23 ديسمبر، 2024 12:32 ص

نحن الكاظمون الغيظ العافون عن الناس 2/6

نحن الكاظمون الغيظ العافون عن الناس 2/6

فلنقرأ الآيات الأربع ذات العلاقة من سورة آل عمران:
وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ (133) الَّذينَ يُنفِقونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالكاظِمينَ الغَيظَ وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ (134) وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم وَمَن يَّغفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا اللهُ وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُم يَعلَمونَ (135) أُلائِكَ جَزاؤُهُم مَّغفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِم وَجَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ (136)

ودعونا نمر على الآيات الثلاث الأُوَل والصفات الخمس التي يتحلى بها من أسمتهم الآية 133 بالمتقين، فإذا فهمنا التقوى هنا لا بمعناها الديني، بل بمعنى الاستقامة، عندها تعني أولئك الذي سعوا ليكونوا مستقيمين وأن يتقوا فعل السوء والظلم:

«وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ»:

فالإنسان الذي يحاول أن يجسد إنسانيته، ويجعل ضميره رقيبا عليه، لا يعني أنه يتحول بالضرورة إلى إنسان مثالي، فيمكن فهم المسارعة إلى المغفرة، هو يقظة الضمير، التي تجعل مثل هؤلاء، يسارعون إلى التدارك، إذا أخطأوا بحق إنسان، أو خالفوا مبادئهم وقيمهم، والمعبر هنا عنه بالمسارعة إلى مغفرة من ربهم، أو لنقل من مثلهم الأعلى في الحياة، في حال كانوا لا يؤمنون بالله، أو لا يدرون أكائن هو أو غير كائن، فهو إن وجد، سيكونون يقينا محبوبين عنده، حتى لو لم يقتنعوا بأدلة وجوده، وسيغفر لهم أخطاءهم وإساءاتهم، لأن خطهم العام في حياتهم كان الصلاح والاستقامة بدافع من نزعتهم الإنسانية، وليس طمعا بالثواب. أما الجنة، فأنا كمؤمن بالله، ومنزِّه له عن جُلِّ ما نسبت إليه الأديان كلها بلا استثناء، ورغم أني أؤمن بالثواب والتعويض، كلازم من لوازم العدل الإلهي، وكذلك ربما بالعقاب، لكن بكل تأكيد ليس بتلك الصور المرعبة التي رسمتها مخيلة مؤسسي الأديان، ولا أؤمن بالجنة بأوصافها القرآنية، فلذا يمكن أن نفهم الجنة هنا صورة من صور الثواب والسعادة والنعيم، لا نعرف طبيعته، ولا حاجة لنا لمعرفة ذلك.

«الَّذينَ يُنفِقونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ»:

أي إنهم من الذين يحبون العطاء، بسبب حبهم للخير لكل الناس، وفي كل الحالات، من سراء وضراء، من ضيق ورخاء، سواء كان العطاء بالمال، أو الوقت، أو النضال من أجل تحقيق المثل العليا لصالح وسعادة البشرية.