بعد الأهوال الكبرى ، التي عاناها المواطنون العراقيون في العاصمة بغداد ، والعديد من المحافظات الأخرى ، بسبب الأمطار الغزيرة ، التي تتابعت وشكلّت بحيراتٍ من المياه اقتحمت البيوت ، ودمرّت أثاثها ، وشرّدت أهليها الى سطوح المنازل أو الى مناطق أخرى ، وغطّت الشوارع وعطلّت حركة السير فيها ، ناهيك عن الانهيارات المرعبة للكثير من الدور ،وسقوط العديد من الضحايا ، الأمر الذي يمكن القول معه : اننا أصبحنا أمام مدنٍ (منكوبة) ، وفق المصطلح الشهير
والسؤال الآن :
مَنْ هو المسؤول عن كل ذلك ؟
أهي الحكومة الاتحادية ؟
أم الحكومات المحلية ؟
وفي العاصمة بغداد كثر الجدال حول تحميل المسؤولية عن ذلك ( أمانة بغداد) أو (محافظتها) وقد دفع امين بغداد بالوكالة الثمن ..!!
وفي الاثناء ، كثر الحديث عن (الصخرة) و (الموامرة الخطرة ) واعتبر بعضهم ان الاحتمالات مفتوحة لتشمل أطرافاً (خارجية) و(داخلية) هذا فضلاً عن أنَّ جام الغضب، قد انصب على المواطنين انفسهم، الذين يُلقون في المجاري الكثير من النفايات التي تؤدي الى انسداد المجاري …
وباختصار : لقد اشتد السعار ، انه سعار التراشق بين العديد من الأطراف الحكوميّة والسياسيّة وبلغ مديات قياسيّة …!!
وكلٌ ينفي تبعات المسؤولية عن نفسه ،ويلقيها على عاتق غيره ..!!
والمتابع للإعلام ، وما نُشر في الصحف والمواقع الالكترونية ، يجد ان التعليقات الساخرة كان لها الصدارة ازاء هذا الحدث ، حتى لقد عدّه البعض متهكما : بانه تطور نحو الأحسن ، فقد صارت (بغداد) (فينيسيا) ..!!
وبلغت الانفعالات النفسية والوطنية ذروتها ، حين كتب أحد رجال الاعلام مقالة منح فيها صك البراءة لجميع المسؤولين العراقيين كباراً وصغاراً ومن دون استثناء ، وجعل المواطنين مسؤولين عما حلّ بهم ، فقد جنت براقش على نفسها ..!!
أما الحيثيات الموجبة لذلك فَهِيَ أن الأصابع البنفسجية جاءت بكل اولئك ، وبالتالي فان أصحابها هم سبب الكارثة ..!!
ونحن نرى ان المقالة المذكورة أصابت كبد الحقيقة، حين ذكرّت المواطنين بسوء اختياراتهم في عملية الاقتراع ، حيث انها جاءت بعيدة عن الالتزام بالضوابط والمعايير الموضوعية ، واستندت – في معظمها – الى عوامل طائفية وعشائرية ، ومصالح شخصيّة، فأبتلي البلد بالفاشلين، وبمن لاقدرة لهم على النهوض بواجباتهم، كما ابتلي بالفاسدين والبارعين بفنون النصب والابتزاز والاستحواذ على المال العام ، ومواصلة اطلاق الأكاذيب والوعود المعسولة دون خجل أو حياء ….
إلا اننا لسنا مع كاتب المقالة المذكورة في تبرئة المسؤولين جميعاً من تبعات التقصير ، والاهمال المتعمد لشؤون البلاد والعباد .
اذا أخطأ الناخب ، واختار مَنْ ليس مؤهلاً لتسنم أعباء المسؤولية ، فَهَل يعني ذلك ان المسؤول المنتخب – لا عن جدارة واستحقاق – يحق له التهاون والتقصير في شؤون المواطنين ؟!
أين (اليمين)الذي أدّاه بان يعمل ب (تفانٍ واخلاص) لخدمة الوطن والمواطنين ،
أين الجهد الذي بذله في مضمار الخدمة، ليستحق به الرواتب والمخصصات والامتيازات ؟!!
أين الدافع الوطني الذي لابُدَّ الا يغيب عنه لحظة، ليكون الملبيّ الأمثل لندائه، في العمل الحثيث المتواصل من أجل بنائه ورفعة أبنائه ؟
أين الشوق اللاهب للحصول على شرف الإسهام بخدمة الوطن والمواطنين؟
ان الواجب الشرعي والوطني والسياسي والانساني يحتّم على كل مسؤول ان يستفرغ في مضمار الخدمة العامة ، وبناء البلد وإعمارِهِ على أحسن الوجوه وأكملها …
وعلى هذا فلا يُعفى مسؤول واحد من تبعات التقصير ، فما معنى كتابة صكوك البراءة للمسؤولين أجمعين ؟!!
واذا كان الغرض من المقالة، هو تحريض المواطنين العراقيين على التزام الدقة في من ينتخبونهم للدورة القادمة ، فان ذلك مسلك سليم وتثقيف سياسيّ ضروري ، ولكن لا باصدار صكوك البراءة للمقصرين والمتهاونين بحق البلد وأبنائه …
[email protected]