8 سبتمبر، 2024 2:40 ص
Search
Close this search box.

م‪/‬ كسران رقبة … مجتمع الوشاية

م‪/‬ كسران رقبة … مجتمع الوشاية

يحتفظ كل منا بقصة ذلك الشخص الذي قربناه واحسنا اليه وانتشلناه من الضياع ورفعناه من الحضيض الى القمة وقام المجمول بمقابلة كرم وجميل حاتم الطائي بالوشاية بنا الى المدير العام او رئيس العمل لياخذ مكاننا او يصعد فوق اكتافنا.
ليست هذه القصة الاسوء فهناك القريب والبعيد الذي احسنا اليه ووشى بنا الى السلطان ليقودنا الى موت محتم.
الوشاية صفة ذميمة ملازمة للاجتماع العراقي فاينما وجد العراقي وجدت الوشاية ومع ان الوشاية والنميمة ظاهرة خاصة بالبشر دون غيرهم من المخلوقات فانها تخف وتشتد من مجتمع لاخر لكن في الحالة العراقية نراها مرضا خطيرا يفوق كافة امراض المجتمع انتشارا.
طور المجتمع تسمية للوشاية فسماها ( النفاق) بينما كان هذا المصطلح الاسلامي يصف الناس الذين يظهرون خلاف مايبطنون واعطاها مسميات واوصافا اخرى من قبيل ( جولة) وهي الة للنار غير امنة في الاستعمال و ( حاروقة) و ( زلغ واير) كناية عن اماطة لحاء السلك الكهربائي ليكون خطرا فيماكنا نسمي الوشاة خلال وجودنا في الاهوار ( شمشوم).
شيوع الوشاية انتج مقولة ان ( الحائط له اذان).
انتجت الوشاية ملايين الضحايا في العراق تحديدا ويرتفع ضريح الامام موسى بن جعفر عليه الصلاة  والسلام شاهدا على خطورة الوشاية فهذا الامام
المقدس سجنته ثم قتلته وشاية من احد الناس الذين احسن اليهم.
الشاعر غازي ثجيل والفنان صباح السهل والمذيعة سهاد حسن والذي اعتقل وعذب وسجن وقتل او هرب انا وانت وملايين مثلنا ضحايا
لمرض يضرب العراقيين منذ مئات السنين اسمه الوشاية.
لاننسى هنا سفير الامام الحسين الشهيد مسلم بن عقيل فقصته تدور حول مجتمع الوشاة.
اعتقد ان ٩٨ بالمئة من العراقين تورطوا في الوشاية مرة على الاقل في حياتهم وان ٩٥ بالمئة منهم عملوا وشاة للنظام السابق سواء داخل حزب البعث
او جهازي الامن والمخابرات او الجيش او الجيش الشعبي او التشكيلات التي عرفها العراق في تلك الفترة.
واحد بالمئة من العراقيين ربما يحاذر من الوقوع في الوشاية العمدية او حتى غير العمدية وينقي لغته وسلوكه من هذه الافة والخصلة التي تنتن النفس البشرية
وتنزل بصاحبها الى مهاوي الافعال المرذولة.
نتذكر ان المجتمع العراقي هو مجتمع ابو اللزمة فافراد هذا المجتمع كل منهم يريد ان يلزم على الاخر لزمة وان لم توجد لزمة اوجدها ومصطلح
لزمة متداول بقوة في الاجتماع العراقي وكان الانسان يعيش في وسط من الغستابو وقوات ال اس اس فضلا عن السي اي اي وال كي جي بي
وال اي ام.
يزداد سلوك الفرد العراقي خطورة وقت التجمعات القسرية او الاضطرارية واي تجمعات اخرى كاماكن العمل وتستحيل الشخصية مهما كان مستواها
التعليمي ومنزلتها الاجتماعية وجنسها الى مخبر قزم حول اكثر الامور خصوصية وتفاهة.
بما ان هذا المجتمع ليس فيه قنوات لتنظيم الزواج فان الزيجات تعتمد على الاخبار الشخصي ونتيجة مرض المجتمع تقع مئات الالاف من النسوة ضحية
لوشاية تدمر حياتهن وتقعدهن عن الزواج اذ يكفي ان يقول المخبر الواشي ( يمعود عوفنا) او ( يمعود شحجيلك) او ( مالكيت غير هاي) او ( مم) او (مو راحة)
او ( شوية خفيفة) او ( هزة يد ) او ( رجاء مااريد اتدخل بهذا الموضوع) حتى تفقد المسكينة فرصة الزواج اما اذا كان ضمير الواشي صاحيا وقرر المضي قدما
في التعريف الكامل  مستخدما محرك البحث غوغل فقد يضع حياة المراة التعيسة على حافة الخطر.
العائلة كما النظام السياسي شجعا على نمو هذا المرض عبر الاجيال ولاننسى البصمة النفسية لكل شعب فالعائلة تدرب الطفل على الوشاية مع النطق ( ماذا قال فلان)
اما النظام السياسي فقد استحدث نظام البعث كما النظام الحالي منظومة للوشاية وقد صمم نموذج للوشاية بعنوان تقرير وفيه حرف ميم يرمز الى الموضوع وخط مائل وهي علامة ترقيم ثم الموضوع الموشى به وقد كانت الوشايات في عهد نظام صدام حسين تدور اغلبها حول الوشاية بالمعارضين او الناس العاديين لكلمة تفوهوا بها  واحيانا لايكون هناك موضوع انما تلفق تهمة لاوجود لها وكان الضحايا وقتها غالبا مايتم اتهامهم بالانتساب الى حزب الدعوة بعد ان اشتد الطلب على هذا الحزب واصبحت تهمة الانتماء اليه تؤدي الى الاعدام.
لكثرة مامر بي من قصص وغصص استطيع الادعاء بانني اكثر شخص تعرض للوشاية وقد يتفهم المرء مثلا ان بعثيا يشي بك الى رجال الامن او الى حزبه
او ان اسلاميا يشي بك الى الاسلاميين او شيوعيا يشي بك الى الشيوعيين اما ان بعثيا كتب رسالة بالدم الى صدام حسين وهي موثقة يشي بك الى اسلاميين كنت انت معهم وكان هو يكتب التقارير التي قادت لاعدام الكثير منهم فهذه كاشفة لحجم المعاناة التي يعيشها الانسان الشريف في هكذا مجتمع.
ان قصة سهاد حسن هي قصة الانسان العراقي المعذب بيد الانسان العراقي المريض.
قلنا ان الانسان كائن قديم سلوكة مكتشف لذلك لامفاجئات بالنسبة لي.
في مجتمع كهذا يحاول الافراد فيه الانتقام من بعضهم كيف لنظام ديموقراطي ان يعتمد الوشاية كمبدأ من مبادئ العمل الامني؟ اليس الواجب ان تقوم الاجهزة الامنية باعداد مهني لافرادها ليتولوا جمع المعلومات الامنية لحماية المجتمع بانفسهم حتى لايتم استنساخ نموذج ميم خط مائل كسران رقبة؟
الى متى دوامة مجتمع الوشاية؟
‫……………………………………………‬
[email protected]
* طالب الشطري سابقا

أحدث المقالات