الدعاية الانتخابية حق مشروع، ونجد القائمين عليها يتفننون من أجل إقناع الناخبين بمرشحهم، كما أن برنامج الدعاية الانتخابية يُعدّ عقدا بين المرشح والجماهير، وهذا النهج معمول به في أغلب البلدان التي تمتع بقدر من الديموقراطية. لذا فمن حق الجماهير أن تحاسب المرشح بالايفاء بوعده الإنتخابي الذي سوقته حملته الانتخابية للمواطن.
لكن الأمر يختلف عندنا في الإنتخابات العراقية، فالمرشح يكذب ولم يفِ بوعده والناخب يعي ذلك ومتيقن بكذب المرشح عليه! فأغلب الناخبين العراقيين هم أصحاب مصالح شخصية ضيقة لا تتعدى تعيين في دائرة، أو (كارت) رصيد، واذا تعدى الأمر أكثر من ذلك فقد يَصِل إلى تبليط زقاق مثلا أو فرشه بمادة (السبيس) وهذا أقصى طموح للناخب وأقصى درجات الصدق لدى المرشح. لم نرَ يوما ان هناك ناخبا اشترط على المرشح تعديل علاقات البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخارجية التي تربطنا مع دول العالم، أو تعديل قوانين الإستثمار والتنمية الإقتصادية والرقابية مما يحد من آفة الفساد المستشري في مفاصل الحياة. ولم نسمع بأن مرشحا وعد بتحقيق التطور الصناعي والزراعي والتجاري والعلمي والحربي، مع علمهما – الناخب والمرشح – بأن هذه الأمور التي ذكرناها هي من صلب عمله الذي جاء إلى قبة البرلمان أو لمقصورة الوزارة لأجله، لا لأجل تبليط زقاق أو فرشه في مادة السبيس وغيرها، لأن تعبيد الشوارع والتطور العمراني في أي مدينة هي مسؤولية مجالس المحافظات وليس مجلس النواب، وإلا فما فائدة مجالس المحافظات التي ترهق كاهل الدولة الاقتصادي، وتفتح لنا أبوابا من أبواب الإنفاق غير المجدي، فمجلس المحافظة هو من ينقذ كافة الخدمات والتشييد والعمران وبناء المعامل والمصانع والاهتمام بالطبقة الفقيرة وتوزيع الدرجات الوظيفية على مستحقيها من أبناء المدينة ..الخ، وخلاف ذلك سينتفي وجود مجالس المحافظات، وسينتفي وجود مجلس النواب في آن معا، في حالة وضعه بديلا لواجب مجلس المحافظة. وهذا يعني أننا إلى الآن نجهل النظام الديموقراطي ونجهل واجبات مؤسسات الدولة وتقاطع صلاحياتها مما يؤدي إلى انهيار البلد واستفحال آفة الفساد كما هو حالنا اليوم.
ليس عيبا أو حرجا فيما لو قلنا بأننا نجهل شيئا ما، وليس عارا على المرء أن يجهل ويطلب العلم والتعلم، فنحن جميعا بحاجة إلى دورات تدريبية وتأهيلية في كيفية انتخاب المرشحين واختيار الأكفأ، والتعرف على واجبات ووظيفة كل من مجلس النواب ومجالس المحافظات لئلا يحصل التداخل بالصلاحيات نتيجة للجهل وسوء فهم المسؤولية الملقاة على عاتق كل منهما، وكذلك بتعريف الناخب بأن الشخص الذي تنتخبه لمجلس النواب ليس له سوى تشريع القوانين، وأما التنفيذ فهو من مسؤولية مجالس المحافظات.
ومن منطلق (لو خُليت قُلبت) فإننا نتوسم خيرا بالخيرين والمخلصين من أبناء شعبنا وساستنا أن يضعوا حدا لهذه المهزلة (الديموقراطية) وإرشاد كل ذي واجب ومسؤولية إلى تنفيذ ما عليه وألّا ينشغل بمسؤوليات غيره. ومن المفارقات إنني سمعت يوما من أحد المرشحين لمجالس المحافظات يعد الناخبين أن في حال فوزه سيعمل لإخراج العراق من البند السابع !! وليت شعري كيف يحقق ما وعد ناخبيه، وكثيرون اؤلئك من قبيل هذا المرشح وكثيرون من الناخبين المغفلين يصدقون، ولا أعلم هل هو يعي ما يقول ويكذب على ناخبيه أم هو أصلا جاهل بواجباته ووظيفته، وهنا فالمصيبة أعظم.