الرسول كالطبيب المعالج , خاتم الأنبياء أرسل لمكّة يُعالج قوم يشتكون آلام الطائفيّة , وبما أنّ الطائفيّة أخطر الأمراض الاجتماعيّة المدنيّة لذا كانت من أشقّ عمليّات العلاج عانا منها نبيّنا كثيراً, لطبيعة الطائفيّة المستعصية , لكنّ المشقّة الأعظم أن ينتزع المرء طائفيّته من ذاته بنفسه ويطهّرها , لأنّ الله (( يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين )) أعني من أراد خلعها والتخلّص منها فتلك عمليّة أشبه بعمليّة انتزاع نشارة حديد من بين كومة صوف مبلول ! ولهذا كان بمقابل تحقيقها أجرها عند الله عظيماً جدّاً , فلو أخذنا بعين الحسبان مبرّرات وجود المخلوقات في هذا الكون “المتوالد” التوسّع , فإنّنا بإمكاننا تصنيف القدرة على التخلّص من الطائفيّة في ذاتيّة كلّ من أراد , وفق معطيات مبرّرات الوجود , عمليّة تحدّي ربّانيّة يختبر الربّ بها الانسان لغاية ما يشفى من طائفيّته تماماً , ولمن شاء ! يعني الّذي قرّر الشفاء من هذا المرض “الاستشعاري” الخبيث , ساعتها يستوفي , أعني “المؤمن بخبثها” , الجزء الأهمّ من شروط “دخول الجنّة” لأنّ الجنّة كما تُفهم مواصفاتها ما يمكن أنّ نصفها أو بعض مزايا سكنتها بالتوصيف المعاصر للقبول بعضويّتها , يتّصفون بصفات “حتميّة” : النقاء الفكري أوّلاً وقبل كلّ شيء أي “الفطرة” , الاقتضاب في الكلام مع الاقبال على المؤاخاة أي “أخوان على سرر متقابلين” يتجنّبون الثرثرة مع السيطرة التامّة على منابع مفاعلها الذاتي , مبتسمون دوماَ صبرهم أبدي شبعهم أبدي جوعهم أبدي شهيّتهم أبديّة , لا يعرفون شيء اسمه ملل , تحرّكهم المكاني تلقائي ناجح , لا نبض يعتريهم , أبدانهم سرمديّة حتماً ستكون كذلك , إذ كما مبرّرات تصيّر الكينونة البشريّة الأولى على أساس “شكوك” والشكّ يزول لأنّ من خلفه تختبئ العلّة , إذاً فالشكوك عمرها قصير , لذا أعمار الشكّاكين بعمر شكوكهم تنتهي مع سقوط تلك الشكوك ! ؛ فكذلك بحسب اعتقادي فإنّ صيّرة الكينون الخلقي “المعاد” مبني على ذات إيماني يؤمن بمبرّرات الخلق والوجود ما يعني سرمديّة الحياة فيها على أساس أنّ الحقيقة أبديّة , وعليه فالمؤمنون بتلك الحقيقة لا بدّ وسيكتسبون أبديّتها , وفق المنطق , بعد الموت ! .. الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفسه ؛ لماذا أرسل إلى الناس “كافّة” وهم كانوا يؤمنون بالله أصلاً ؟ ودليل إيمانهم بوجود الله : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون قولون لله قل أفلا تذكّرون , قلّ من ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون , قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله .. )) لكن “أين المشكلة” الّتي برّرت لله سبحانه إرساله للناس أو لقريش رسولاً نبيّاً ؟ , السبب أنّ من أُرسل إليهم كانوا قوماً طائفيّون ! أي مشكّكون ! كانوا يسمّون أنفسهم بغير ما تركهم عليه النبيّ إبراهيم , لاتيّون هبليّون الخ , أي طائفيّون , فقد تفرّقوا ما أن غادر إبراهيم “بكّة” عائداً للعراق , وكلّ من تفرّق بعد وحدة كوّن طائفة سرعان ما ستتسع فتنكفأ على ذاتها , فكلٌ يدّعي أحقّيّته بمذهبه الّذي حوّله المعتقد إلى إله مع مرور الزمن , ومع الثبات عليه رغم الشكوك ! حتّى غدا العرب في نهاية المطاف يحرصون على 365 طائفة أو إله بحسب الكثير من المصادر ! , فكيف يدخلون الجنّة إذاً وخلافاتهم “مْعِرّة” كما يُقال بالدارج لا تنقطع ثرثرتهم جميعهم بين شبعان حدّ التخمة وجائعون حدّ الملل ! ..