تساءلت قبل أكثر من عقدٍ مضى , ولم أجد الجواب الصادق , وإنما أجوبة ذات جوهر تبريري وتسويغي ودفاعي وتمريري لا تمت بصلة للسؤال.
وسبب السؤال أن الدستور يثير أسئلة خطيرة وفيه مواد عدوانية وتدميرية وتمزيقية , وهو يناقض ويتقاطع مع دساتير الدول المعاصرة , أو إن شئت الدول التي أسقطت الدولة العراقية في ألفين وثلاثة , والتي بدعوى إقامة الديمقراطية المفبركة دعت لوضع دستور.
وقد لا يعرف الكثيرون ( رغم ما يفبركه الآخرون) أن العراق قبل ألفٍ وتسعمائة وثمان وخمسين , كان دولة دستورية لديها برلمان وتجري فيها إنتخابات , وكان للدستور حرمة وللقوانين قوة وفعالية صارمة في الحياة , لكن الدستور العراقي تم إلغاؤه فإنتهت الحياة الدستورية منذ ذلك الحين , ولو عدنا إلى ذلك الدستور لوجدناه أكثر تقدما ومعاصرة وإنسانية ووطنية من الذي يسمونه (دستور).
والسؤال الذي طُرحَ في حينها لماذا لا تعودون إلى ذلك الدستور وتحررونه؟!!
لكن (دستورا) جديدا تم إعداده ولا يُعرف أين , ومَن الذي كتبه , ومَن الذي أبدع مفرداته وأفكاره الفتاكة , ومَن الذي أقنع الأطراف بقبولها والتغني بها , والعمل بموجبها؟!!
والمتصفح للدستور يجد فيه لمسات معاهدة سايكس بيكو ولكن على رقعة مصغرة , ففي تلك المعاهدة هناك العديد من المناطق المتنازع عليها , وهذا ما تضمنه دستور يُحسب على أنه وطني , كما أن فكرة (المحاصصة) من أخطر ما فيه وهي تهدف إلى تمزيق المجتمع وتفتيت الوطن وإذكاء الحروب الأهلية والطائفية , ذلك أن النَفس الطائفي فاضح وصارخ في (الدستور).
ولا يمكن لدولة أن تكون بخير وهي محكومة بآليات إنهاكها وإضعافها وإستنزاف طاقاتها وإشاعة الفساد فيها , وتدّعي بأنها تُحكم بدستور.
إن هذا (الدستور) يتوجب إعادة صياغته , وأن تحذف منه كلمة المحاصصة والمناطق المتنازع عليها والمادة مئة وأربعون , والعديد من المواد المدمرة للوطن والمجتمع.
فالدستور يجب أن يكون مؤكدا على الوطن الواحد والمواطن الواحد والمواطنة الواحدة , والسيادة الواحدة , وأن يحمي المواطنين من جور السلطة ويعزز حريتهم وقيمتهم ودورهم في بناء الحياة الحرة الكريمة , وعليه أن يتطهر من كل مادة فيها ما يفرّق ويمزّق ويمنح أعداء الوطن منفذا لإفتراسه وإستنزاف طاقاته وقدراته.
أ فلا تجدون أن هذا الدستور هو العاهة الكُبرى التي أجهزت على الوطن بإسم الديمقراطية , وما هو إلا ساطور لتقصيب وطن!!
فلا عيب في الوطن والشعب والدين والمذهب والعرق والقومية , وإنما العيب الأكبر في الدستور!!
فاعيدوا كتابته بقلوب وعقول عراقية حرة , وأبعدوا الدين عنه , وإلا فأن الزمن قد أكد وبرهن بأنه دستور شارك بكتابته أعداء الوطن والمواطن والدين!!