23 ديسمبر، 2024 10:51 ص

مَــن يـبـكــي عـلــى مَــن ؟!

مَــن يـبـكــي عـلــى مَــن ؟!

تروي لنا القصص، سواء كانت هذه الروايات من نسج الخيال، أم انها حقيقة واقعة عن علاقة الفارس بالحصان، وروت لنا ان الفارس الشجاع، لا يعتلي إلا صهوة حصان يختلف عن البقية من أبناء جنسه، من حيث السرعة والتحمل والمناورة في القتال، والوفاء لصاحبه، وكثير من التفاصيل التي تبعث في داخلنا شعوراً جميلاً بالزهو والتفاؤل حينما نقرأ أو نشاهد في الأفلام هكذا مواقف، وليس مبالغة حينما أقول لكم ان هناك حيوانات تبكي حينما تفارق أصحابها أو تفقدهم، وهذا الإحساس والعاطفة أوجدها الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته، وقد تكون المقارنة غريبة حينما أربط هذا الموضوع وأقارنه بالعلاقة بين الكرسي والمسؤول، على إعتبار ان الحالة الأولى مقارنة بين كائنات حية، والثانية مقارنة بين كائن حي وجماد، ولكني اجد المقارنة بالحالة الثانية أكثر حضوراً في تصوري، لأننا نعيش أزمة مسؤولية، ولا نعيش أزمة كراسي، وهذه الحالة جعلت الكراسي تبكي، ومن هو في دكة المسؤولية يبكي، ولكن البكاء يختلف في الحالتين، فالكرسي يبكي على مسؤول يملأ هذا الكرسي، ويعطيه حقه في الأداء والكفاءة والأمانة، ويكون أكبر من الكرسي الذي يجلس عليه وليس العكس، والمسؤول في هذا الزمان يبكي ويلهث سعياً وراء الكرسي، وهو يعلم بداخله أنه ليس اهلاً له، ولا يملك الحد الادنى من الكفاءة والشخصية القيادية والامانة والنزاهة، وكذلك الشجاعة ليعتلي صهوة هذا الكرسي، وهو لا يسعى اليه لحمل شرف المسؤولية، وانما لتحقيق المصالح الذاتية التي لن يصلها الا بوصوله الى كرسي المسؤولية.

هذه أزمتنا، وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي نعيشها في الوقت الحاضر، لأن الكفاءة مُغيبة، والولاء ليس للوطن، وإنما للطائفة أو الجهة الحزبية أو الفئوية الضيقة، ولذلك تعزز بناء دولة المكونات، وتراجع مفهوم دولة المواطن، لتبدأ مرحلة اللادولة، ويصبح العراق مُشاعاً في ظل تزايد زخم الارهاب وصراع النفوذ والاطماع التي تحيق بالعراق من كل صوب.

ان الكفاءة بدون ولاء مطلق للوطن، تـُعتبر خيانة، والولاء بدون كفاءة يُعتبر جهلاً وحماقة في الأداء، ولذلك لابد من إقتران الكفاءة بالولاء، ليصبح المسؤول قادراً على مليء الخير الذي يشغله ويعطي كرسي المسؤولية إستحقاقه وبالتالي يتناغم الأداء، ويسير بناء دولة المؤسسات بالأطار الصحيح.

ولذلك نقول ان العلاقة بين الكرسي والمسؤول، علاقة ذات أبعاد كبيرة، فالكرسي يبكي على من يملأه، والمسؤول القادر على ملء كرسي المسؤولية لا يسعى الى هذا الكرسي، بل الكرسي هو الذي يسعى اليه، لأنه يجد نفسه أكبر، من حيث الكفاءة والأداء والأمانة والنزاهة، وهذا يعني ان المسؤول الحقيقي القادر على حمل الأمانة والأداء، هو الذي تبكي عليه الكراسي، ولا يسعى اليها الا لترجمة المسؤولية الوطنية والأخلاقية التي تملي عليه الجلوس على هذا الكرسي لإداء دوره الوطني والانساني.

فأعوذ بالله من مسؤول يبكي على الكرسي، وحيا الله من يبكي الكرسي عليه.