22 ديسمبر، 2024 7:36 م

نتائج الدراسة الأعداديةبين الأمس واليوم!

نتائج الدراسة الأعداديةبين الأمس واليوم!

أن نجاح العالم وتطوره وتقدمه هو في التعليم، ولهذا ترصد وتخصص دول العالم أكبر الميزانيات لدعم التعليم وتضع له الخطط من أجل تطويره والأرتقاء به، ويعتبر المعلم هو أساس التعليم ويقف على قمة الهرم وبالمعلم يبدأ العلم ويتطور فمنه يبدأ ومنه ينتهي! أن لم تحسن وتعطي للمعلم حقه. وهنا لا بد من ذكر ما قاله أمبراطور اليابان عن المعلم!. ( سئل أمبراطور اليابان ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير فأجاب// بدأنا من حيث أنتهى الآخرون، حيث تعلمنا من أخطائهم فمنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير!)، كما ويعرف جميع اليابانيين أن منزلة المعلم تأتي بعد الأمبراطور!. من المعروف أن التعليم في العراق وصل في سبعينات القرن الماضي الى أعلى درجات الرقي، حيث تخطى الدول الأسكندنافية في تصنيف منظمة اليونسكوالعالمية!. ورغم الحروب وظروف الحصار الظالم الذي فرضته أمريكا على العراق بعد حرب الكويت عام 1990 ورغم أنعكاس ظروف الحصار وتداعياته على التعليم حيث أغلق كل منافذ التطور والتقدم العلمي أمام الجامعات العراقية، ورغم قساوة تلك الظروف والأنكسارات والندوب التي ظهرت على صورة التعليم وجسم معلميه! بعد أن وصل راتب المعلم الى ما يعادل الدولار والدولارين في الشهر! مما أضطرغالبية المعلمين البحث عن مصدر رزق آخر (يعمل سائق تاكسي، يفتح جمبر لبيع السكائر، و و و ، يعمل بعد الدوام بأي عمل ليسد قوت عياله)، نقول مع كل ذلك ظل الخط البياني للتعليم بكل مراحله من الأبتدائية وحتى الجامعية محافظا على مستوى من المقبولية والنجاح ولو بأقل درجة!. كما أن نجاح التلميذ والطالب في حينه ظلت لها فرحتها ونكهتها، وخاصة في المرحلة الأعدادية وتحديدا الفرع العلمي حيث يقبل أصحاب المعدلات العالية في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة، ورغم ظروف الحصار التي عاشها العراقيين، ظل التعيين مركزيا للمجاميع الطبية والهندسية ولم تهتزثقة العراقيين بأنفسهم، وكان لديهم الأمل بأن قادم الأيام سيكون خيرا، ولكنهم لم يكن يعلموا بأن مؤامرة أمريكا والغرب وأسرائيل لتدمير العراق وتحطيمه، كانت أكبر من أحلامهم وطموحاتهم!. ندخل الى صلب الموضوع ، أظهرت نتائج الدراسة الأعدادية الفرع العلمي للعام الدراسي الحالي، بأن (600)، طالب حصلوا على معدل 100%!، وقرابة (9000)، طالب حصلوا على معدل 98% في عموم العراق! ، والألوف الباقية من الطلاب حصلوا على معدلات 96،95،94 %!، وهذا ما لم يحصل ليس في تاريخ التعليم في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية بل أنه لم يحصل على مستوى العالم!.أن هذه المعدلات وأعداد الناجحين وفي ظل الظروف التي يعيشها العراق وأنتشار جائحة كورونا، تثير الشكوك بأن الأمور لم تكن طبيعية؟! هكذا يقول المنطق والعقل ، مع تقديرنا للطلاب المجتهدين والمعروفين بتفوقهم الدراسي والذين حصلوا على المعدل (بذراعهم) كما يقال، كما وأن أعداد الناجحين وبهذه المعدلات الخرافية! لا تعني بأننا لدينا هذا العدد الهائل من الطلاب الشطر والأفذاذ والعباقرة المتفوقين علميا!؟، بقدر ما تعني وبما لا يقبل الشك بأن هناك خلل كبير وخطير يحدث في المسيرة التعليمية وحدث أثناء أداء الأمتحانات!؟. ولو سألنا أحد الطلاب من الذين حصلوا على معدل 100% هل هو فعلا فرحان وسعيد بهذه النتيجة والمعدل الذي حصل عليه؟، فأعتقد أن جوابه أن كان هذا الطالب (منصفا)، سيكون كلا طبعا!، لا سيما وهو يعرف بأن المئات من مثله قد حصلوا على نفس المعدل!، ولربما سيتفوقون عليه بعد (أضافة درجات أبناء الشهداء والمفقودين والمفصولين السياسيين وأبناء الحشد!). أقول أن من حصلوا على هذا المعدل الخرافي!، لا يمكن أن نقارنهم بأي شكل من الأشكال، بالطالب (حسن معيوف) أبن الجنوب العراقي وأيقونته والذي ذاع صيته وأصبحت قصة كفاحه ونجاحه وتفوقه حديث العراقيين وعلى كل لسان، ذلك الشاب النحيف الأسمر، أبن قرية (الحوس) النائية والتابعة لقضاء قلعة سكر، شمال محافظة ذي قار والذي حصل على معدل 86/99% بالعام الدراسي 2018- 2019، حيث أخذت قصة نجاحه حيزا كبيرا من أحاديث العراقيين، ليس لمعدله العالي والملفت، لا لا أبدا بل للظروف الحياتية والمعيشية الصعبة التي كان يعيشها ويحياها، فهو كان يسكن في بيت من الطين ويذهب الى مدرسته (ثانوية الطف المختلطة) مشيا على الأقدام لمسافة 11 كم ذهابا ومثلها بالعودة صيفا وشتاء، ويقرأ دروسه على الفانوس واللاله!، وطبعا لا يعرف شيء أسمه مدرس خصوصي ولا دروس تقوية!. أقول ليس فخرا أن أصبح أبن الطبيب طبيبا أو مهندسا بل الفخر كل الفخر عندما يصبح بن الكادح والفقير وأبن العائلة البسيطة طبيبا ومهندسا وأستاذا!، وأتحدى هؤلاء الطلاب ال (600) ومعهم البقية الباقية من الطلاب الذين حصلوا على هذه المعدلات غير المعقولة! أتحداهم أن حصل واحد نعم واحد منهم، على هذا المعدل بدون مدرسين خصوصيين للمواد!؟، هذا أن لم يكن قد حصل الكثير منهم على المعدل بطرق ملتوية!!؟. من جانب آخر ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أن جائحة كورونا التي ضربت العالم وكانت نقمة كبيرة عليه حيث شلت الحياة وقلبتها راسا على عقب ، كانت هذه الجائحة نعمة على الحكومة وعلى الطلاب في العراق!، فالنجاح صار (كوترة)، والأمتحان بالبيت وعن بعد وعبر المنصات الألكترونية (وأفتح الكتاب وجاوب!، واللي ميعرف يغش وميريد يغش تعلم يغش!)،وكانت نعمتها أكبرعلى حكومة (عادل عبد المهدي) في حينها! ، فبعد أن عجزت الحكومة في كيفية كبح جماح وأيقاف متظاهري أنتفاضة تشرين/2019 حيث لم تبق لديها أية وسيلة ألا وأستخدمتها ضد المتظاهرين ولكن بدون فائدة!، عندها جاء الحل من السماء!، حيث أجبرت جائحة كورونا المتظاهرين على التوقف وعدم التظاهر!، وهل هناك نعمة أكثر من ذلك؟ ولو لم تكن هناك جائحة كورونا لربما شهدنا تغيرا واضحا على المشهد السياسي العراقي ولربما حدثت أمور كثيرة ولكان هناك كلام آخر! ( وهذا شغل ربك ولا أعتراض عليه!). نعود بالسؤال ما المفرح بكل هذه الدرجات والمعدلات، وماذا يأمل الطالب الذي حصل على هذا المعدل وسط هذه المنافسة والمفاضلة غير المنطقية، بل ووسط هذه الفوضى!. من الطبيعي أن أقصى طموح لطالب الفرع العلمي هو أن يحصل على معدل عالي يؤهله الدخول الى كلية الطب ليصبح طبيبا أليس كذلك؟ ولكن هل يعلم هؤلاء الطلاب أن المجموعة الطبية ( طب الأسنان والصيدلة وباقي التفرعات الأخرى أستثناء من خريجي كلية الطب لم تعد مشمولة بالتعيين المركزي كما كان معمول به منذ عقود!؟) لكثرة الخريجين ولوجود كم هائل من أطباء الأسنان والصيادلة بسبب من الكليات الأهلية!، بالمقابل لا توجد مستشفيات ومستوصفات ومراكز طبية تستوعبهم!، فأين الفرحة بالمعدل وأي مستقبل سينتظر الطالب؟ وحتى خريجي كلية الطب فالخريج منهم ينتظر قرابة سنة!، حتى يتم تعيينهم يعني ( يلحك ينسى اللي درسه)!، وهذا كله بسبب الفوضى وغياب التخطيط والفساد الذي نخر كل مرافق التعليم بل نخر حتى عقول وقلوب وضمائر الكثير من العراقيين!. نقول لا وجود للمقارنة بين الأمس واليوم في التعليم ومستوى الخريجين، ومعدلات المتخرجين من الدراسة الأعدادية، وهنا لابد من أن نذكر بأن ( الكثير الكثير من خريجي الجامعات لا يجيدون الكتابة والأملاء بشكل صحيح!)، نعود للمقارنة بين الأمس واليوم، وأقصد بالأمس هي سنوات السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات رغم تداعيات الحصار التي تكلمنا عنه!، فعدد الطلاب الذين كانوا يحصلون على معدل التسعينات في عموم العراق لا يعدون على أصابع اليد، ولا يعرفون النجاح بالغش واعطاء الأجوبة عبرأجهزة لاسلكية وسماعات صغيرة لا نعرفها ولا نشاهدها ألا في أفلام جيمس بوند وأفلام الجاسوسية والمخابراتية ومسلسل رأفت الهجان!؟ كما يجري ونسمع اليوم وما حدث في قاعات الأمتحان؟!. وسأروي لكم هذه القصة عن مستوى التعليم وهيبته وألقه في الأمس، والتي أتذكرها جيدا، ففي عام 1972 حصل الطالب الأول على العراق الفرع العلمي على معدل 99% وأسمه (عمار محمد علي يوسف)، ولأنه لم يسبق لأحد وعلى مر المراحل الدراسية وتاريخ العراق أن حصل على هذا المعدل فقد أثار شكوك المسؤولين في وزارة التربية ! فتم التقصي والسؤال عنه وعن مسيرته الدراسية!؟ من قبل أدارة مدرسته وعلى ما أتذكر، أنه كان أحد طلبة الأعدادية المركزية، فتبين وتأكد لهم بأنه فعلا من الطلاب المتفوقين والأذكياء وقد شهدت له ادارة المدرسة وكل الكادر التدريسي بذلك!. هكذا كان التعليم وهكذا كانت وزارة التربية ومسؤوليها وأعتقد بأنه لا مجال للمقارنة بين ذاك الزمن وهذا الزمن الغريب والعجيب الذي نعيشه، حيث وصلت الأمور بأن تغلق قاعات الأمتحان ويتم ( رد الأجوبة للطلاب وكتابتها على السبورة!). كما لم يعد خافيا أن ملف وزارة التربية يعتبر واحد من أكثر الملفات فسادا منذ 17 عاما!. نقول لم يعد نجاح الطلاب وتفوقهم ومعدلاتهم العالية تحمل نفس فرح الأمس، فرح أيام زمان، والأكثر ألما لم تعد هناك هيبة لخريج الجامعة! ( فالكرعة وأم الشعر) كما يقال خلصوا كليات!، فمئات الألاف من الخريجين الذين تخرجهم الكليات الأهلية والحكومية كل عام يكون مصيرهم الأصطفاف في طابور العاطلين!،أما الحاصلين على شهادة الماجستير والدكتوراه فكانت نهايتهم أكثر حزنا وألما!، عندما أحرقوا شهاداتهم أمام مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وأمام أنظار الوزير، لعدم حصولهم على أية وظيفة!. أخيرا نقول لا حل لما يتعرض له العراق من دمار لأنسانه وأرضه وشعبه منذ الأحتلال الأمريكي له سوى حل السماء!، ولا أدري كم سيطول هذا الأنتظار وهل سيتحقق هذا الحل؟.