما يحملون في قلوبهم همومًا ثقيلة، مدركين التمييز الذي يعانون منه في الدول التي تستضيفهم, بسبب تركهم لبلدانهم.

تُعتبر ألمانيا، ثاني أكبر بلد يستقبل المهاجرين العرب بعد الولايات المتحدة، مكانًا معاديًا لنا بشكل خاص. هذا الأمر أصبح أكثر وضوحًا نظرًا لموقفها الذي يفتقر إلى النقد تجاه الإبادة الجماعية للفلسطينيين والقرارات العقابية ضد أي دعم يُظهر حقوق الفلسطينيين.

الأوساط الأكاديمية في ألمانيا بشكل خاص تخلق بيئة معادية وعنيفة تجاه العرب، مما يعزز مناخًا سامًا يتذكر ممارسات فاشية سابقة. تورد مريم الزعبي تقريرًا شجاعًا حول التحديات التي يواجهها العرب في ألمانيا.

تتحدث (سارة الأسعد) عن التجربة غير الواقعية المتعلقة ببرنامج لم شمل الأسرة في ألمانيا والصعوبات التي يواجهها المهاجرون في البلاد. وتبدو هذه التجربة بالنسبة للعديد من المهاجرين العرب كرحلة مستمرة نحو الاكتئاب. مع احتمال تحول برنامج لم شمل الأسرة إلى سياسة للترحيل الجماعي، يثير الكثيرون تساؤلات حول ما إذا كان هذا هو السبب من الله للعودة إلى الوطن.

تستعرض الصحفية الاستقصائية (أماني إبراهيم) كيف تلعب ألمانيا دوراً مستمراً في نهب الآثار من الدول العربية. وتبحث في كيفية تمكن الوثائق المزورة من تسهيل بيع هذه الكنوز المسروقة وعرضها في مختلف أنحاء أوروبا، مما يعد شهادة دائمة على المواقف الاستعمارية والعنصرية المتبقية تجاه العالم العربي.

تشارك (أنجيلا زاهر) معضلة شخصية عميقة تعكس مشاعر العديد من الأسر الفلسطينية، خاصة الفلسطينية المسيحية، الذين يجدون طريقة أسهل نسبيًا للإندماج. في وسط الجهود الإسرائيلية المستمرة لطمس الهوية الفلسطينية والادعاء بعدم وجودها، تعارض أنجيلا الرواية الإسرائيلية وتعمل على إبقاء الهوية الفلسطينية حية.

فلنجعل من تاريخنا نقطة انطلاق نعيد من خلالها بناء هويتنا، ولنجعل من تجربتنا الحاضرة دروساً تُعزِّز من قدرتنا على مواجهة التحديات. بتضافر الجهود وتفعيل الحوار البناء، يمكننا التغلب على أوهامنا، وسنستطيع أن نرسم معالم مستقبل يحترم إنسانيتنا، وينطلق من أسس متينة قائمة على التعلم من ماضينا لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة.