23 ديسمبر، 2024 6:09 ص

مَن المتمكن من إطفاء نار العراق؟

مَن المتمكن من إطفاء نار العراق؟

غير خاف على أحد أن الكتل السياسية والأحزاب التي هيمنت على الساحة في عراقنا لا تجيد إلا إشعال الحرائق وإختلاق الأزمات .وتفتش عنها بشق الأنفس ,لا لشي إلا إستحواذ أكثر على السلطة والجاه والمال. دون إكتراث لما أصاب البلد من خراب ودمار وشلل عام .
الشعب يراقب بقلق تصرفات هؤلاء, وتراشقهم بتهم الفساد او المشاركة في الأرهاب والأنفراد بالسلطة ومصادرة القرار. وبعض هذا صحيح. وبعضه مفتعل.وكل هذا عائد الى فشل العملية السياسية ومسيرتها المتعثرة .لأنها بالأساس بُنيت على خطا فادح .وأهم ما في هذا الخطأ وأخطره هو الدستور الذي كُتِب بخبث ماهر مدمر, بقصد وإصرار, وتوجيه ودفع أجنبي. ولكن تمَّ هذا بيد عراقية وهي أيادي هذه الكتل جميعاً دون إستثناء. وهم يعترفون بهذا. ويُلقون باللائمة عليه لأنه هو سبب أغلب الأزمات والأعاصير التي يمر بها العراق. ولكنهم ومع الأسف الشديد لم يتحركوا قيد أنملة لتصحيحه أو نسفه عن بكرة أبيه ,أو إعادة الأستفتاء عليه ,كأقل ما يمكن أن يقدموه لشعبهم الذي وعدوه بشتى الوعود. ولكنهم خذلوه أيما خذلان.
تتوجه السهام نحو السيد المالكي بألوان وأشكال وصيغ شتى. ويلقون عليه باللائمة ويخالفونه في أي رأي أو إجراء ,ولو كان صحيحاً, ويصب بمصلحة الأمة .فالأزمة مع الأخوة الكوردتتمحور حول محاولة الكرد إستغلال النفط والغازخلاف رأي الحكومة الأتحادية ,مع إن الدستور يقول إن النفط والغاز ملك لعموم الشعب العراقي. ولكنها نزعة الهيمنة وإستغلال ضعف حكومة التحاصص .والخلاف أيضاً على أراضٍ سموها متنازع عليها وهي أراضي مختلطة .فمن أين جاء هذا النزاع ولماذا ؟في كل العالم توجد مثل هذه الحالة. ولكن عقلاء تلك الأمم حلوها بهدوء ومحبة, إلا الدول المتخلفة. فشأنها في الأختلافات الحروب والنزاع المسلح.
وجاء الخلاف اخير على تشكيل قوات دجلة . وهم يعلمون إن من حق الجيش الأتحادي التحرك والتجحفل والمعسكرة في أي جزء من العراق. فجيش العراق هوللعراق كله. وما قوة البيش مركة إلا جزء لا يتجزأ من قوات الجيش العراقي. ولكنهم تصرفوا بما يهين جيش العراق وشعب العراق لأستقوائهم بهذا الدستور الملغوم. وكأنهم دولة أخرى مسقلة. وهكذا بدأت النيران تشتعل فوإجهت البلاد أزمة خطرة تنذر بالويل والثبور وعواقب الأمور.
أما الأحزاب الأسلامية لأخوتنا  العرب السنة . فلقد إستغلت قضية حماية السيد العيساوي لتشعل نار الفتنة الطائفية. ولكن شعبنا في هذه المناطق وأخيارها تنبهوا للأمر وخطورته  وخرجوا عن السرب الطائفي وتمسكوا بوحدة العراق أرضاً وشعباً.
كل هذه الحرائق المشتعلة مسؤولية إطفائها تقع على السيد المالكي بالدرجة الأولى.ولكنه ومع شديد السف لم يكن بارعاً في سياسته ولم يشر عليه مستشاروه بالنصيحة الناصحة الصدوقة.وأبسط دليل على هذا رفض السيد المالكي لقرار مجلس النواب بتحديد مدة الرئاسات الثلاث بولايتين.وهذا يعني تمسكه بالسلطة وعدم الأرتياح للتداول السلمي وماتبديل الأشخاص والقيادات إلا شكل ديموقراطي متحضر, فالحاكم كلما طال زمن حكمه توسعت حاشيته, ونشط الإنتهازيون ممن حوله فيتمكنوا من الأستحواذ على مقاليد الأمور وإستغلال الدولة ومواردها بشكل أسهل.وهذا يعني فساد أعم وأشمل. وهم الرابحون وهو الخاسر. فعند تغيير الحاكم تتغير معه غالبية المحيطين به.وتأتي وجوه جديدة. و تنشأ سياسة جديدة وتجديد في كل شيء. وما بقاء الحاكم إلا إبقاء على سياساته ونهجه وإن كان في غير صالح الشعب .وهنا لقد ساهم السيد المالكي في تأجيج الأزمات اكثر وساهم في إشعال حرائق أكبر.
كان بإمكان السيد المالكي نهج سبل الحوار المباشر وكسر الجليد. فلو توجه الى شمال الوطن. وإلتقى بالسيد البارزاني بشكل مباشر. وناقش معه الأمور دون شروط. أليس هذا يمكن أن يُفضي الى حلحلة كثير من الأمور. فلماذا إختار طريق الصراعات؟ وسلك العلاقات السلبية مع شركائه في العملية السياسية.هل المهم أن يُعقد الأجتماع في بغداد أو اربيل أو النجف؟أم المهم النجاح في تفتيت المشاكل وحلها ؟
السيد المالكي يعلم أن الدستور بوضعه هذا وصيغه هذه ليس فيه إلا التلهكة للشعب وتدميره. فلماذا لم يتبنَّ موضوع تعديل هذا الدستور أو إلغاءه أو تجميده وكتابة دستور آخر؟علماً بأنه شخصياً ساهم بكتابته.وإن حزبه الآن من أكثر الأحزاب تمثيلاً بمجلس النواب.فلماذا لم يتبنَّ التعديل؟
السيد المالكي يعلم ويعي ويدرك إن قانون الأنتخابات بشكله الحالي لا يمكن أن يوصل الممثلين الحقيقين للشعب الى قبة البرلمان . فلماذا لم يبادر الى إصلاح هذا القانون ويقدم مشروع قرار بهذا الى مجلس النواب.
كل الشعب يعلم أن  عيوباً في قانون المسائلة والعدالة وفي تطبيقاته الإختيارية والمزاجية والطائفية. ولم يبادر السيد المالكي ولاكتلته النيابية بأي مبادرة للتعديل أو النزاهة في التطبيق.
إهتزت صورة العدالة في العراق وسوء إستخدام القانون وخاصة المادة 4 إرهاب .  ولم يتقدم السيد المالكي بأي حل إلا بعد أن قامت قيامة خصومه السياسين. وتطورت الأمور الى ما لا يُحمد عقباه .وجاء إطلاق سراح بعض الأبرياء والنساء ولكن بعد خراب البصرة وبعد أن اعطى السيد المالكي بيده الأعذار والتبريرات لممارسات الشحن الطائفي الخطر.
كل هذه الحرائق التي يشعلها خصوم السيد المالكي يساهم هو وحزبه في إشعالها أكثر. فكان الأجدر بهم الأقرار بالواقع الفاسد في العراق الذي يحتاج الى إصلاح جذري.فهو إذن المتمكن من إطفاء هذه الحرائق ولكنه فشل في هذا .مع الأسف الشديد ولم نكن نتمناه له. و هوبهذا خطَّ بيده نهايته السياسيه.وعليه الأعتراف بهذا بشجاعة.
من المؤكد إن العملية السياسية في العراق فشلت وبحاجة الى تغيير جدري بأسلوب جديد وعلى أسس, جديدة تتفق مع واقع العراق الأثني والسياسي والقومي.وإلا فإننا نسير بالبلد الى المجهول.
 ولكن لم يَفُت الوقت بعد فإن طرفان في العراق يمكنهما إطفاء النار الملتهبة,وإعادة بناء العملية السياسية . الطرف الأول السيد المالكي إن تحلى بالشجاعة والحنكة فبإمكانه إطفاء هذه الحرائق التي سيستعر أوارها بلا شك.إن بقيَّ الوضع على حاله وبإمكانه وبيده إطفاء هذه الحرائق وإخماد النار, والبدء برسم خارطة طريق لعملية سياسية بناءة وذلك بتقديم إستقالة وزارته. ففيها الخلاص له وللعراق. والطرف الثاني وهو الأهم وهيَّ المرجعية الدينية العليا .التي يتمنى عليها الشعب أن تتدخل وتنصح السيد المالكي بتقديم إسقالته حفاظاً على العراق وشعبه المبتلى….حفظ الله العراق وشعبه .