19 ديسمبر، 2024 6:08 ص

مَنْ هو الفائز ومن هو الخاسر ؟

مَنْ هو الفائز ومن هو الخاسر ؟

-1-
لا يستطيع باحث مُنصف أنْ يغمط حقّ حزبٍ مناضلٍ عريق – كحزب الدعوة الاسلامية – الذي كانت له مواجهاتُه الساخنة للدكتاتورية البائدة، ومواقِفهُ الصلبة في الدفاع عن الدين والشعب والوطن .

لا نقول ذلك الاّ من باب النظر الى الأمور بعين الحقيقة والموضوعية ، بعيداً عن العواطف والانحياز .

إنّ تاريخه ناصع وضّاءً لم تَشُبْهُ الشوائب التي لحقت بكثير من التنظيمات الحزبية ….

ولقد صاغ الامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر –رضوان الله عليه – أسسه الفكرية ، وحدّد أهدافه، ومنهاج عمله، فكان ذلك مبعثَ اعتزازِ رعيلٍ كبير من عيون المؤمنين بشرف الانتماء اليه والعمل ضمن إطاره .

-2-

ولا نغالي اذا قلنا :

بانّ الدعاة الميامين كانوا أمل الأمة في تحريرها من براثن الظلم والظلام، وايصالها الى مرافئ العزّة والكرامة .

-3-

ولا شك بان تسنم العديد من كوادر الحزب للمناصب والحقائب – بعد سقوط الصنم الكبير –، وتلكؤ بعضهم في تحقيق الانجازات الباهرة ، ونزوع البعض الآخر الى الذاتية والفئوية في ممارساته، أثّر سلبياً على تلك الصورة البرّاقة …

والتفكيك بين الحزب وَبيْن ممارسات بعض أعضائِه، ممن سُجّل عليهم الفساد المالي والاداري، عملية صعبة وفق المنظور الاجتماعي العام .

-4-

وقد اتسمت – للاسف الشديد – السنوات الثمان من ولاية الاستاذ نوري المالكي بسمات عديدة أخطرها :

الانفلات الأمني ، وشدّة الهجمات البربرية التي قادت بها الجماعات التكفيرية واخوانهم من الرضاعة الى الحدّ الذي نغص حياة الناس .

وثانيهما :

تدني الخدمات وشيوع آفة الفساد المالي والاداري الذي هو صنو الارهاب ورديفُه .

وثالثها :

الاستحواذ على القرار السياسي والامني بعيداً عن الشركاء في الحزب والحكومة .

ورابعها :

توفير الفرص الكبيرة لاتساع نفوذ بعض من يمت اليه بنسب أو سبب .

-5-

ان هذه الاسباب يكفي الواحد منها لا الجميع – الى أنْ يبادر المالكي للخلاص من ثقل المسؤولية وأعبائها الملقاة على عاتقه، وقد واتته فرص كثيرة، أهمُّها فرصتان، كان عليه انتهازهما لتحقيق الغاية ، ولكنه لم يفعل..!!

كان عليه منذ أن صوّت حوالي (180) نائباً –من الدورة النيابية المنتهية ولايتُها – على جعل رئاسة مجلس الوزراء لدورتين فقط لا أكثر، أسوة برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ، ان يستجيب ويعلن ذلك ولكنه لم يفعل .

إن الشعب العراقي استمع اليه وهو يقول :

ان مدة 8 سنوات كافية لرئيس الوزراء ، اذا كان صاحب كفاءة ومنهج صحيح ، ان يحقق أهدافه … ولكنه عاد وأصرّ على الاستمرار في ولاية ثالثة أثيرت حولها العديد من الاعتراضات …

أما الفرصة الذهبية الأخرى فهي دعوة المرجعية الدينية العليا متمثلة باية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله للتغيير،وعدم التشبث بالمنصب، ولكنه – للاسف – أصرّ على عدم الاصغاء اليها …

-6-

ان مجموعة من القياديين في حزب الدعوة الاسلامية، كتبوا رسالة الى المرجع الأعلى الامام السيستاني دام ظله وأجابهم خطيّاً بانه مع اسناد رئاسة مجلس الوزراء الى شخص جديد .

ومع هذا أصر المالكي على عدم التنحي ..!!

لقد كسب حزب الدعوة الاسلامية الجولة حين أعلن عن أنه مع توجيهات المرجعية الدينية العليا .

وعلى ضوء هذا التوجيه اختار التحالف الوطني ان يكون الدكتور حيدر العبادي مُرَشَحَه لرئاسة الوزراء .

وجاء هذا الاختيار موفقاً ، وحظي بدعم وطني واقليميّ ودولي ، وحسمت المسألة …

-7-

ان التهديد بفتح ابواب جهنم على العراق ، واللجوء الى التطفيف من اختيار التحالف الوطني، لزميلٍ وصديق لرئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايتُه ، والتلويح بانّ وراءه لوناً من التآمر … الى آخر ما طفح على السطح من كلمات مغموسة بالتشنج والتعريض برموز الدولة الكبار وقادتها ، لم يكن مقبولاً على الاطلاق .

-8-

والسؤال الآن :

إنّ الذي يتعامل بهذه الدرجة من الحدّة مع الرؤساء، كيف يكون تعامله مع الفقراء ؟!

إنَّ المالكي اختار (الخسارة) فلن يعود الى مجلس الوزراء رئيساً ، بعد كلّ هذه الفصول .

بينما فاز (الحزب) بترشيحه للعبادي ، القيادي المناضل الاكاديمي ، الذي توافق عليه معظم القياديين في التحالف الوطني ، ورحّب به الآخرون .

ندعو الله سبحانه ان يكلل مساعيه بتشكيلِ وزارةِ وحدةٍ وطنية قوية قريباً، تدحر الارهابيين (من داعش وأضرابها) وتُدخل الطمأنينة والسكينة في قلوب العراقيين جميعاً : بعربهم وكردهم وتركمانِهم وأقلياتهم ، بمسلميهم ومسحييهم وصابئتهم وايزيديهم وباقي أقلياتهم..،

وأنْ يجعل العراق ظافراً منصوراً،

وان يوفق السياسيين العراقيين لنبذ الصراعات والخلافات في ظلّ هذا المنعطف الخطير الذي يواجهه العراق،

انّه سميع الدعاء قريب مجيب .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات