23 ديسمبر، 2024 2:45 ص

مَنْ أجدر بالعقاب عن تزوير الانتخابات؟

مَنْ أجدر بالعقاب عن تزوير الانتخابات؟

سيكون أمراً حميداً وصحيحاً وسليماً أن تُعاقب مفوضية الانتخابات، أو مسؤولون أو موظفون فيها، إذا ما ثبت أنّ للمفوضية أو هؤلاء المسؤولين أو الموظفين دوراً في عمليات التزوير التي طالت العملية الانتخابية الأخيرة .. التزوير جريمة، ولا ينبغي لجريمة أن تمرّ من دون عقاب.
لكنْ …
هل المفوضية ومسؤولوها وموظفوها الذين سيثبت تورّطهم في هذه الجريمة يتحمّلون وحدهم المسؤولية عمّا صار ودار وجرى؟
ليس من العدل والإنصاف ترك المزوّرين من غير عقاب، وليس من العدل والإنصاف أيضاً حصر العقاب بالمفوضية ومسؤوليها وموظفيها. هناك أطراف آخرون مشاركون في هذه الجريمة يتعيّن أن تنالهم حصّة من العقاب.
أول هؤلاء الأطراف مجلس النواب نفسه ،لأنه كان دائماً يصرّعلى التجاوز على استقلالية المفوضية بجعل مسؤوليها يتعيّنون في مناصبهم على أساس المحاصصة. ومجلس النواب أصرّ دائماً أيضاً على رفض فكرة أن يكون في قوام الهيئات المشرفة على العملية الانتخابية قضاة، فيما يستقتل الآن النواب الذين خسروا في الانتخابات الأخيرة على ضمّ قضاة إلى الهيئات التي ستتولّى إعادة العدّ والفرز لنتائج الانتخابات، أو قصر المهمة على القضاة وحدهم واستبعاد المفوضية!
مجلس النواب هو كذلك المسؤول الأول عن تشريع قانون الانتخابات الذي لا يضمن عدالة وإنصافاً في اختيار الشعب لممثليه. ظلّ المجلس يرفض بعناد تعديل قانون الانتخابات على النحو الذي يضمن العدالة والإنصاف، ويتشبّث باختيار صيغة من نظام سانت ليغو تكون في مصلحة القوى والكتل الكبيرة على حساب القوى الصغيرة والمرشّحين الأفراد.
مجلس النواب هذا يتشكّل في الأساس من القوى المتنفّذة في العملية السياسية، وبعضها له أذرع مسلّحة يعرف الجميع أنها كانت على الدوام تتدخّل في العملية الانتخابية لتوجيه نتائجها في صالح القوى التي تمثّلها.
العمليات الانتخابية السابقة، برلمانية ومحلية، كلّها اُرتُكِبت فيها عمليات تزوير، كانت دائماً لصالح القوى المتنفذة والرؤوس الكبيرة فيها التي لم تغدُ متنفّذة وكبيرة إلا بسرقة المال العام، ومَنْ غيرها قادر على التزوير بكل أنواعه وأشكاله وفنونه، وعلى سرقة المال العام؟ .. هذه المرّة فقط تراجعت أوزان القوى المتنفّذة في الانتخابات وسقطت بعض رؤوسها الكبيرة.. هذا غير راجع كلياً الى عمليات التزوير إنّما الى أنّ العراقيين ما عادت تنطلي عليهم أكاذيب القوى المتنفّذة ورؤوسها الكبيرة، ولا عاد لخطابها الطائفي صدىً بين الاوساط الشعبية. هذه القوى ورؤوسها الكبيرة لا تريد الاعتراف بهذا. تبحث عن كبش فداء. المفوضية كبش فداء جيد، فهو كبشها الذي ربّته وسمّنته.
مجلس النواب لا يريد معاقبة المفوضية وحدها، بل أيضاً الناخبين الذين لم يكن لهم ذنب في عمليات التزوير.. ناخبو الخارج ومخيمات النازحين ومقترعو التصويت الخاص في إقليم كردستان لم يقوموا هم بعمليات التزوير لتُلغى أصواتهم بالجملة .. عمليات التزوير في هذه القطاعات وغيرها قامت بها القوى المتنفّذة التي تُخرِج نفسها الآن من قضية التزوير “مثل الشعرة من العجين”..
القوى المتنفّذة في العمليّة السياسيّة هي مَنْ تستحقّ العقاب عن كلّ الخراب الجاري في العراق، وما تزوير الانتخابات سوى جزء من هذا الخراب العميم… عقاب القوى المتنفّذة يكون بتشريع قانون عادل ومنصف للانتخابات ومثله قانون للأحزاب وتشكيل مفوضية جديدة على وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والوطنية وليس على وفق نظام المحاصصة .. وعقاب القوى المتنفّذة يكون بوضع حدّ لفسادها الإداري والمالي السافر.