23 ديسمبر، 2024 2:29 ص

نجح الانقلاب، فشل الانقلاب … مات الشعب! قسمةٌ ضيزى!

نجح الانقلاب، فشل الانقلاب … مات الشعب! قسمةٌ ضيزى!

في كل سنة يطوف ملايين الحجاج بمكة، ويقدمون ملايين الأضاحي يفتدون بها الضحية الأول اسماعيل عليه السلام. وحينما نزل الكبش العظيم وجد الانسان طريقته في التنفيس عن الرغبة الجامحة في القتل ورؤية الدم، تلك الرغبة المكنونة فيه. إن كان ولا بد، فخذ هذا الكبش وأطفئ به روحك العطشى لرؤية الدم. وكلما زاد البشر، زادت الأضاحي، ولم تطفأ إرادة القتل. واليوم، وبعد أن كاد شهر تموز أن ينقضي، شهر الأضاحي العراقية، من حقنا الوطني أن نسأل: ما معنى الانقلاب، أو الثورة ــ ذلك لأن كل الثورات عمل غوغائي بالأساس؟ ما طبيعة الانقلاب الذي قام به غوغائيان اثنان، حصدا فيه أرواح مئات العراقيين؟ وما طبيعة هذا الانقلاب الذي حالما أسفر زرع بذور الخيانة معه، حتى أننا اليوم ننظر إلى أغلب الأحرار الذين وقفوا عليه، فلا نجد غير من باع نفسه إلى أمريكا العظمى، أو بريطانية العظمى، أو حتى لهذه الدولة العربية غير العظمى أو تلك، وبثمن بخس؟ وما طبيعة هذه الشهوة إلى الدم؟ ألم يخن الأخوة الأحرار ابن الثورة البار، أولم يقتلهم ويعلقهم على الصلبان؟ ثم عادوا فقتلوه، لكن كم ذهب معه من هذا الشعب؟ انقلاب إثر انقلاب، والرحى تدور تسحق كل الناس، وفي كل انقلاب يتضاعف عدد الخونة، ويتضاعف عدد القتلى حتى بلغ اليوم الملايين… ما الذي يحدث؟ قالوا إن الثورات قطارات الحرية، فأين الحرية من شعب كان له أن يصنع الثورات بين عقد وعقد، أم هي ليست ثورات؟ ويقولون أيضاً أن لو لا تنفع في التاريخ، لكن ماذا يحدث لو طرحنا عدد القتلى العراقيين وعدنا بهم أكثر من خمسين سنة إلى رحاب الباشا، هل كانوا يقتلون أم يعيشون؟
لماذا تقتصر الخيانة على الضباط؟ ما الذي يحدو بهذا الضابط الشيخ، حامل النياشين والرتب، وبعد أن ذاق مرارة الحكم إلى التسلل في ساعات الصباح الأولى إلى السفارة البريطانية في بغداد؟ أليس هو العطش إلى الدم؟ لم تكن دماء العراقيين كافية في الثورتين الماضيتين، ولا بد من المزيد. ها قد فتح الضابط، الحر، الشيخ، أبواب الجحيم على مصاريعها… هل من مزيد؟
والنتيجة، أن دولة رسمت على الورق، هي خليط من بدو، وعرب، وفلاحين ليس لها من نصيب غير الثيوقراطية العمياء التي يفقد فيها الأبناء هويتهم الوطنية. ها قد عادت الأهوار إلى حضن العراق، لكن كل الدول المتحضرة لم تنبس ببنت شفة إلى مجفف الأرواح وهو يجفف المياه سنة بعد سنة، وعلى مشهد ومرأى من الجميع، وحتى من أصحاب اليونسكو وأعلامها. والآن ماذا نفعل بها؟ هل نزيد الحزن إلى أحزان القصب والبردي؟ وهل نفرح بالسياحة وأموالها التي ستسرق لا محالة ــ فهي أموال عراقية، ونحن لا نملك أية خطة ديموغرافية لعرب الأهوار الذين استعذبوا اسفلت الشوارع؟ أم نتوسل بالكراكي الروسية كي تعود، ولن تعود؟
نعود إلى انقلاب الجارة تركية. حينما علم الرئيس التركي بإسقاط الطائرة الحربية الروسية في الشتاء الماضي أراد أن يبلع اللقمة على مضض، لكنها كانت أكبر من فمه، فغص بها وسكت. ثم دارت الأيام لثبت أن ضابطه الذي أسقط الطائرة متورط هو الآخر في الانقلاب. لم تفارق الرجل صورة عدنان مندريس مصلوباً في الهواء. ومن يجازف بالانقلاب على حكومة كتب عليها الافلاس غير العملاء؟ غير أن هذا لا يهمنا نحن العراقيين بقدر ما يهمنا عدد العراقيين في تركية الذين تصدوا للانقلاب في ساعاته الأولى، ووقفوا على جسر البوسفور يستنكرون ويكبرون، ولم ينسوا علمهم العراقي، وكانت الأغلبية منهم طلبة دراسات عليا. ما تفسير هذا عندكم؟ هؤلاء يتعاملون مع واقع اجتماعي وسياسي وثقافي متحرك، ويخطئ من يتصور أن تناسبات القوى داخل المجتمع العراقي لم تتغير منذ الانقلاب الأخير. عصفت الريح بعمق في المجتمع العراقي، وها هي الطليعة الآن تقف لترسم منطلقاً جدبداً لسياستها القادمة بعيداً عن الحكومة نفسها.. ومتى كانت الحكومات العراقية بوصلات للشباب؟ لكن لا بد من معطيات جديدة، وتناقضات جديدة، وعقول فاعلة ونشطة جديدة تجيد التعامل مع الشباب الجديد. يخطئ من يضع الشباب العراقي كله في سلة واحدة…