تحتفل نخب العراق وكوادره الصحفية في الخامس عشر من حزيران من كل عام بعيد ميلاد صاحبة الجلالة ، بعد إن أوقدت (153) شمعة في عمرها المجيد ، وهي تتباهى الآن بقصورها العامرة التي شيدت للكلمة منابر تتحمل مسؤولية مصير شعب أبى إلا أن يكون في الصدارة ، منذ أن إنطلقت أولى معالم الكلمة والكتابة على أرضه ، وحمل رسالتها شعب العراق الأبي الى أقاصي الأرض، قبل عشرات الآلاف من السنين ، منذ أيام صحف إبراهيم وموسى التي وردت في القران الكريم!!
وربما قلة من تلك النخب تدرك أن يوم الصحافة العراقية ، ليس اليوم الذي إنبثقت فيه صحيفة الزوراء في العهد العثماني عام 1869 م ، كما يشاع ، ليكون عيدها الثالث والخمسين بعد المائة في العصر الحديث ، ولكن لأنه لم تكن هناك صحيفة رسمية مكتوبة ، عبرت عن أول صوت وطني عراقي في العصر الحديث ، تحت راية السلطة الرابعة ، سوى صحيفة الزوراء التي نحتفل بذكرها هذه الإيام، وإن كانت ناطقة بلسان السلطان العثماني أنذاك!!
بل ان إنبثاق فجر الصحافة إرتبط على الدوام بشعراء القبائل العربية والناطقين بإسمها، وسبقهم بذلك في تلك المسؤولية الأنبياء الأجلاء إبراهيم وموسى عليهما السلام، يوم تم ذكر صحفهما في القران الكريم، أي كتبهما المعبرة عن رسالتهما في صحف إبراهيم وموسى، وكانت أول دلالة على نشأة الصحافة في بلاد الرافدين وعلى أرض النيل في مصر الكنانة!!
أجل كان شعراء الجاهلية في زمن عنترة إبن شداد وقيس العامري وجميل بثينة وكثير عزة ، وفي زمن الرسالة الإسلامية الشاعر حسان إبن ثابت الناطق بإسمها، وغيرهم كثير فيما بعد ، وكواكب مبدعينا من الشعراء والكتاب والصحفيين، هم من يعدون رسل الكلمة ومن حملوا لواءها قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام ، وليس كما يحتفل به الآن قبل مائة وثلاثة وخمسين عاما !!
ومن دواعي شرف الكلمة أن يكون العراقيون سباقين في حمل مسؤوليتها والدفاع عنها ، بعد إن كانت أرضهم مهبط الأنبياء والرسل والصالحين، ومن على أرضهم إنطلقت الحضارات ومعالم التمدن والرقي ، فكانت الكلمة هي من عبرت عن تلك الرسالات السماوية خير تعبير، بعد أن حمل لواءها من كانوا قريبين من ملوكها الجبابرة ، وهم الناطقون بإسمها ، ومن ينشرون مبادئها على وجه الأرض!!
وفي عصرنا الحالي توالى الكثير من الأدباء والشعراء الفحول على قيادة نقابة الصحفيين العراقيين التي إنبثقت قبل أعوام ، وهي الآن المعبر عن تطلعات الأسرة الصحفية ، حتى كان الزميل العزيز مؤيد اللامي آخر من تولى مسؤولية قيادة مسيرتها في السنوات الإثنتي عشرة الأخيرة ، ولقي ترحيبا من الأسرة الصحفية وكوادرها في أنهم إختاروه لكي يتولى تلك المهمة ، ونال حظوة كبيرة بين معشر صاحبة الجلالة عراقيا وعربيا ودوليا، وهو أحد رموزها المؤثرين ، ومن أعلى صروحها وحافظ من خلال كواكب الصحافة وأقمارها المضيئة على أن تبقى الكلمة وحرية التعبير مصانة ، وينهل الصحفيون من بحورها ما يشكل عرفانا بالجميل لمواقفهم المشرفة!!
ويتوجه الصحفيون العراقيون في تلك الذكرى العزيزة على قلوبهم الى السيد نقيب الصحفيين العراقيين السيد مؤيد اللامي والى دوائر صناع القرار، أن يتم الإهتمام بأحوال نخب الصحافة وكوادرها ومن عملوا تحت مختلف عناوينها ، لتحسين أحوالهم ورفع شأن عوائلهم، بعد أن وصلت أحوال الكثيرين منهم ، الى ما لايسر.. وهم بأمس الحاجة الى من يرفع عن عوائلهم غائلة العوز وتدني مستويات العيش الآدمي، وعدم وجود فرص عمل صحفية لهم ، وإغلاق أكثر الصحف وقنوات فضائية أبوابها بوجههم ، في عصر يطلق عليه “عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان “، مما لا يليق بالسلطة الرابعة أن تكون أحوالها على تلك الشاكلة من عدم الإهتمام، برغم أنها قدمت مئآت القرابين من كواكب الصحافة شهداء وجرحى ، في سوح المواجهة مع أعداء العراق ومع الإرهاب الذي كان يعصف بأرضه !!
تحية لكواكب الأسرة الصحفية وحاملي مشعل نورها ووهجها ، ولنقيبها المثابر السيد مؤيد اللامي ولأعضاء مجلس نقابتهم ، ولهم من كل العراقيين كل محبة وتقدير، وهم ، أي معشر الصحافة ورموزها الكبيرة ، من أرسوا معالم صحافة متقدمة ، حافظت على مسؤولية الكلمة وشرفها، وهم يتصدرون الركب من أجل أن تبقى شمسهم مشرقة ، تتلألأ بكل تلك الأنوار المضيئة الساطعة ، مع خالص تقديرنا لصاحبة الجلالة في عيدها الكبير!!