18 ديسمبر، 2024 8:13 م

نحنُ والرّوس والحروب

نحنُ والرّوس والحروب

كانَ مدعاةً للتوقف والتأمّل وحتى الإندهاش , ما ادلى به لافروف وزير الخارجية الروسي يوم امس في تصريحه عن استعداد موسكو لضمان استئناف حركة السفن الأوكرانية ” المتوقفة والمحتجزة في الموانئ الأوكرانية ” ونقلها شحنات القمح الى البحر المتسط ومن ثم الى مناطقٍ ودول اخرى .! واضاف على ان تقوم السلطات الأوكرانية بنزع الألغام في تلك المنطقة البحرية .!!

هذا التصريح له اكثر من معنى واكثر من مغزى وقد يصعب فكّ بعض رموزه اللامرئية بما يخصّ او يتعلّق بهدف روسيا من وراء ذلك .! . التصريح المفاجئ برغم ما يجتذبه من بعض الملاحظات النقدية ” من وجهة نظرٍ خاصّة ” , لكنّه في النتيجة يشكّل الحلحلة الأولى لأزمة الغذاء العالمية المرتقبة < حيث تصدّر اوكرانيا وروسيا الكمية الأكبر من القمح والحبوب الأخرى لدول العالم > , وهو يشكّل ايضا ” فيما يشكّل ” المسؤولية الكبرى التي تتحلّى بها روسيا تجاه المجتمع الدولي , مهما كانت النيّات من وراء ذلك , والقرار الروسي يمثّل ضربة موجعة لمراكز الإعلام والحرب النفسية لدول الغرب , حيث جرى التظاهر بتجاهل دويّ هذا التصريح في وسائل الإعلام الغربية خلال الأربع وعشرين ساعة التي على وشك ان تكتمل.

وقبل العودة للتعرّض الى الملاحظات النقدية لتصريح لافروف او قرار موسكو الجديد ضمن وجهة نظرٍ محدّدة .! , فنشير أنّ قوات التحالف الدولي في حرب عام 1991 قد دمّرت ضمن ما دمّرت من البنى التحتية في العراق , حتى خزّانات المياه والعديد من محطات الصرف الصحي !, وكان ما تبقّى من محطات الكهرباء المدمرة 4 % فقط , بالأضافة الى قصف المصافي النفطية واجهزتها , مع محطات الضخ الرئيسية وخطوط السكك والجسور , وكل ما ليس له علاقة بساحة المعركة في الكويت والتي تستهدف اخراج القوات العراقية من هناك .

بينما لم تفعل القوات الروسية في اوكرانيا بمثل ما فعلته قوات التحالف في العراق آنذاك , ولا تزال الأوضاع طبيعية في كييف والمدن الأخرى غير المشمولة بالعمليات العسكرية ,ويذكر صحفييون اجانب زاروا اوكرانيا أنّ اماكن السهر لازالت مفتوحةً في كييف وسواها وكأنّ شيئاً لم يكن .! , وهذه ادنى درجات الفرق بين دول عالم الغرب وروسيا الإتحادية في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية .

الغريب – العجيب في تصريح الوزير الروسي أنه اشترط في تصريحه هذا أن تقوم اوكرانيا بإزالة الألغام من أمام موانئها المحاصرة .! بينما لو جرى الشروع بتنفيذ هذه الضمانات الروسية بفكّ الحصار عن السفن المحتجزة هناك , والتي سترقص له السلطات الأوكرانية طرباً وفرحاً , فإنه من الطبيعي أن يقوم الأوكرانيون بنزع الغامهم المزروعة هناك ذاتياً , ودون ان يشترط لافروف على ذلك , وإلاّ كيف ستتحرك السفن والقمح ومغادرة امكنتها من هناك .!

ثمّ أنّ لافروف او موسكوا قد باعوا هذا القرار مجانّاً , سواء الى الأوكرانيين او الى دول الناتو والأتحاد الأوربي , وكان بمقدورهم فرض شروطٍ عليهم مقابل السماح بالتصدير وتحريك سفن الشحن , ولعلّ اهم تلكم الشروط هو التوقف عن ضخ الأسلحة الى اوكرانيا , وبذلك ستحدث خلافات واختلافات داخل الأتحاد الأوربي والأمريكان ومن لفّ لفّهم .! , وسبق أن اشرنا في مقالةٍ سابقة أن كان بوسع الرفاق الروس تدمير واغراق كلّ السفن الأوكرانية الراسية في موانئهم منذ او اواسط الحرب , حيث هي اهداف مشروعة ومشرعنة في مبادئ الحروب , لكنّ للكرملين نظرةٌ اخرى خارج هذه الحسابات .