الدكتور نبيل جاسم ، الإعلامي المحترف الغني عن التعريف، وهو الذي أعاد لنا ، صياغة (معادلة الحوارات التلفزيونية) الشيقة والمثيرة للانتباه، وأرسى لها أسسا وسمات ومعالم خارطة طريق، حتى راح عشرات الألوف من المشاهدين ، وأغلبهم من نخب وكفاءات مثقفة وأوساط سياسية مرموقة وأوساط شعبية ، يتابعون بشغف حلقاته التلفزيونية المثيرة ، مع أصحاب القرار والمسؤولين ومع إعلاميين وكفاءات ونخب عراقية، وهو يصهل بخيله في حوار ممتع معهم، والإبتسامة لاتفارق شفتيه وملامح وجهه وشخصيته الكارزمية وقوامه الطويل وصوته الرخيم ، وهو يرغمك على متابعة كل حواراته من ألفها الى يائها،على مدى ساعة أو أكثر في بعض الأحيان، دون ان يكون بمقدورك أن تفارقه!!
الدكتور نبيل جاسم ، يمتلك قدرات حوارية هائلة ، ولديه القدرة على فرض حضوره على مشاهديه وضيوفه،وترى نظرته الثاقبة وكأنك أمام (محقق عدلي) من الطراز الأول، يرغم محاوريه على ان يعترفوا وكأنهم أمام (مناقشة حوارية راقية ) ترقى الى القمم الاعلامية الشاهقة ، ويرى كثيرون أنهم سعيدو الحظ حين أطلوا على الشاشة ضمن ضيوف برنامجه الشيق ،والانظار كلها موجهة اليهم، وعليهم هم ايضا ان يجدوا (مخرجا) حين (يضيق عليهم الخناق) عندما يجد أن الضيف يحاول أن (يراوغ) أو (يتهرب) من الإجابة، لهذا نجد أن أغلب الضيوف يبحثون عن أية فرصة للهرب أو التهرب من اسئلته ، وهو يلهث وراءهم، مرة يطمأنهم بإسلوبه في المداعبة ، وفي أخرى يحاول إرغامهم على (انتزاع الاعترافات) منهم ، ليس بهدف الايقاع بهم، ولكن لأن الوصول الى الحقيقة احيانا يحتاج الى جرأة في البحث عنها ، وعن طرق واساليب حوارية ، يقلب معهم كثيرا من الصفحات ، حتى يمكن ضمان ان (يرغم) الضيف وبرغبة منه على ان يدلي بما يمتلكه من معلومات قدر الإمكان، وهو لايسمح للضيف أو لمجمل ضيوفه أن يغادروا البرنامج ، دون ان يقدموا للمشاهدين زادا شهيا طيب المذاق!!
نعم ، لقد وهبه الباري عز وجل قدرات شخصية حوارية ممتعة ورائدة تعد من الطراز الأول ، وهو محاور ذكي ومحترف، يمتلك كل مقومات الحوارات المثيرة والناجحة والتي يخرج منها المشاهد، وهو يقلب مع ضيوفه مختلف توجهات قضايا الساعة المهمة والساخنة ويرصد مؤشراتها بعناية فائقة، وكأنه صقر ، لكنه لايريد إفتراس من يلهث وراءها من غزلان الصيد، بقدر مايهمه أن يكون صيده ثمينا، حيث يمتلك قدرات فائقة في (انتزاع ) ليس (إعترافات) وانما (معلومات ثمينة) يود الكشف عنها أزاء أية قضية ساخنة مثار جدل، ويود المشاهد أن يعرف خباياها وأسرارها، وما يمكن أن يتوصل اليه السياسيون والعارفون ببواطن الأمور من حقائق أو أسرار لايمكن الحصول عليها بالطرق التقليدية للحوارات ، التي اعتاد عليها الكثيرون في البرامج الحوارية التلفزيونية في قنوات أخرى !!
وهو فوق كل هذا وذاك يظهر (حياديته) في طرح مختلف الموضوعات المهمة عن مختلف قضايا الساعة، ولا يظهر له ان (إنحاز) في يوما ما الى أية جهة سياسية او طائفة أو مذهب، إن لم يظهر أمامك أنه عراقي الهوى أبيض القلب ، وهو يسعى لأن يضع (الطرف الغائب) الذي لم تسنح له فرصة أن يكون هو من يدافع عنه في برنامجه، ويكون (البديل) عنه، وهو من يطرح الاسئلة ووجهات النظر نيابة عنه، حتى يغطي الموضوع من مختلف أطرافه وجوانبه، ويظهر في خاتمة المطاف والجميع راضون عنه ، ولا تميل كفة أحد على الآخرين، لأن ضيوفه يحظون بالمكانة نفسها في توزيع الأسئلة وفي مدد إجاباتهم، ويترك للطرف الغائب حق الرد لمن ورد إسمه ضمن دائرة الإتهام ، في حلقات مقبلة!!
لم يختلف أسلوب حواراته لا في قناة السومرية ضمن برنامج ( بين قوسين) قبل فترة، ولا في قناة دجلة الفضائية وبرنامج (وجهة نظر) ، ففي كل تلك البرامج والحوارات، كانت شخصية الدكتور نبيل جاسم حاضرة، تضع آلاف المشاهدين وحتى كبار السياسيين واصحاب القرار ضمن دائرة الضوء والاهتمام القادر على خلق الاثارة المرغوبة، ويعطي للموضوع المثار كل جوانبه ويقلب ضيوفه ، الواحد تلو الاخر، بتوزيع زمني، يرضي الجميع، يخرج بحصيلة ، يرضى عنها الجميع، وهو حينما يقلب وجهات النظر ويسأل ويعود يطرح السؤال بصيغ مختلفة ، وهو يريد الوصول الى الحقيقة التي يبحث عنها المشاهد، ولايترك نهايات الحوار سائبة، بل يعرف كيف يوزع أسئلته ، ويداعب ضيوفه ، ويظهر أمامهم وكأنه (المحقق العدلي الجنائي) الذي يجيد فن صياغة أسئلته ، وهو ينظر بعيون ضيوفه، ويدرك كيف ينتزع الإجابة، ليس بطرق الارغام المتعارف عليها في التحقيقات الجنائية، ولكن بطرق يجعل حتى الضيف يرغب بأن يكشف عما يختزن بين جنباته من معلومات وحقائق، يكون الجمهور في أشد اللهفة لسماعها، خدمة للحقيقة التي يبحث عنها من خلال الضيوف الذين يدركون في قرارة أنفسهم، أنهم أمام محاور صعب المران، ومتمرس وصعب، يجيد فن تقليب صفحات الضيف، وهو ملم بتاريخهم وعلاقاتهم، ويعرف متى يحاول بعض الضيوف إستخدام إسلوب (المراوغة) معه او التحدث بدبلوماسية أو (تهرب من المسؤولية) أن يعود اليه برشقات من الأسئلة اللطيفة التي ترغم الضيف في نهاية المطاف على ان يعطيه قسطا كبيرا مما يرغب الكشف عنه، بعد أن يلح عليه في ان يكون (صريحا) معه، خدمة للبرنامج الشيق الذي يتمنى الآلاف من مشاهديه أن يجدوا ضيوفه وقد أشبعوا الموضوع المثار بما يستحقه من نقاش وجدل مفيد، ويقدم خدمة للكثيرين الباحثين عن المتعة في الحصول على كنز من المعلومات الشيقة ، من أصحاب القرار !!
ولا تخلو مقدمة التقرير التي تسبق محاورة الضيوف من مهارة فنية وصحفية شيقة في طريقة عرض التساؤلات وعرض بعض اللقطات المثيرة ، والمواقف التي تدخل في دائرة ( الإثارة) مرة وفي (الإستفزاز المشروع ) مرة أخرى، بهدف خلق رغبة الإمتاع والمتابعة لدى آلاف المشاهدين، الذين ينتظرون برنامجه ، وقد حافظ على مبدأ ( التوازن) و ( الحيادية) في تقديم ما يود الافصاح عنه من وجهات نظر أزاء القضايا المثارة، وفي إستخدام إسلوب (الطرق) على الأسماع، لكي يحاول ان يسمع الآخرين، أنه يقدم لهم (زادا شهيا) ، وقد اجاد (الطباخ الماهر) صياغة تقريره ، والاطلالة التي يستهل بها برنامجه، كي يدخل ضيوفه في دائرة التهيئة للإجابة عن أسئلته، بعد إن وجه اليهم، (صعقات) معقولة من الصياغات المثيرة ، كي يرغم ضيوفه على تقديم إجابات ترتقي الى مستوى البرنامج الذي ينتظره الكثيرون، بشغف ، وقد قدم لهم الكثير مما يبحثون عنه من إجابات ومن (خفايا) كانت تدخل ضمن ( دائرة الأسرار) في أغلب الاحيان!!
وقناة دجلة الفضائية التي تجيد فن إختيار رموزها الحوارية وبرامجها الشيقة ، وجدت في الدكتور نبيل جاسم فرصتها في المزيد من الشهرة، ووصلت الى مديات مؤثرة في حجم القنوات التلفزيونية التي (شقت الثوب) كما يقال وخرجت عن المألوف، حتى أوصلها الدكتور نبيل جاسم، وهو كما يبدو مديرها العام، الى أحد أعلى القنوات وأكثرها مشاهدة، وهو يرتقي الى كبار مقدمي برامج الحوارات التلفزيونية العالمية الشهيرة، وهو بكل هذه الحنكة والحبكة وصياغة الاسئلة واسلوب توزيعها على الضيوف وطريقة طرح الأسئلة ، وادارة حلقة الحوار الرائعة، يجعل آلاف المشاهدين يترقبون برنامجه المثير للانتباه (وجهة نظر) ، بعد إن أشبع نهمهم الى الاستماع والانصات الجيد لمتابعيه ، وإسلوب ادارته الممتعة للحوارات مع ضيوفه، وتجد ان الحلقة التي شاهدتها ، وهي في غاية الإستمتاع بما قدمته من معلومات غاية في الأهمية ،وقد تعرفت على مواقف شخصيات وسياسيين وصناع قرار ونخب ثقافية، وعلى كفاءة البعض منهم، أو أنها قد تظهر عدم قدرة آخرين على ان التعاون في الكشف عن المعلومة التي تخدم توجهات المجتمع العراقي ، إذ ان بعض الضيوف ما يزالون يخشون من الظهور ضمن برنامجه، خشية افتضاح مواقف كتلهم ، التي ربما لايرغبون بالإفصاح عنها علانية وأمام الرأي العام، لكن المشاهد في كل الأحوال، يخرج من تلك الحوارات، وقد أغدق عليه الدكتور نبيل جاسم من كرم شخصيته الكارزمية ومهاراته في إدارة الحوارات، ما يشكل لهم رصيدا وصيدا ثمينا، ليس بمقدور حوارات أخرى أن تقترب من برنامجه، مهما حاولت تقليده او سعيها للهاث وراء محاورين من الطراز الأول، ويبقى الدكتور نبيل جاسم ، رجل الحوارات التلفزيونية العراقية الخارقة ، وبلا منازع!!
تحية منا للاعلامي الرائد والمبدع الكبير الدكتور نبيل جاسم ، وتقديرا منا لكل تلك الخصال الرائعة، وهو يرسي أمام الأسرة الصحفية ، نظريات الحوارات الناجحة، ولابد من أن تدخل ، تلك الحوارات، ضمن دائرة المتابعة والرصد لطلبة الدراسات العليا، في كيفية معرفة أسس وسمات ومواصفات من يرغبون الوصول بالحوارات التلفزيونية الى الشواهق العالية، إن أرادوا بلوغ الريادة الإعلامية ، ولهم في تجربة الدكتور نبيل جاسم ما يحقق لهم، أهدافهم في وضع أطر نظرية عملية واقعية ومؤثرة، للحوارات التلفزيونية، لكي يخلصوا ملايين المشاهدين من إسلوب الرتابة والكلاسيكية المملة التي مايزال كثير ممن يقدمون الحوارات التلفزيونية ، التمسك بها، دون ان تقدم للمشاهدين ما يطمحون اليه، من أساليب إثارة ايجابية مرغوبة، وتكشف لهم حقائق كانت غاطسة ، أو لم تكن في الحسبان..مع خالص التقدير لكل جهد اعلامي جبار ومتفوق ،يصل بالعمل الإعلامي الى مستويات الصدارة ، وفي إستشرف أعماق الإبداع ، بكل صوره، مع أمنياتنا لمن يسبر أغوار الحوارات التلفزيونية بالنجاحات الباهرة.