23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

نحن امة استنقاعية !

نحن امة استنقاعية !

من يقود العرب سياسياً؟
من يقودهم فكرياً؟
من يتولى الدفاع فعلياً عن مجتمعاتهم؟
اذا لم يكن هنالك تفكير واحد مشترك مسلم به من قبل كل او معظم حكوماتهم او اذا لم يكن هنالك مرجع سياسي او مؤسسة مشتركة للقرار السياسي، وقيادة، او خطة دفاعية عربية مشتركة، افلا يجوز التساؤل عما اذا كان هنالك، بعد، امة عربية، عالم عربي، او وجود قومي دولي عربي حقيقي؟!
منذ عشرين عاماً، بل حتى منذ عشرة اعوام، كان مجرد طرح هذا التساؤل يعتبر كفراً. اما الآن، فان هذا السؤال بات مطروحاً في اعلى المستويات الدولية والمسؤوليات العربية، ولا مجال للافكار او التعالي او التهرب من مجابهة هذا الواقع الأليم: واقع استقالة الفكر العربي والادارة العربية، وواقع ضياع المصير العربي.
هنالك، طبعا، مؤسسات العمل القومية.. حيث يتلاقى الوزراء العرب من حين لآخر، وتنشط اماناتها العامة في تكليف الخبراء والمستشارين بوضع دراسات استراتيجية عن الاقتصاد والاعلام والتعليم العربي. وهنالك المؤسسات القومية المشتركة الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والعلمية.. وهنالك الصحافة العربية الصادرة خارج اقطارها، واجتماعات السفراء العرب في العواصم المعتمدين فيها.. كل ذلك يُذكر بان (الامة العربية) مازالت موجودة، وان العرب مازالوا يتعاونون ويتضافرون لخدمة قضاياهم المصيرية.. وهذا كل شيء تقريباً، مما تبقى من الوجود القومي العربي بعد (200) سنة من انبعاث الدعوة القومية العربية كـأمة مستقلة عن الامبراطورية الاسلامية العثمانية.
وبديهي ان هذا لا يشكل حصيلة هامة لـ (200) عام من النضال والجهاد والتضحية والصراع والبناء.. ولا يتناسب مع ما تزخر به عقول وقلوب (400) مليون انسان يسمون انفسهم عرباً من طاقات وآمال .. كما لا يتناسب مع ما تقتضيه تحديات نهاية القرن العشرين من استعدادات للحاق بركب التطور والمشاركة في مسيرة الانسانية نحو الآفاق الجديدة.
لقد مللنا من تكرار اسئلة: لماذا وصلنا الى هنا؟ وكيف الخروج من المأزق التاريخي الذي وصلنا اليه؟ كما ملت اسماعنا من الاجوبة التي تتكرر، دون جدوى، من الخليج الى المحيط، ذلك ان معظم الاسئلة باتت تطرح من قبل (رفع العتب). اما الاجوبة، فانها تزوغ عن الحقائق التي تدمي وتبتعد عن الواقع، خوفاً من العاقبة او تهرباً من المسؤولية.
والا كيف نفسر سكوت عشرين عاصمة عربية عن احتلال عراقنا وتدميره.. وبماذا نبرر السكوت والعجز العربيين امام ما يجري في سوريا وفلسطين.. وغيرها من الاحداث الخطيرة التي اضاعت المكانة العربية في العالم، وبددت الثروة والطاقات العربية بشكل لم يحلم ألد اعداء العرب بمثله؟!
نعود لنقول ونكرر، ان هناك شيئاً ما خطأ في المسألة العربية لا بد  من اكتشافه وحصره ثم معالجته، فتجاوزه او التغلب عليه. اذ ليس من المعقول ان نعتبر انفسنا امة واحدة ثم نتصرف كقبائل وعشائر وطوائف واقاليم متصارعة او متعادية او متحاربة؟!
وليس من المعقول ان يحاسبنا العالم كمجموعة واحدة او كشعب واحد ثم ان يتعامل معنا او يعاملنا كدويلات صغيرة؟!
ليس من المعقول ان ندعي الانتماء الى امة واحدة وثقافة واحدة وحضارة واحدة ولغة واحدة، او ان نطمح لمصير مشترك… في الوقت الذي نحيا فيه صراعات قبلية واحقاداً عائلية ورواسب مذهبية وثارات عشائرية، يزيد في تعميقها وتفجيرها نظريات اقتبسناها عن الغرب، دون ان نهضمها، وطموحات اكبر من طاقاتنا، ومعارك تفرض علينا او ندخل فيها دون تقدير او تخطيط او رؤية مستقبلية؟!
ترى، ألم يحن الوقت لكي نطرح بعض الاسئلة التي يخشى كثيرون من طرحها خوفاً على انفسهم من طرح السؤال او من عاقبة الجواب؟!
سؤال اول- هل مؤسساتنا القومية والمواثيق والاتفاقات… يكمل بعضها بعضاً ام تناقض او تجمد او تهدم بعضها بعضاً؟
سؤال ثانِ- هل انقسام الاقطار العربية الى فريق اول متحالف استراتيجياً مع هذا القطب الدولي وفريق ثانِ متحالف مع القطب الآخر وثالث حيادي.. هو امر طبيعي او ضروري؟ هل هي خطة فرضتها الظروف؟! وماذا كانت حصيلة هذه التحالفات الاستراتيجية المتضاربة على التضامن او وحدة الصف العربي؟!
واسئلة اخرى حول الصراع العربي- الاسرائيلي- الايراني- الامريكي…
ان اختلاط هذه المعطيات والابعاد في التفكير السياسي العربي هو الذي اربك التصور والرؤية والتخطيط، وادى الى ما قاله يوماً الرئيس الامريكي السابق كارتر: انا لم اسمع من مسؤولين عرب رأياً واحداً حول قضاياهم!!
أوليس من ابسط الامور واشدها الحاحاً تقويم قضايانا القومية المصيرية وعلاقاتها ببعض بعد كل ما حدث ويحدث؟
السؤال ليس تعجيزا حتى لو لم يكن الجواب عليه سهلاً. ولكن ما من احد يجرؤ على طرحه كي لا يفضح الانقسامات العربية حول الجواب عليه، وزيادة الخلافات العربية حدة او دموية.
صحيح ان الزمن لن يتوقف كي يتاح للمسؤولين والمفكرين العرب ان يجيبوا على هذه الأسئلة بمنأئ عن الاحداث اليومية الملحة والتحديات المستمرة. ولعل من اهم مميزات عصرنا واشكالياته، انه على المسؤول ان يتعامل مع واقع متطور كل يوم واحياناً كل ساعة، وانه لا يستطيع ايقاف عجلة التاريخ او الخروج عن الزمان والمكان، ليحل مشاكل بلاده ومجتمعه. ولكن من غير الطبيعي او المعقول ان يصل الواقع العربي الى ما وصل اليه من عبثية ولا ان يصل العجز المصيري الى حد الاستقالة الفكرية والسياسية العربية امام تحديات العصر.
ان العقل العربي مصاب بالشلل، والنفس العربية مصابة باليأس، والجسم القومي العربي مصاب بسرطان مجهول. ولا بد، من اكتشاف العلة او العلل والاعتراف بها، والقبول باجراء العملية او العمليات الجراحية اللازمة.. فبدون هذا الاستعداد لكشف الحقيقة والاعتراف بها، يظل كل خيار ناقصاً او مبتسراً، وكل رؤية كليلة.
ام ترى كتب على هذه الامة ان تغوص في مستنقعات التاريخ او مهاوي الضلال والضياع… اكثر مما هي عليه الآن، لكي يتجدد الوعي وتبدأ النهضة الحقيقية!!
[email protected]