23 ديسمبر، 2024 3:25 م

نحن لا ننعى سعود الفيصل .!!

نحن لا ننعى سعود الفيصل .!!

على الرغمِ من أنَّ حديثاً منسوباً للرسول ” ص ” يقول فيه : < اذكروا محاسن موتاكم > , والنقطة الذكيّة ” غير المباشرة ” والواضحة في حديث النبّي تعني فيما تعني ” وجوب عدم التطرّق والتعرّض الى مساوئٍ مفترضه او سلبياتٍ ما لأيّ شخصٍ ما حين يفارق الحياة ” , وفي هذا الحديث الشريف تبرز بضعةُ نِقاطٍ من بينِ نقاطٍ اكثرلهذا الحديث البارز , ولعلّ اولى تلكُنَّ النقاط هي : أن لا فائدة من الإشارة لأية جوانبٍ غير ايجابيةٍ لمن غادر الدنيا ورحل والثانية هي : أنّ حديث النبيّ كان على الصعيدين الأجتماعي والأخلاقي حيث لم يكن للسياسة الدولية والعلاقات والمصالح الدولية من وجود كما في وقتنا الحاضر , ثُمَّ , فأنها ليست من اخلاقياتنا في ” الإعلام ” الشماتة في الميّتْ .
وهنا , لا علاقة لنا ” بالطبع ” بالسيرة الذاتية او الجانب الشخصي لوزير الخارجية السابق , وإذ نقولُ ” نحن ” لا ننعى فأنّ استخدامنا لضمير المتكلّم بصيغة الجمع فأنما يعبّر عن موقفٍ جماهيري وإعلامي واسع , ومؤدّى هذا الموقف أنّ الوزير الراحل كان المهندس الدبلوماسي لإدخال قوات التحالف والعدوان الثلاثيني الى الأراضي السعودية لتنطلق منها وتهاجم العراق في عام 1991 , كما أنّ الأتفاقية العسكرية التي وقّعتها المملكة مع الدول التي شنّتْ الحرب على العراق آنذاك لمْ يجرِ تضمينها اية فقرة بعدم التعرض او قصف البنى التحتية والأهداف المدنية والأقتصادية داخل العراق ” وكان من الممكن في اقلّ تقدير أن تقتصر حدود تلك الأتفاقية على جبهات القتال فقط تحت ذريعة تحرير الكويت .! وفي ذات الوقت فقد كان الجهد الدبلوماسي للوزير السعودي الراحل بارزاً وبكثافة في حثّ وتشجيع  الولايات المتحدة على غزو واحتلال العراق في عام 2003 , وكان ذلك ملموساً من خلال التسهيلات التي قدّمتها السعودية كي تنطلق القاذفات والمقاتلات الأمريكية من القواعد الجوية السعودية لتقصف العراق , لماذا ذلك الموقف .!؟
وإذ نتحدّث هنا عن الدور الذي لعبه الوزير الفيصل في تلك الحربين فمن الطبيعي اننا لسنا في صدد الدفاع عن نظام الحكم السابق في العراق ولا حتى النظام الذي اعقب الأحتلال , انّما موقفنا هذا مرتبط بقضية وطن وشعب .
وينبغي أن يغدو مفهوماً لمن لا يفهم ولمن لا يريد أن يفهم ! أنّ موقفنا عبر هذا المقال لا علاقة له ولا يرتبط بأية جهة سياسية او حكومية او حزبية وهو موقفٌ مستقل بالكامل والمطلق .
 انّ ما نسمعه في وسائل الإعلام من إطراءٍ حول الوزير السعودي الراحل لا يتعدى شأناً سعوديا – سعوديا وخصوصا انّ المملكة تهيمن على معظم وسائل الأعلام العربية , وأمّا مّن يرسلون التعازي من بعض الساسة العرب فهو إمّا لأعتباراتٍ بروتوكوليةٍ شكليةٍ لا تقدم ولا تؤخر , او ممن يرتنبطون بعلائق خاصة مع المملكة , لكنه على الصعيد القومي فقد كان للفيصل  الدور البالغ السلبية , فمنذ سبعينيات القرن الماضي كانت المملكة تدعم الأنفصاليين المسيحيين والوثنيين في جنوب السودان لا محبّةً بهم ” على الأقل ” وانما نكايةً بأنظمة الحكم والرؤساء السودانيين  السائرين على الصراط القومي آنذاك , وفي الحرب الأهلية اللبنانية كنت قد علمتُ شخصياً ” بالإضافة الى ما هو معروف اصلا ” من لبنانيين في الحركة الوطنية بعثورهم على اسلحة خفيفة ومتوسطة عليها شعار المملكة عند مقاتلي تنظيم ” الكتائب ” اثناء المعارك التي كانت تدور بين الطرفين . لسنا هنا بصدد استعراض السياسة الخارجية للسعودية طوال وجود الفيصل على رأس دبلوماسيتها , وقد كان تعاقب عدة ملوكٍ حكموا المملكة وجميعهم او معظمهم من كبار السّن قد جعل من الوزير السعودي بمثابة الداينمو المنفّذ للتوجّهات العامة السعودية والتي لها خطوط ثابته مع النهج الأمريكي ولا تستطيع الأنحراف عنها وفقاً لما تتطلبه مقتضيات أمن الحكم الملكي هناك , ولا شكّ أنّ الفترة الطويلة التي امضاها الفيصل على رأس الخارجية السعودية قد مكّنته ليمارس تأثيره الشخصي على اولئك الملوك , لكني شخصياً ” على الأقل ”  ارى أنّ الوزير الراحل لم يكن يتمتّع بِبُعد النظر الدبلوماسي بالرغم من شهرته في وسائل الأعلام واضواء الدعاية  , وسأكتفي هنا بضربِ مثالٍ واحد يدلّ فيما يدلّ على التخبّط السياسي في رؤى الفيصل , فبعد حرب 1991, وكانت الحرب قد انتهت وعادت الكويت كما كانت , فقد اوعز سعود الفيصل بتقديم الدعم اللوجستي الواسع لقوى المعارضة العراقية المتوزعة في دول الجوار وغيرها ايضا وخصوصا التنظيمات التي تتقاطع معه فكريا ومذهبيا وحتى نفسياً , وما أنْ وصلت هذه القوى السياسية الى سدّة الحكم بعد الإحتلال , بدأَ وشعرَ النظام السعودي بالتذمّر من هذه الأحزاب واضحى يعاني ما يعانيه منها .!
  كتابتنا هنا عن الوزير السعودي تحديداً لا تعني تهجّماً على المملكة ولا ميولاً ولا تعاطفاً مع اية جهاتٍ مقابلة بأيّ شكلٍ من الأشكال , فدوما ندعو الى فتح صفحةٍ جديدة , ونحن من دعاة وحدة الصف العربي ” على الأقل ” .