23 ديسمبر، 2024 5:08 ص

ينطلقُ رنين الجرس،الصوت المحَّبْبُ إلى قلوب الورود اليانعة التي يحضنها المكان، فيسارعون بجمعِ حاجياتهمويلقونها -كما اتفق- في حقائبهم ويحملونها على أكتافهم الطرية وينطلقون لا يمنعهم شيء ولا أحد. حتى صياح(الست ساجدة) تحذِّرَهُم من الطريق المحاذية لمدخل المدرسة تناديهم:( بالراحة عيوني).. ولا من منتبه أو مجيب

تتقدم مجموعة من الصِبْيَة وفي ملامحهم مَلاحَة يتميز بها أهل العراق -لِنَقُلْ رجولة أبكرتْ قبل أوانها-يتزاحمونعلى مدخل المدرسة بل يتدافعون محاولين الخروج بسرعة وتتوقف(الست ساجدة) عن الصياح فلا مجيب أو مهتمولا داعي لأن تفقد صوتها كما يحدث كل ظهيرة واكتفت بالدعاء لأحبائها بالعودة سالمين إلى بيوتهم

ينطلقُ (أيمن) الصبي الرياضي-عَدَّاء المسافات القصيرة في المسابقات
المدرسية-فيصِلُ قبل جماعته ويتسلق الشجرة وينتقي الحبات البرتقالية المشوبة باللون الأحمر ويحشو بها جيوبه،وينزل مسرعاً ويلتقط حقيبته ويتوجه إلى نفس العنوان مستعملاً مهارته في العَدْو، ومن سيسبق العدّاءالمصَنَّف؟

يصلُ إلى البيت الِعزيز ويطرق الباب، فتفتح له سيدة شابة،هي صاحبة
البيت وأم مالكة القلب ،فيسألُ عنها
وتجيبه بأنها مازالت في المدرسة تنتظر
شقيقها الذي سيصحبها في العودة.
تراجع الصبي،وظهر الأسى والتوجس والقلق على وجهه الجميل وتساءل :ماذا لو؟ ، غير أنه أهملَ شكوكه وأدخليده الصغيرة في جيبه وأعطى السيدة
الحبات المنتقاة بعناية موصياً تسليمها إلى الصبية(أعرف اشقد* تحبها خالة) قالها بيأسٍ وانصرف.

يُطْرَقُ الباب نفسه بعد قليل، وتدخل الصبية السعيدة محمّلة بالكثير من الثمرة الحلوة يساعدها شقيقها،فالحملثقيل فالصِبْيَة تمكنّوا من قطف الثمار كلها تقريباً ومنحوها لها فامتلأت حقيبتها وحقيبة شقيقها،رفيقها وحاميها

ارتسمت ابتسامة النصر على رفاق العدّاء الصغير، فالسرعة ليست دائماً ميزة ولا تصلح أحياناً لقطع المسافاتبين القلوب .فربما احتاجَ القلبُ إلى التخطيط وإلى بعض حَذَرٍ وإدارة للوقت، ليتناسب مع المهمة الغالية للوصولإلى مبتغاه، فما بالك والمتنافسون كُثر بقلوبهم التي تخفق متوسلةً الرضا ولو بثمرة (نْبَقْ) تقطفها على عجلوتقدمها لصبيةٍ حلوة قالت أمامهم ذات مرة: (اشقد أحب النبَقّ)
*اشقد:كم أحب

روائية وشاعرة ليبية