23 ديسمبر، 2024 10:16 ص

 أصبح من نافلة القول أن يشهد العراق أزمة جديدة تكاد تعصف بالعملية السياسية( ياريت تنهار العملية السياسية ودفعة مردي وعصا كردي وروحة بلا رجعة ..)  بعد كل اعتقال لارهابيين أو متهمين بالارهاب ممن يعمل في طاقم هذا المسؤول الحكومي أوذاك. وأصبح أمرا عادياً اندلاع صراع سياسي جديد بين الكتل والجماعات المشاركة في الحكم ، ينتج عنه في الغالب تفجير انتحاري هنا أو مفخخة هناك عندما يتصرف رئيس الوزراء نوري المالكي وفق صلاحياته الدستورية، كما حصل بالضبط مع طارق الهاشمي وكل أولئك المتهمين بارتكاب أعمال ارهابية خطيرة بدعم وتحريض من مشاركين في العملية السياسية. 

أعرف أن الوضع في العراق بات معقداً جداً في ظل تراكمات مابعد سقوط نظام صدام، وطريقة انخراط من يسمون أنفسهم ممثلي ” السنّة” في هذه العملية التي سميت ” نظام المحاصصة ” أو التوافق، وهي في الواقع تفكيك للمجتمع العراقي وتقسيمه على أسس طائفية وعرقية مقيتة. 

وأعرف ايضاً  أن الراعي الأمريكي الذي ” ساق ” المعارضة العراقية سابقاً بالعصا ليجمعهم تحت لوائه في مؤتمر لندن 2002، هو من صاغ معادلة إنضمام من أصبحوا اليوم  ممثلي  ” السنّة ” الى العملية السياسة، وفق أسس تجعل من الصعب التفكيك في حال صدور مذكرات اعتقال ( على الأقل لدى الرأي العام المحلي والعربي) بين “السنّة” الشرفاء الوطنيين الأغيار، ونفر قليل جداً جداً من قتلة وارهابيين معظمهم بعثيون ملطخة أيديهم وضمائرهم بدماء العراقيين ( يسميهم المقاولون السياسيون : مكونات) ..

إنها بالفعل معادلة صعبة وهي فخ نصبه الراعي الأمريكي للذين حجّوا له في لندن وقبلها في واشنطن، يستجدونه الخلاص من صدام ولو بتحويل العراق الى مسلخ للبشر، وحمام دم يفتح بعد كل خلاف على ” الحصة” ، وساحة بغض وكراهية بين ” المكونات”..

والله أستحي أن ألفظ كلمة ” مكونات ” على العراقيين لأني أشعر أنني أتحدث عن أي شيء تافه يخطر في الذهن الا ” العراقي الانسان ” ..

ماعلينا .. أصبحنا مجرد ” مكونات ” وأرقام وحصص يتلاعب بنا ” المقاولون السياسيون ” الذين لايفكرون الا بطريقة سلخنا، لتحقيق مكاسب سياسية : حزبية وشخصية (وهي حتى ليست طائفية أو عرقية لأنهم يستخدمون هذه الورقة لأهداف إنتخابية وللاستحمار ليس إلا )، في مسلخ أطلقوا عليه جزافا” العملية السياسية”.

نعم ..فان اعتقال أفراد من حماية وزير المالية بتهمة الارهاب، وهو أمر تكرر مثله في قضية طارق الهاشمي ( كان يزور السجون ويبكي أمام مصوره المرافق بدموع التماسيح على حقوق الارهاب) ، يكشف كم هو مظلوم نوري المالكي( في هذه المسألة ) برغم أن أكبر وزر يتحمله المالكي، هو التأخر في كشف ملفات المتهمين بالارهاب خصوصاً طارق الهاشمي حتى بعد صدور خمسة أحكام الاعدام غيابياً عليه(غراب يكول لغراب وجهك اسود). 

مشكلة المالكي أن الكثير من السنّة والكرد وغيرهم لا يصدقونه. وأن خصومه يشككون  بنواياه في مسألة محاربة الارهاب وفرض سلطة القانون، وقد نجحوا في إظهار القضاء بعد كل مذكرة اعتقال تصدر بحق متهم بالارهاب ، بأنه حربة بيد المالكي للتخلص منهم ، وأن المالكي يُصفي خصومه السياسيين لأسباب طائفية ليكرس قبضته الديكتاتورية  وغير ذلك من الاتهامات التي يصدقها  معظم الرأي العام المحلي والعربي ، وذلك بالطبع لأن مستشاريه فاشلون في تسويق ” جهوده ” التي أدعمها وأؤيدها نحو فرض القانون، وتركيع المحاربين الذين كانوا يزعمون أنهم مقاتلون مقاومون من أجل دفع الاحتلال ، وهم جميعهم دون إستثناء، سماسرة دماء لتعزيز نفوذهم ووجودهم حول طاولة ” تقاسم الحصص “.

مسكين المالكي ..هو لدى خصومه سلطان مستبد ، لكنه لدى تحالفه وإئتلافه ومستشاريه مثل “الناعور بس يترس ويبدي” .. فهم من يحصد ثمار جهوده، وبعضهم يتآمر عليه، سراً وعلانية كالتيار الصدري ، وبعض يعقد صفقات سياسية من ورائه سواء مع الكورد أو مع حلفائه الايرانيين. وهو يحتاج قبل كل شيء الى تحسين صورته في محيط العراق الاقليمي، لكي يصفي الارهاب المحلي داخلياً بمعادلة جديدة تفصل بين ” السنّي ” والارهاب، دون أن يتهم بأنه طائفي وديكتاتور .

وإنني إذ أدرك أن الأمر بالغ التعقيد لأن المالكي لم يحسن سابقاً  التصرف مع ملفات متهمين بالارهاب، وتحالف مع بعضهم ” إنتخابياً” ، فانني أنصحه أن يبدأ من الآن مرحلة إيجاد ثغرة في جدار الشك بينه وبين ” المكون السني” المحلي والعربي، ولن يفلح بالطبع، إذا فعل ذلك على أساس ” شيلني واشيلك “، فلا مشعان الجبوري ولا حارث الضاري  وأشباههما قادران على إصلاح ما أفسده الدهر.

فالتوازن- ياجلالة السلطان – لايعني غض النظر عن الارهابين وجرائمهم  والجلوس معهم في حكومة وبرلمان.

والعاقل يفهم.

مسمار  :

 “سرتُ على رصيفٍ ممطر فزلت قدمي.قلتُ : ما أصعبَ الزلل. قال الرصيف : بل ما أصعبَ التوازن “.  

محمد سعيد الصكّار