19 ديسمبر، 2024 12:51 ص

التبعية عبودية والمتبوع يستثمر في التابع ويسخره لتحقيق مآربه وتطلعاته , ولا يعنيه من شأن التابع إلا أنه يمثل إرادته ويحقق أوامره وينجز مشاريعه , وأي خلل في هذا السلوك يعني التخلص من التابع وإستبداله بآخر وهكذا دواليك.
وعلة بعض المجتمعات العربية أنها تستلطف التبعية وتتلذذ بعدم المسؤولية , فهي تريد أن تكون بريئة رغم إشتراكها الفظيع بالجريمة , وتتوهم بأن المجرم هو المتبوع الذي فعل ما فعل , وتحسب أن تظلمها سيقيها من المخاطر والتداعيات ويضع على رأسها تاج الأمنيات , وهي في غفلة من المتبوع الذي يأخذها لتلقى مصيرها في سلال المهملات.
فكل تابع مشلول الإرادة وكل متبوع مستبد الإرادة ومطلق القرار , وهذا قانون ينطبق على أصغر السلوك وأكبره , ففي الأنظمة الإجتماعية والسياسية والهندسية والفيزيائية وكل ما يتحقق في عالم وجودنا , يكون مصير التابع بقبضة المتبوع , وما يصيب المتبوع يصيب التابع وما يصيب التابع لا يؤثر بالمتبوع.
ووفقا لهذا القانون فأن ما يصيبنا من فعل المتبوع الذي يسخرنا لما يراه ويسعى إليه , وما يصيبنا هو من صنعنا لأننا قد ألزمنا أنفلسنا بالتبعية , أي أن التأثير على وجودنا يكون مضاعفا ومتواصلا ومعقدا.
ولا يمكن لتابع أن يملك حرية تقرير المصير إذا لم يتخلص من التبعية ويبني قوته الذاتية ويعزز وجوده الذاتي والموضوعي , ويحمي وعاء صيرورته وإنطلاقه إلى أهداف يرسمها ويمضي إليها وبطاقاته الحرة المتفاعلة.
وكأن التبعية سلوك إدماني يقع فيه البشر ولا يمكنه التخلص من وطأته وأعراضه الإنسحابية السلوكية الشديدة التأثير , خصوصا عندما تضعف آليات الضم الوطني , وتنمحق علائم الإقتدار التفاعلي الضامن للصالح المشترك في أي مجتمع , عندها يميل البشر للتبعية المقيتة والسقوط في حبائل المسَخرين لإمتهانه بعناوين مؤثرة فيه , وهم في ذاتهم من التابعين لقوى تمدهم بالقدرة على صناعة الأتباع لتمرير مشاريعها الخفية , فلا يمكن لمن يرتضي بالأتباع المنومين إلا أن يكون تابعا لقوة أخرى أوجدته أو إستثمرت فيه.
فالتبعية دائرة مفرغة من السلوكيات التي تعزز ديمومتها بالتكرار والإقران والتدويخ المبرمج الذي يعتقل الإدمغة ويؤهلها للإذعان والإمتهان , وهي راضية وممتنة للفاعل فيها كما يشاء.
وهذه التبعية لا يمكنها أن تساهم في بناء الحياة الديمقراطية , ولا تتوافق مع معطيات العصر الذي يجب أن يكون الإنسان فيه قوة ذات نسبة مهمة من حرية تقرير المصير والعمل الحر الأصيل , فقوة المجتمعات تنبع من تواصل طاقاتها الحرة وتفاعلها الوثاب.
وما دامت بعض مجتمعاتنا متورطة بسلوك التبعية وعدم القدرة على الإنفكاك من أسرها , فأن الشرور ستتواكب والخطوب تتعاقب , فتحرروا من التبعية لينصركم الله!!