ـ عندما كنتُ طفلاً: وننشدُ النشيد الوطني الوحيد:
(مليكنا.. مليكنا نفديكً بالأرواح.. عش سالماً.. عش غانماً.. بوجهكً الوضاح.. سر دائماً .. حليفك النجاح).
ـ كنتُ أقول مع نفسي.. ثم مع زملائي: لماذا لا ننشد:
(وطني.. وطني.. نفديكً بالأرواح.. عش سالماً.. عش غانماً.. بوجهكً الوضاح …….).
ـ لم أسمع جواباً.. أقتنع به.. أخيراً سألتُ أبي.. المثقف والسياسي والوطني المعروف:
ـ نظرً إليً وشدني الى صدره.. وقبلني أكثر من عشرة قبلات.
ـ ثم قال ليً: من علمكً هذا ؟ قلتُ له: أنت يا أبي.. دائماً تقول لنا:
ـ حب الوطن من حب الله.. من لا يحب وطنه.. لا يحب الله.
ـ أغرورقت عيناه.. وشدني الى صدره ثانيةً بقوة لحظات.. ثم قال:
ـ (الله.. ثم الوطن.. ثم الشعب.. ثم العِلم).. ويقصد الدراسة والتعلم.. هكذا تربينا.. وبغيره كلنا سوف نذهب للجحيم.
ـ ثم جاء عبد الكريم قاسم.. وظل الوطن غائباً.. فالكل تهتف “عاش زعيمنا الأوحد عبد الكريم”.
ـ وكبرً الحال وتعقد.. فالقائد هو الزعيم.. وكل شيء هو الزعيم.. والوطن غائب.. وأحزابنا كل له وطنه.. واحد يهتف وحدة. وحدة. عربية.. لا شرقية. ولا غربية.. وآخر يهتف: اتحاد فيدرالي وصداقة سوفيتية.. وثالث لا يعترف سوى بالعالم الإسلامي.. وآخر لا يعرف وطناً.. وتمزق الشعب.
وتمزق الوطن.. واحتراب الصراع.. آه يا وطني أين أنتً ؟.. وبين هذا وذاك.. سالت بحار الدم.. وشردً مئات الآلاف.
ـ أين أنت يا وطني ؟.. كان السجن وطني.. السجن الصغير بين القضبان.. تحت يافطة سجين سياسي.. والسجن الكبير في متاهات وطني الغائب عن الحال.
ـ وبدأت محاولات ترميم صورة الوطن.. لكن ببطء شديد.. وننتظر.. وننتظر.. عسى أن نكون كبقية الشعوب لنا وطن.. نحبه ويحبنا.. وبدأت البسمة بانتظار الوطن.
ـ ليأتي صدام.. وإذا بالكل تغرد: (إذا قال صدام.. قال العراق).. واختصر الوطن.. العراق.. صاحب اكبر حضارة في العالم برجل واحد.. لا نعرفه ؟؟؟؟؟؟؟
ـ وأول إنجازاته للوطن.. تنازل “صدام” لإيران عن نصف شط العرب العام 1975.. بلا مقابل.. أهكذا رخص الوطن ؟؟؟
ـ وما أن بدأنا نسير في الطريق المجهول.. وإذا بستِ مخافر منسية على الحدود أصبحت مشكلة المشاكل.. نزفنا الدماء من أجل استرجاعها للوطن الغائب.
ـ وعندما شعرً صدام إن نظامه بدأ يتهاوى.. أوقف حرب ألثمانِ سنوات مع إيران.
ـ من دون شروط.. بعد أن دمرً فيها العراق.. وشعبه.. واقتصاده.. وتنازل عن مخافر:
ـ زين القوس.. وسيف سعد.. وأربعة أخرى حدودية.. التي كانت سبباً للحرب.
ـ وأطلق سراح جميع أسرى إيران.. ولم يعيد أسرى العراق من إيران وفق قوانين تبادل الأسرى.
ـ ثم أصبح وطني حقلاً لتوزيع عطايا القائد صدام.. فمنحً:
ـ منطقة الرويشد التابعة لمحافظة الأنبار.. هي وأهلها منحها للأردن.. بلا سبب ولا مقابل.
ـ ومنح منطقة الحياد التابعة لمحافظة السماوة الى السعودية.. وجزءاً من بادية النجف.. من دون مقابل.
ـ وفي آب العام 1990 احتل الكويت عسكرياً.. تحت ذريعة إعادة الفرع الى الأصل.. ليكبر الوطن !! ولم ينسحب إلا بعد تدمير جيشنا.. وتدمير البنية التحتية للعراق.
ـ وتنازل صدام الى الكويت عن:
ـ جزيرة بوبيان.. و650 كم2 من البصرة.. ومعظم مدينة أم قصر.
ـ و11 حقل نفطي في منطقه الرطكه في حقل الرميلة الجنوبي.. ونصف منطقة المياه الدولية العراقية.. وأكثر.
ـ وكبلً العراق بدفع مليارات الدولارات تعويضات للكويت عن احتلاله وسرقته لها.. وما زال العراق يدفع التعويضات حتى الآن.
ـ وخلال الحصار الاقتصادي على العراق.. منح صدام تركيا 20 كم2 داخل الحدود العراقية.. لتقيم تركيا فيها قواعد عسكرية.. مازالت حتى الآن.. تحت ذريعة محاربة عناصر حزب العمال التركي الكردستاني pkk .
ـ صرخ العقلاء.. ولكن صراخ في وادٍ عميق.. وذبح العقلاء.. وذبح حتى المجانين.
ـ قلتُ ونفسي: إذن كلنا للجحيم.. وبكيتُ وطني.. وبقيتُ مشرداً في وطني.. بلا وطن.
مسكينٌ أنت يا وطني.. فبإغلاق صفحة الكويت.. بدأت صفحة جديدة من دمار شعبي وحرق وطني.. واقتطاع شماله.
ـ وأخيراً سقط النظام.. وهربَ صدام.. ثم اعدم.. كما اعدم وقتل واغتيل مسؤولينا من قبله.
ـ لنبدأ شعبٌ يذبح على الهوية.. عمر يذبح.. عبد الزهرة يذبح.. توما يذبح.. الصابئي يذبح.. الأزيدي يذبح.. المحجبة تذبح.. غير المحجبة تذبح.. الطفل يذبح.. أستاذ الجامعة يذبح.. وحتى الحمال يذبح.. الله أكبر.. هل ستقوم القيامة ؟؟؟؟؟
ـ وضاع العراق.. بيد سياسيونا الجدد مزوجي الجنسية.. ولا يعترفون سوى بالجنسية الأجنبية.. أما الجنسية العراقية فهي لأغراض المنصب والراتب والامتيازات.. فمن لا هوية له لا وطن له.
ـ حتى العلم العراقي أصبح “خرقة” لا تحترم حتى من قبل الحكومة.
ـ الوطن أصبح أشكال.. وطن تركماني.. ووطن كردي.. وأهل البصرة يريدون إقليما خاصاً بهم.. أو مرتبطاً بالكويت.. وكركوك يطرد أهلها ويذبح آخرون.. وقسمت بغداد الى كونتونات متحاربة.. العمارة تقضم.. وديالى تقضم.. البصرة تقضم.. والسليمانية تقضم.. حتى أنت أيتها الأنبار.. ماذا بكِ ؟.. حتى أنت يا فلوجه!!! مدينة مآذن العراق.. ماذا بك؟ وأين أنت يا موصل.. مدينة الأنبياء.. هل نسيتي انتمائك للعراق؟
وعيون البعض على تركيا.. أو على أمراء الخليج.. وآخرون عيونهم على إيران.. حتى إسرائيل دخلت وطني!!..
ـ الكل تسرق الوطن.. تسرق الأموال.. والعقارات.. والبساتين.. وطن حر بلا قيود للسرقة.. كل ما تشتهي نفسية مسؤولينا يسرقوه.. ليضاف إليها الاختطاف مع الفدية والقتل.
ـ أبكيكً يا وطني.. فأين أنتَ ؟.. وأين أجدكَ ؟؟؟ حتى شوارعكَ تقطعت بالكتل الكونكريتية.. فالدورة.. لا تتصل بالبياع.. وجسر الأئمة لا يربط بين الأعظمية والكاظمية.. أما كرخ عبود ألكرخي.. ورصافة معروف الرصافي.. فلا مكان لهما من الإعراب!!..
ـ الأشرار باعوكَ يا وطني.. نصبهم أسيادهم سادةً عليكً يا وطني.. وعلينا.. وعلى مستقبلنا الأسود.
ـ وهكذا استمرت بحار الدم تسيلُ في كل مدينة.. في كل زقاق.. في بيوت الله.. وفي بيوت الشياطين.
ـ وأخيراً وليس آخراً حررنا محافظاتنا.. التي سميت بالغربية.. ولكننا لم نحرر أنفسنا .. ولم نحرر وطننا.. وسلمنا أمرنا من جديد.. بيد من يدعي الدين.. أومن يدعي العشيرة.. أومن يدعي حتى المدنية.. والوطنية.. والديمقراطية.. والكل لصوص.. وأسوأ من العبيد.. وبعضهم أسوأ من اللقطاء.
ـ من يعيدُ ليً وطني.. من يعيدُ ليً وطني.. لن أجدُ أحداً في عراق اليوم !!!!!
ـ يعيد ليً وطني الحبيب.. نازل أعيد وطني.. وطنيييييييييييييييييييييييييييييييييي