عندما يتبوء رموز الارهاب والفساد العضوية في البرلمان ومجالس المحافظات، ويتسنموا أخطر المناصب وأرفعها في مختلف مؤسسات الدولة، ويصبحون جزءا من العملية السياسية والتشريعية والتنفيذية التي تتحكم بمصير العراق والعراقيين، كالتحكم بمصير عوائل الشهداء وضحايا آلة الارهاب وداعش والفساد بأنواعهن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي -على سبيل المثال- عندها سيكون وقد حان زمن الانتقام الكارثي الذي حل بالبلاد كخطوة مكملة لحالات الاغتصاب الداعشي والقمع السياسي الوظيفي، والتطهير العرقي الطائفي، ومصادرة مسلمات وثوابت الأمة التي تهوي بالوطن والمواطن إلى واد سحيق.
وعندما يكون القمع السياسي المحاصصي الشرطوي هو من يحدد السياسة العامة للدولة ورسم استراتيجياتها الحالية والمستقبلية، وعندما تلعب بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني دور الذراع الساندة لذلك التوجه الساعي لإجهاض الدولة التي تمثلها جمهورية العراق على المستويين الداخلي والخارجي، وعندما يكون دور القانون والقضاء معطلا أو ضعيفا، فحينذاك تضطر المرجعية الدينية الرشيدة أن تكون هي الذراع القانونية لسيطرة الدولة على الأوضاع تماشيا مع دورها الريادي ومسؤوليتها الدينية والتاريخية والأخلاقية الممتدة إلى عمق خط الولاية العلوية، كامتداد جذورها التاريخية إلى صلب الرسالة المحمدية، فضلا على رجحان نهجها المشرف والمشهود له عند كل معضلة وعند كل دائرة، وفي كل أزمة، راجحة مواقفها بذلك على جميع المواقف التي تتبناها مؤسسات الدولة.
واستنادا لتفاعلها الوطيد بقواعدها التقليدية والتكليفية مع مختلف طبقات الشعب وأبناء العشائر، فقد افتت باطلاق فتوى الجهاد الكفائي الذي تمخض عنه انبثاق تشكيلات وسرايا الحشد الشعبي على شاكلة سرايا السلام وعاشوراء وعصائب الحق وحزب الله ونظائرهن، ماادى إلى انقلاب المعادلة لصالح الدولة والتخلص من النزعة المزعومة لداعش للسيطرة على سائر أوضاع وجغرافية البلد.
وفمن الآن وصاعدا ووفقا لهذه المعطيات علينا أن نتقبل طوعا أو كرها أتهامات جميع الأصوات المخالفة لصيغة التوافق والشراكة، وأن ندرك تماما مفهومية تلك الأصوات المعارضة لخارطة الطريق السياسية التي تحدد صيغة ونوع الحكم وبالطريقة التي تخالف الدستور والتي أثبتت فشلها على مدى سني الحكم التي تلت السقوط، والتي آلت بالعراق إلى المآل الذي نحن فيه الآن.
وعلنا أن نقبل وبالاكراه أيضا طبقا لتلك التوافقات والشراكات المفروضة، أن من يحكمنا هو أول من يغرس حربته في خاصرتنا عندما تختلط الأوراق وتشتد الفتن، وننسى ملزمين فرضية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وفرضية محاكمة واحالة كل من سولت له نفسه بانتهاك دماء واموال واعراض وحرمة العراقيين إلى القضاء لينال جزاءه العادل طبقا لمقدار وحجم تلك الإقترافات التي أدت إلى زعزعة أمنهم وتسفيه احلامهم ونشر الرعب والفساد بين صفوفهم، ودعم الارهاب وأدواته الداعشية.
هنا وإن لم نصحوا لمعالجة الوضع الراهن، نكون وقد ساهمنا بتحويل صناديق الاقتراع بأيدينا إلى صناديق موت جماعي، وحولنا ارضنا إلى قبور لإجسادنا لامحال، ذلك لأننا شوهنا آليات الديمقراطية بقبول التوافقات ومشتقاتها التي استطاعت وبكل جدارة الالتفاف على مايشبه افشال التجربة السياسية في البلد والتآمر على العراق دولة وحكومة وشعبا بإنتهاك أمنه وسيادته بالصيغة التي جاءت بها داعش، وعلينا أن نستنهض جميع الهمم، وان وكما يقول المثل: أن “نتحزم للواوي بحزام سبع” مهما كان الثمن، لنحفظ “كوفتنا وبغدادنا” وجميع مدننا ومسلماتنا ومقدساتنا من التدليس، لكي نقول للتاريخ وللعالم أجمع : “نحن مازلنا احياء”.
كما واننا سنخسر وعلى مدى الأيام التي تكون فيها داعش مستوطنة بين ثنايا العراقيين، سنخسر بكل تأكيد حالة الاجماع والحس الوطني بسبب تراكم وتفاقم حالات الاستنزاف البشري والبنيوي والاقتصادي والثقافي والجغرافي التي يتعرض لها البلد، وبسبب رغبة الإرهاب وداعش المحمومة وعدوانيته الشرسة في الانتقام من كل شيء يصادفهم، وبسبب تراكم حالات القنوط واليأس والإذعان التي فرضت على عزل الناس الذين صاروا تحت قبضتهم.
ونخشى مانخشاه أن تستحيل تلك الأوضاع إلى أيدولوجية وثقافة، ربما تتحكم بنا على شاكلة استثناء الآخر أو استعباده وجعله مواطنا من الدرجة الثانية، وتصفيته جسديا وفكريا وسياسيا وثقافيا ومعاشيا، وصولا إلى خلق مجتمع تكون جل اعرافه القتل والانتقام ونشر الجهل والظلام والتخلف والاخفاق التقني والحضاري والأكاديمي، وبقادم الأجيال ستستقر الأحوال إلى مالا تحمد عقباه لاسامح الله، إن ظلت داعش تسرح وتمرح بالبلاد والعباد كالضباع الهائجة.