23 ديسمبر، 2024 10:34 ص

نتائج التحقيقات الرسمية لمصرع الرئيس “عبدالسلام محمد عارف”

نتائج التحقيقات الرسمية لمصرع الرئيس “عبدالسلام محمد عارف”

سبق وأن قطعتُ وعداً لقراء ومتابعي هذا الموقع الأغر أن أنشر نبذة عن نتائج التحقيقات التي أُجرِيَت حول مصرع الرئيس “عبدالسلام محمد عارف” مساء (الأربعاء 13/نيسان/1966).
فإليكم نتائج التحقيقين الرسميين القضائي والعسكري(*):-نتائج التحقيق القضائي(*)
في صبيحة يوم (الخميس/14/نيسان/1966) أجرى السيد وزير العدل “كاظم الرواف” مكالمة هاتفية مع رئيس محكمة الإستئناف للواء/محافظة البصرة “القاضي سالم محمد عزّت” طالباً منه تشكيل هيأة تحقيق قضائية برئاسته وعضوية كل من:-
1- القاضي “عبدالرزاق العَضَب”- نائب رئيس محكمة إستئناف البصرة.
2- القاضي “عبدالوهاب الفَضْلي”- حاكم تحقيق البصرة.
3- السيد “كامل عبد علي”- مدير أمن البصرة.
4- النقيب الركن “عبدالستار أحمد المَعيني”- ممثلاً عن آمرية موقع البصرة.
ولغرض البدء بالتحقيق الرسمي في هذا الأمر ذي الأهمية القصوى، فقد هرعت الهيأة إلى موقع الحادث في ضُحى ذلك اليوم، وأجرى تحقيقاً منفصلاً عن “المجلس التحقيقي العسكري” الذي سبق رئيسه وأعضاؤه  بالوصول إلى مكان تحطـّم طائرة الهليكوبتر قبل الهيأة القضائية.وبعد أن شاهد رئيس الهيأة وأعضاؤها حُطام الطائرة وتفحّصوها وأشرفوا على تصوير الجثث وأخذ عيّنات من أجزائها، فقد عادوا إلى “البصرة” إستحضاراً لتثبيت إفادات عشرات الشهود والمعنيّين.

التقرير الأولي للتحقيق القضائي
بعد أسبوع واحد -وبطلب عاجل من السيد “عبدالرحمن البزّاز” -رئيس الوزراء والقائم بأعمال رئيس الجمهورية- فقد رفع رئيس الهيأة هيأة التحقيق القضائية “القاضي سالم محمد عزّت” تقريراً مختصراً عن تحقيقاته الأوّلية كي يَفيد فخامته من فقراته في المؤتمر الصحفي الذي سيعقده للردّ على الشائعات التي أمست تملأ العراق… وقد جاء فيه:-
أولاً- لم يثبت للهيأة وجود أية مواد تخريبية من قنابل موقوتة أو متفجّرات، وستتأكد من ذلك بشكل نهائي بعد إجراء التحليل الكيميائي في “بغداد”.
ثانياً- تبيّن للهيأة أن أموراً معيّنة حدثت، ممّا قد يُعتبر إهمالاً أو تقصيراً غير متعمَّداً، وهي:-
1. عدم وجود طيّار مساعد في طائرة السيد رئيس الجمهورية.
2. عدم تمكّن الطيار من معرفة إتجاه طيرانه لعدم توفر آلة إيجاد الإتجاه المُسَمّى “راديو كومباس”.
3. عدم إستلام الطيارين تقرير الأحوال الجوية قبل الإقلاع، بل بعد دقائق من طيرانهم، وإكتفاء قائد التشكيل بالتقرير الجوي الذي تلقّاه قبل إقلاعه من “مطار البصرة الدولي” ظهر يوم الحادث.
4. عدم قيام “مطار البصرة” بإعلام المسؤولين في “القُرنة” حول الأحوال الجوية المتوقع حدوثها، رغم علم “سيطرة المطار” بأن طائرات الهليكوبتر ستقلّ رئيس الجمهورية وصحبه من “القرنة” الى “البصرة”.
5. عدم وجود جهاز في “مطار البصرة” وقاعدة الشعبية الجوية يستطيع إعطاء الإتّجاه للطيارين الفاقدين لإتّجاهاتهم في الأجواء.
التقرير الموسع للتحقيق القضائي(*)
أما التقرير القضائي المُوَسَّع، فقد رفعته الهيأة بعد حوالي شهر من تأريخ الحادث، محتوياً على (40) شهادة مفصّـلة…. وفي أدناه ملخّص لما ورد فيه:-
أولاً. أن الجو في (القرنة) يوم الحادث كان طبيعياً وصالحاً للطيران.
ثانياً. حصل عارض جوي طبيعي مفاجئ بعد الإقلاع بعشر دقائق، حيث هبّت رياح شديدة مصحوبة بعاصفة ترابية، إستناداً إلى إفادة قائد الطائرة الثانية “الملازم أول منذر سليمان عزّت”.
ثالثاً. لم يستطع قائد الطائرة الأولى “النقيب الطيار خالد محمد نوري” من تحديد إتجاهه وسط العاصفة، وطلب من “مطار البصرة” إعطاءه ذلك، والذي أجابه بعدم توفر أجهزة لتحديد الإتجاهات.
رابعاً. لم يتأيّد للهيأة حصول عاصفة ترابية أو زوبعة بشكل قاطع، ولكن معظم ركاب الطائرتين (الثانية والثالثة) أجمعوا بأن طيرانهما كان غير إعتيادي ومصحوباً بهزّات وتأرجح نحو اليمين واليسار، وإرتفاع إلى الأعلى وهبوط نحو الأسفل.
خامساً. وقد ظهر للهيأة التحقيقية، بعد إستكمال التحقيق ومن تقرير”المعهد الكيميائي” المعنون إلى “رئاسة اركان الجيش”، ما يلي:-
1. أن الطائرة لم تنفجر في الجو، إنما إحترقت بعد إصطدامها بالأرض، وقد حدث ذلك نتيجة تسرّب الوقود إلى محركاتها وهي في حالة عمل(**).
2. لم يُعثَر بين حطام الطائرة على أثر مادي يدلّ على وجود قنبلة توقيتية، أو مُفَرقَع يدّل على حصول إنفجار مُدَبَّر.
سادساً. وقد إتضح للهيأة أن الحادث كان قضاءً وقدراً، ولم يُتَسبّب عن تخريب واضح أو مقصود.. وأن هنالك تقصيراً تسبّب عن غير قصد في حدوث هذه المأساة، ولكن التحقيق لا يستطيع تحديد وجوه هذا التقصير.
القرار النهائي لمجلس التحقيق العسكري(*)
شكّلت “قيادة القوة الجوية العراقية” من ناحيتها “مجلساً تحقيقاً عسكرياً” مُنفَصِلاً عن “هيئة التحقيق القضائي”، وذلك للنظر في الحادث ((من وجهة نظر الطيران)) بشكل خاص… وكان:-
1. برئاسة عقيد الجو الركن زَيدان أحمد الزَيدان- من قيادة القوة الجوية.2. عضوية كل من:-
آ. المقدم الطيار الركن خالد حسين ناصر-آمر قاعدة الشُعَبية الجوية.
ب. الرائد الطيار -خبير الهليكوبترات- علي عوّاد.
ت. الملازم -مهندس هليكوبترات- عبدالله صيام.
ث. الملازم أول –حقوقي- سامي عزارة المَعجون. 
إستغرق التحقيق (6) أيام، معتمداً على الكشف الموقعي وشهادات أُستـُقِيَت من (21) شخصاً مُضافاً إليها تصوّرات نظرية لكيفية سقوط الطائرة، قبل أن يرفع قراره النهائي الى تلك القيادة يوم “الجمعة-22/نيسان/1966).. وفيما يأتي ملخص ما أورده هذا التحقيق(***):-
أولاً. أصدر “العميد زاهد محمد صالح” -المرافق الأقدم للسيد رئيس الجمهورية- أمراً محدّداً إلى “النقيب الطيار خالد محمد نوري” مساء يوم الثلاثاء (12/نيسان/1966) يتضمّن حركة طائرات الهليكوبتر الثلاث إنطلاقاً من “البصرة” إلى “القرنة”، على أن تهبط قرب “ملعب الإدارة المحلية” لتلك القصبة قبل الساعة (15.00) “الثالثة ظهراً” من يوم الأربعاء (13/نيسان)، بغية نقل السيد رئيس الجمهورية وحاشيته إلى “البصرة” بعد إنتهاء زيارته التفقّدية للقضاء.
ثانياً. في الساعة (12.15) “الثانية عشر والربع ظهراً” أقلعت الطائرات الثلاث من “مطار البصرة” بعد أن زُوِّدَ طياروها بالتقرير الجوي من “سيطرة المطار” أُصولياً، وتوجّهت إلى “القرنة”، وعند وصولها هبطت في ساحة الألعاب وفي المكان المُعَد لهبوطها سلفاً.
ثالثاً. وبعد إنتهاء الإحتفال، توجّه السيد الرئيس إلى طائرة الهليكوبتر المرقمة (598) والتي بقيادة قائد التشكيل “النقيب الطيار خالد محمد نوري”، وأقلعت في الساعة (18,50) “السابعة إلاّ عشر دقائق مساءً”، وأعقبتها الطائرتان الأُخرَيان.
رابعاً. وبعد مرور سبع دقائق، واجهت طائرة السيد الرئيس مطبّات هوائية شديدة (BUMPY) مع غبار معلّق في الجو، مما جعل مجال الرؤية معدوماً، وأدّى الى تغيير إتجاه الطائرة، فأصبح قائد الطائرة يجد صعوبة كبيرة في السيطرة على طائرته.. ونظراً لإنحراف الطائرة عن خط سيرها المرسوم الى منطقة صحراوية لا توجد فيها أية أشباح أرضية أو دلائل إنارة، مما سبّب في إنعدام الرؤية كلياً، فأصبحت الطائرة في حالة غير إعتيادية (UNUSUAL POSITION).. وبعد فقدان الطيار الأمل بالدلالة على مكانه بسبب إنعدام الرؤية وعدم وجود الأشباح الأرضية وتأثير المطبّات الهوائية الشديدة، إستدار الطيار مُحاوِلاً العودة إلى “القرنة” للمحافظة على أرواح الركاب في طائرته…… 
وقد إستدار فعلاً إلى اليسار، ولكن إشتداد تأثير المطبّات الهوائية وإنعدام الرؤية كلياً، جعل قيادة الطائرة في ذلك الإتجاه مستحيلاً، فعاد الطيار ثانية ليستدير إلى الجهة المعاكسة ليستعيد إتجاهه السابق، وفي أثناء دورانه صادفته مطبّة هوائية قوية أدّت إلى فقدان سيطرته على الطائرة وإرتطامها بالأرض أثناء دورانها إلى اليمين، وذلك ما أدى إلى إصطدام مقدمة الطائرة وعجلتها اليمنى والريشة الرئيسة بالأرض في تلك اللحظة، ومن ثم مالت إلى الجهة اليسرى فإرتطمت عجلتها اليسرى بالأرض، ومن جراء ذلك إنفجرت خزانات الوقود الرئيسة الموجودة في أرضية الطائرة، فتدفق الوقود السائل إلى المحركات الساخنة ليحدث الحريق الذي أدّى إلى إنفجار الطائرة وإحتراقها.
خامساً. لم يحصل بشكل قاطع أي انفجار أو حريق أو عطل بالطائرة منذ إقلاعها وحتى إصطدامها بالارض.سادساً. لما ورد سابقاً قرر المجلس التحقيقي إعتبار الحادث (قضاءً وقدراً) وبدون تقصير من أحد.. وغلق القضية وفق الفقرة (5) من المادة (24) من قانون أصول المحاكمات العسكرية المرقم (44) لسنة 1941.

إذن.. فقد إعتبر المجلس التحقيقي العسكري الحادث ((قضاءاً وقدراً))، إذْ لم يثبت لديه، وكذلك أمام هيأة التحقيق القضائي، أن هناك قنبلة أو متفجرات تسبّب إنفلاقها في سقوط الطائرة، وكما أورداه في القرارَين النهائيّين الصادرَين منهما.
“القيل والقال” في الشارع العراقيإثرَ مصرع الرئيس “عبدالسلام محمد عارف”، وقبل إعلان الحكومة العراقية القرارَين اللذَين توصّل اليهما المجلس التحقيقي العسكري وهيأة التحقيق القضائي، وكذلك بعد نشرهما من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فقد سَرَتْ في مدن العراق عموماً شائعات لا حصر لها عن حادث سقوط الطائرة، وعمّن يُحتَمَل أن يكمن وراءه، وتردّدت في المجالس والأندية والمقاهي ودور السكن وعلى ألسنة الناس تقوّلات تصبّ -في أغلبها- على أن الحادث كان مُفتَعَلاً، ولربما سبقه تحضير وتهيئة وسبق إصرار، وتعدّدت الأصابع التي تشير إلى جهة أو فئة أو كتلة سياسية أو عسكرية، أو حزب مؤثر في الساحة العراقية… وإليكم أبرز ما سمعته من ((قيل!!! وقالوا!!! وقلنا!!!)):-
فقد ((قِيلَ)) أن عبوّة ناسفة على شكل “قلم حبر” قد دُسّت في جيب بدلة أحد الوزراء المُرافقين للرئيس (عبدالسلام عارف) في غفلة منه، وكانت (مُؤقّتة) لتنفجر في موعد تكون الطائرة محلّقة بالجو في غضونه؟؟!!.
و((قيلَ)) أيضاً أن تلك العبوة الصغيرة كانت مُمَغنَطة، وقد تم لصقُها تحت مقعد ما داخل الطائرة، وإنفجرت بعد بضع دقائق من إقلاعها؟؟!!
و((قال)) آخرون، أن حُفنة من السُكَّر، أو ربما الرَمل، قد فـُرِّغَتْ في خزّان بنزين الطائرة من فتحته، إذْ عند إختلاطها بالبنزين فإن الخليط أغلِق منافذ حَقْن الوقود نحو المحرّك، فأدى بالتالي إلى توقّفه فوراً.. وإذا ما كانت الطائرة محلّقة في الجو فإن سقوطها مؤكّد!!؟؟
ودار الحديث بأن “البيسي كولا” الذي تناوله (قائد الطائرة) كان محتوياً على مادة مخدّرة بطيئة المفعول، وكانت سبباً في فقدانه السيطرة على القيادة بعد إقلاعه بدقائق!!؟؟
و((أُشيع)) كذلك، أن أحد الذين رافقوا “عبدالسلام عارف” في الطائرة نفسها، كان قد كُلِّفَ في “القرنة”، وقبل صعوده الى الطائرة مباشرة، بأن يحمل رزمة إلى “البصرة”، ومن دون أن يعلم -بالطبع- أنها كانت مُتَفجّراً بصمام توقيت!!؟؟
وكان هناك حديث من نوع آخر، بأن الطائرة قد أُصيبت بقذيفة أو إطلاق نار من الأرض وراءه “إيران” الغاضبة من طرد الرئيس الراحل للسفير الإيراني من القصر الجمهوري قبل سنتين من الحادث!!!
ودارت أحاديث عجيبة حول الحادث، حتى وصلت الى قائد الطائرة نفسه، بأنه هو الذي رتّب مظلّة قفز بها هارباً الى جهة مجهولة، تاركاً الطائرة عنوة معدومة القيادة.. لا سيّما وأن هيأتَيّ التحقيق لم تتوصّلا إلى التعرّف الدقيق على جثث معظم الصرعى الذين إنصهروا ضمن كتلة لحوم وعظام إلتصقت ببعض هيكل الطائرة، حيث لم تكن جثّة الطيار من ضمنهم؟؟!!
وحتى ((قيل)) أن “النقيب الطيار خالد محمد نوري” نفسه، كان منتمياً الى حزب البعث المعادي للرئيس “عبدالسلام عارف”، وقد تسلّم أمراً من قيادة الحزب وهو في (القُرنة)، بأن ينتحر مع طائرته، فنفّذ ذلك مُضَحّياً بنفسه في سبيل عقيدته!!؟؟
و((قيل)) أن عاهل المملكة الأردنية الهاشمية “الملك حسين” كان بشخصه وراء الحادث، إنتقاماً من مقتل أولاد عمومته(****).
و((أصرّ)) آخرون أن الرئيس “جمال عبدالناصر” وجهاز مخابراته الكفؤة هما اللذان أمرا بقتل الرئيس “عبدالسلام” مؤازرةً للكتلة القومية في العراق وتمهيداً للقفز على السلطة من بعده.• و((جاهر)) سواهم بأن “حزب البعث العربي الإشتراكي” الحاكم في “سوريا” دون غيره، هو الذي كان وراء المصرع إنتقاماً لـ”حركة تشرين الثاني 1963″!!؟؟
والعامّة من الناس ((قالوا)) -كالعادة- أن الحادث من تدبير “الإنكليز والأمريكان واليهود” من دون أدنى شك!!؟؟
وحتى أن البعض من أصابع الإتهام أشار إلى شخص رئيس الوزراء “عبدالرحمن البزّاز” متّهماً إياه، دون غيره، بالطمع في إشغال منصب رئيس الجمهورية!!؟؟.
و((أشارت)) أصابع أخرى نحو “المقدم الطيار الركن خالد حسين ناصر” -آمر قاعدة الشُعبية الجوية- بأنه هو الذي دبّر الحادث بإعتباره من أقرباء “العائلة المالكة”، أو كونه يَمُتُّ بصلة معينة إليها.• وقد ((شاء)) البعض أن لا يخلي ساحة “الدكتور محمد ناصر” وضلوعه في الحادث ومعرفته المُسبقة بتدبيره، وقتما علموا بعدم مرافقته لرئيس الجمهورية في تجواله بمنطقة “القرنة” وبقائه في “البصرة”، بحجّة التفرغ للقاء بعض أقربائه هناك، لا سيّما وأنه يشغل منصب “وزير الثقافة والإرشاد”، والذي يتطلّب أن يكون مُلازماً له.

كل تلكم الإحتمالات المشاعة و((القيل والقال)) كانت مقبولة بشكل أو بآخر، وكل إدّعاء كان وارداً ومحتملاً، وأي زعم كان بالإمكان تخيّله في سنوات الغليان السياسي تلك، لا سيّما وأن التأريخ عموماً -في قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصره- لم يَخْلُ من إغتيالات وغدر في سبيل السلطة وإبعاد العديد من الزعماء عن سدّة الحكم بقتلهم وفقاً لأساليب وطرق وخطط رهيبة ومُتقَنة.. وقد كان معاصرو أواسط عقد الستينيّات قد عاشوا فعلاً وسمعوا بآذانهم وقرأوا بناظريهم العديد منها، سواءً في العراق أو الدول العربية، أو دول الشرق الأوسط المحيطة، ناهيك عن العالم كله.
فخلال العقود الثلاثة المُنصرِمات، أُشيعَ بأن “الملك فيصل الأول” قد سُمِّمَ أثناء رقوده في مستشفى سويسري عام (1933).. وأن “الملك غازي الأول” قد قُتِل في ظروف غامضة عام (1939)… وقبله بأقل من سنتَين أُغتيل “الفريق بكر صدقي” في “نادي مطار الموصل العسكري”… وقد عاش معظم أهالي “بغداد” وشاهدوا بأم أعينهم ما جرى يوم (14/تموز/يوليو/1958) من قتل وسحل وحشي، وتعايشوا كذلك أيام “حركة الشواف” في (آذار/مارس/1959) والمجازر التي أُقتـُرِفـَت بحق أهل “الموصل”، تلتها “مذبحة كركوك” بحق أهليها التركمان أواسط (تموز/يوليو/1959)، فمحاولة إغتيال الزعيم “عبدالكريم قاسم” يوم (7/ت1/أكتوبر) من العام نفسه، ناهيك عن أحداث حركة (14/رمضان-8/شباط/فبراير/1963) وحركة (تشرين الثاني/نوفمبر) من السنة نفسها.
ولدى الجارة “المملكة الأردنية الهاشمية” أُغتيل “الملك عبدالله بن الحسين” يوم (29/تموز/يوليو/1951)، بينما أُبعِدَ نجلـُه “الملك طلال الأول” عام (1952) عن العرش بعد أن زُعِم بإنهيار قواه العقلية والنفسية ليُقيم في “مَصَحّ نفسي/عقلي” بمدينة (إستانبول) التركية.
وفي “سوريا” أُعدِم “حسني الزعيم” عام (1949)، فيما أُجبِرَ “أديب الشيشكلي” على مغادرة البلاد عام (1954) قبل أن يُغتال في منفاه الإختياري “البرازيل”.
وفي “مصر” أُقصِي “اللواء محمد نجيب” رئيس أول جمهورية هناك من سدّة الحكم عام (1954)، وفرضت عليه الإقامة الإجبارية.وفي “المملكة العربية السعودية” نُحِيَ “الملك سعود بن عبدالعزيز” عن الحكم عام (1964) وأُرسِل إلى “سويسرا” للعلاج ليحلّ الأمير “فيصل بن عبدالعزيز” ملكاً على عرش أخيه قبل أن يُغتال وسط قصره عام (1975) على يد إبن أخيه.
وفي “الهند” أُغتيل زعيمها الوطني الكبير “المهاتما غاندي” عام (1948).. وأُفرِغَ الرئيس الإندونيسي “الجنرال أحمد سوكارنو” عن سلطاته منتصف عام (1965)، وتسلّم “الجنرال سوهارتو” مقاليد الحكم في البلاد.
ونُحِيَ الزعيم السوفييتي “نيكيتا خروتشوف” من جميع مناصبه في “موسكو” خلال (ت1/أكتوبر/1964)، بعد أن كان هو نفسه قد أبعَدَ رفيق دربه النضالي “نيكولاي بولغانين” عام (1958)، وقد إشتركا معاً قبل ذلك في إسقاط رفيقَيهما (مولوتوف، ومالينكوف) من عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي عام (1957)، وأشار البعض أن زعيمهم “جوزيف ستالين” سُمِّمَ على أيديهم.أما في (ت2/نوفمبر/1963) فقد كان لإغتيال الرئيس الأمريكي الشاب “جون كندي” أمام أنظار مواطني مدينة “دالاس” الأمريكية وَقْعٌ خاص على عموم أنحاء العالم، ومن ضمنهم العراقيّون.. ولمّا لم تُعلن الحكومة الأمريكية نتائج التحقيق الواسع الذي أُجري حوله، حتى بعد إنقضاء حوالي سنتين ونصف السنة (حتى ذلك الوقت)، فإن الشارع العراقي لم يشأ أن يُصدّق أن حادث طائرة رئيس جمهوريتهم كان مجرّد (قضاء وقدر)، وفقاً لما أعلنته حكومتهم رسمياً، وكذلك على لسان رئيس الجمهورية المنتخب “اللواء عبدالرحمن محمد عارف”.
وكان إصرار الاكثرية بأن مكتب التحقيق الفيدرالي (F.B.I.) ووكالة المخابرات المركزية (C.I.A) الأمريكيتين -المعروفَتَين بإمكاناتهما الضخمة والهائلة- إذا لم تستطِعا التوصّل إلى مَن كان حقيقة وراء مصرع رئيس إحدى أعظم دولتَين في العالم، فهل يُعقَـل الإقتناع بما توصّل إليه عناصر من الأمن العام والإستخبارات العسكرية العراقيّين -خلال بضعة أيام فحسب- بأن الحادث كان (قضاءً وقدراً)؟!!.. هذا إنْ كان الإدعاء المُعلَن صادقاً، ولم يكن الغرض الرئيس منه سوى ((التخفيف)) عن وقع الشائعات التي تعمّ العراق من أقصاه الى أقصاه في محاولة لـ((لصم أفواه)) الناس الذين يجهرون بإطلاق الأقاويل والإدعاءات والخيالات والمزاعم أينما جلسوا يتحدثون ويتبادلون الآراء، أو يتسامَرون.
ولكني وجدتُ شخصي -في حينه- ليس على قناعة كاملة عمّا صدر عن الهيأتين التحقيقيتين، ولربما كنتُ متأثراً بكثرة الأقاويل والإشاعات، وبالأخص عند توجيه أصدقائي وأقربائي إستفساراتهم على مسامعي -بإعتباري ضابطاً في فوج الحرس الجمهوري الأول المتاخم بثكنته للقصر الجمهوري والمسؤول الرئيس عن حمايته- من دون أن أقتدر إجابتهم بشكل يشفي غليلهم، فضلاً عن متابعتي بعض الشيء لمصارع العديد من زعماء العالم.
ولـمّا كنتُ متأثراً -إيجابياً- بدقة الملاحظات البديعة لـ”شرلوك هولمز” بطل جميع روايات “آرثر كونان دويل” وقصص “آكاثا كريستي” البوليسية وكيفية الكشف عن المجرمين، فقد عزمتُ على سبيل الفضول والكشف عن مكامن الأمور -عند نزولي إلى “بغداد” في تلكم الأيام، وبعدها بسنوات وعقود- لألتقي بشخصي مع العديد ممن عاشوا هذا الحدث الخطير، أو كانوا قريبين من أوزاره أو ذوي إطلاع وخبرة، والذين أدلوا لي بمعلومات جديرة بالإهتمام تلقي ضوءاً ساطعاً على المجريات المحتملة لذلك الحدث… وقد سطـّرتُ تفاصيلها في مذكراتي الشخصية، وقد آن الأوان لسردها.لذلك ففي قادم الأيام -بإذنه تعالى- سأنظمها بشكل لائق لتـُنشَرَ على صفحات هذا الموقع الأغر.
الهوامش(*) إستطعتُ الإطلاع على تفاصيل التحقيقين القضائي والعسكري وإفادات جميع الشهود والتقارير والتحاليل الكيميائية التي أُرفِقت بهما لدى وجودي بالقصر الجمهوري بعد حوالي شهرين من الحادث، وذلك في أيام (حزيران/يونيو/1966)….”الباحث”.
(**) يجدر الإشارة في هذا الشأن، أن طائرة الهليكوبتر (ويستلاند ويسّكس-WESTLAND WESSEX) كانت من الطراز المجهّز بمحرك يعمل بـ(البنزين المُحَسَّن عالي الأوكتين) القابل للإحتراق شبه الفوري لضآلة درجة إتـّقاده، وذلك على عكس الطُرُز اللاحقة التي إعتمدت وقود (R.T.K) الشبيه بـ(النفط الأبيض/كيروسين) والذي يمتاز ببطؤ الإحتراق نسبياً………..”الباحث”.
(***) وكذلك إطلعتُ على تفاصيل هذا التحقيق العسكري المفصّل للغاية وجميع شهادات الشهود مع كل التقارير ونتائج التحاليل الكيميائية التي أُرفِقت به، وذلك في تشريفات القصر الجمهوري بعد الواقعة بحوالي شهرين، أيام (حزيران/يونيو/1966)….”الباحث”.
(****)  كان الذين أُستـُشهدوا بالرصاص غدراً صبيحة (14/تموز/1958)، إضافة إلى “الملك فيصل الثاني والوصي عبدالإله”، هم:-
 1. الملكة “نفيسة”:- والدة الأمير عبدالإله وجدّة الملك فيصل من والدته “الملكة عالية بنت علي”.
 2. الأميرة “عابدية بنت علي”:- شقيقة الأمير عبدالإله وخالة الملك فيصل.
3. عدد من حاشية العائلة المالكة وخدمهم.
 رحمهم الله جميعاً وأكرمهم………..”الباحث”.