أسعار النفط في ارتفاع، وستبقى كذلك حتى نهاية العام في الأقل .. هذا يعني أن موازنة دولتنا التي صُمّمت بعجز كبير، كان سيُغطّى بالدين الخارجي، من المقدّر لها الآن أن تردم فجوتها وتسوّي هذا العجز، بل تسجّل فائضاً.
موازنة العام الحالي وُضعت على أساس أًنّ سعر برميل النفط لا يتجاوز 46 دولاراً أميركياً، فيما هو يقف الآن عند أعتاب الـ 70 دولاراً. ومع تصاعد وتيرة العقوبات الاميركية لإيران، وهي تركّز على مقاطعة صادرات إيران النفطية، ومع استمرار الحرب الأهلية الليبية التي تكاد تنحصر في مناطق إنتاج النفط وتصديره، فإنّ السعر سيرتفع أكثر، علاوة على أن مستوى صادراتنا النفطية يتصاعد هو الآخر شهراً بعد شهر.
هذه أخبار طيبة بالطبع على صعيد معالجة عجز الموازنة للعام الحالي وربما تحقيق فائض معتبر، وأيضاً على صعيد إعداد موازنة للعام المقبل خالية من العجز.
لكنّ الأهم من هذا كلّه هو الكيفية التي ستدير بها الحكومة (الحالية والمقبلة) الأموال المتحصّلة عن هذه الزيادة الكبيرة في العائدات النفطية. المنطق يقول إن الحكومة ستنتهز الفرصة لتوجيه هذه العائدات نحو مشاريع اقتصادية وخدمية تمسّ الحاجة اليها ويمكن أن يكون لها دور في المساعدة على الانعتاق من عبودية النفط. هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها فشلت في استثمار موارد البلاد على النحو الصحيح والسليم، بل إن آخر حكومتين تولّتا السلطة قبل الحكومة الحالية بدّدتا ثروة هائلة بمئات مليارات الدولارات على مشاريع فاشلة فضلاً عن الفساد الإداري والمالي الذي استحوذ على الحصة الأكبر من عائدات النفط على مدى سنوات،ممّا ساهم بدرجة كبيرة في فشل المشاريع الاقتصادية والخدمية وفي استشراء الفساد الإداري والمالي وعدم الشفافية في العمل الحكومي، خصوصاً على صعيد الإنفاق. أبرز مثال لهذا أن الدستور ألزم بأن تقدّم الحكومة كل سنة مع مشروع الموازنة الجديدة كشفاً بالحسابات الختامية لموازنة العام السابق، بيد أن أيّ حكومة لم تلتزم بهذا أبداً. المشكلة أن مجلس النواب المزعوم بأنه يمثّل الشعب لم ينهض بواجبه في هذا الخصوص، فلم يحدث أن أثار هذه القضية وطلب وقف مناقشة الموازنة الجديدة قبل تقديم الحسابات الختامية على وفق الاستحقاق الدستوري. والعلّة معلومة، هي أن الغالبية العظمى من النواب لم تكن معنية بغير امتيازاتهم وأحزابهم، ولهذا وقف الرأي العام العراقي بقوّة ضد التمديد لمجلس النواب الأخير، فمَنْ لم يكن منه نفع في الأول لن يُرتجى منه خير في الآخر.
إلى جانب هذا، معلوم أن المحافظات ومؤسسات الدولة لا تُنفق في العادة كلّ تخصيصاتها المالية، ومن المفترض أنّ المبالغ غير المصروفة تعود إلى الخزينة، لكن لم يحصل أن عرفنا في أي سنة من السنين كم من الأموال لم يُنفق وكم أُعيد الى الخزينة وكم تبدّد في فضاء الفساد الإداري والمالي الواسع.
تفعل خيراً حكومة حيدر العبادي التي لم يكن لها، هي الأخرى كسابقاتها، سِجلّ مشرّف على الصعيد الاقتصادي والخدمي، إنْ هي ختمت حياتها بمأثرة الكشف عن مصير أموال الشعب هذه.