وحيداً يجلس على المقهى ، في هدوء الليل، بعيداً عن كل صخب يشاهد جهاز التلفاز القديم امامه ، هو لا يعلم أن الأحزاب كلها تدعي أنه فوضها للكلام نيابة عنه.. وأن الإعلاميين يدعون أنه فوضهم للحديث باسمه.
هو يجهل تماماً أنه يجلس في بلد يمتلك الكثير من المميزات الجغرافية والثروات الطبيعية وتنوعه القومي والمذهبي .
كل معلوماته عن السياسة أنه قد رأى قبل اياما شخصا أنيقا راكبا سيارة جميلة ومعه عدد من الاشخاص وينادونه ,,استاذ..استاذ,, نزل من سيارته ومسك كتفه وقال له اطمئن سنبني هذا البلد ولن نخذلك ..لن نخذلك .
وكل معلوماته عن الاقتصاد أن الصمون اصبح من ثمانية بالف الى ستة بالف وفي كل الأحوال هو لا يهتم بكل ذلك اهتمام المتابع، لأنه على يقين أن السياسيين لن يستدلوا على بيته وسط العشوائيات ليوفروا له الطعام او الشراب او الماء اوالكهرباء.
هو غير معني بمن سيفوز بلعبة شد الحبل، إنما الذي يعنيه أن تنتهي هذه اللعبة، وتنتهي الازدحامات والقطوعات لقيادة سيارته الكية، من ساحة التحرير إلى البياع.
مصدر معلوماته كلها هم الركاب الذين يركبون معه، كل يوم يستمع الى ، الانتخابات المتضاهرين، والارهاب أو البطاله الدولار صاعد اليوم وكورونا .
يجلس في اخر النهار أمام جهاز راديو صغير قد جلبه والده معه من الحج ايام السبعينيات، ويستمع ماسكا بيده كوبا من الشاي العراقي المهيل، وبين اصابعه سيجارة دخانها بين عينيه، يقلب مؤشر الراديو، فيجد أن كل الإذاعات تتكلم عما يحدث في بلده ، لا يهتم…
يكمل تقليب المحطات هرباً من السياسة وأخبارها، حتى يصل لمحطة بالكاد يسمع منها صوت الفنان ناظم الغزالي..
عيرتني بالشيب وهو وقار
ليتها عيرت بما هو عار
ان تكن شابت الذوائب مني
فالليالي تزينها الاقمار
دموعي بيوم فقد الولف ليلى
وردت عيني يمرها النوم ليله
تعيرني عجب بالشيب ليلى ، يقف عندها ويسترخي ثم يسحب نفساً طويلاً من دخان سيجارته، غير أن الأخبار تأبى إلا أن تعكر عليه صفو الأغنية.
يتمازج صوت الغزالي مع صوت مذيع نشرة الأخبار وهو يعلق على الأحداث، فيحدث شيئاً يشبه الدويتو بينهما، حيث يردد الغزالي:
ياويلي ليلة ليلة ليلة ليلة دموعي بيوم فكد الولف ليلة ، ليدخل صوت المذيع فيقول عاجل:
رؤوساء الكتل السياسية يجتمعون ويتفقون على تشكيل حكومة قوية قادرة على بناء البلد وسوف يتم سحب المتظاهرين من الشوارع:
ليكمل مع ناظم الغزالي
ميحانة ميحانة وغابت شمسنا الحلو ما جانه حيك حيك بابا حيك الف رحمة على ابيك ..
ليقول المذيع:
ولا عودة أبداً لما كنا عليه من الفوضى..
ويستمر الدويتو بين الغزالي والمذيع حتى ينزعج ويغلق الراديو ويطفئ السيجارة، ويدخل في بيته ويغلق عليه بابه وينام.